اللجان الاستشارية.. أسلوب السلطة لتطويق الإرادة الشعبية

15 ديسمبر 2019 - 23:00

بعد عامين وشهرين من أول إعلان ملكي عن فشل النموذج التنموي القائم في المغرب، وبعد محاولات تبدو كما لو آلت إلى الفشل لوضع تصور جديد عبر الطبقة السياسية والمؤسسات القائمة؛ عيّن الملك مساء أول أمس لجنة استشارية جديدة بقيادة وزير الداخلية السابق، شكيب بنموسى.

في الخطوة تأكيد لأسلوب اعتمده مرارا في تدبير أحد الملفات المستعصية في عهد الملك محمد السادس، في مواضيع مدونة الأسرة والجهوية والدستور والتعليم والإجهاض… فلماذا أسلوب اللجان هذا؟ وما الرهانات السياسية وراءها؟ وهل يتعلق الأمر بتمدد للحقل الملكي على حساب الحكومة، أم محاولة فقط للعثور على صيغة للتوفيق بين الشرعية الملكية والشرعية التمثيلية؟

“هي آلية من آليات التدبير الملكي لقضايا الشأن العام”، يقول الأستاذ الجامعي محمد شقير، مضيفا أن هذه اللجان لا تتوفر على شرعية خاصة، مادام أنها تستمد وجودها من الإرادة الملكية “الذي يعين رؤساءها وبعض أعضائها في حين يسمح بأن تضم فعاليات حزبيةـ وفعاليات اجتماعية واقتصادية وأكاديمية، مما يضفي عليها صبغة نخبوية استشارية تذكر إلى حد ما بالديوان أو الهيئة الاستشارية التي كانت تحيط بالسلطان المنصور السعدي والسلاطين العلويين الذين أتوا من بعده”.

لكن ما يميز هذه اللجان في عهد الملك محمد السادس، حسب شقير، فهو كثرتها التي فسّرها بطبيعة وأسلوب هذا الملك في تدبير شؤون الحكم. “بخلاف والده الذي اعتمد في أسلوبه على مركزة القرار، والانفراد بالسلطة خاصة في مواجهة منافسين كانوا يطمحون إلى تقاسم السلطة معه”.

من جانبه، عبدالرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، يعتبر أن اللجان الاستشارية من هذا القبيل تُحدث بمبادرة ملكية، “لكن على حساب صلاحيات واختصاصات الحكومة”. ويضيف العلام أن إحداث مثل هذه اللجان يطرح السؤال أيضا حول “الجدوى من إحداث المؤسسات الاستشارية التي نص عليها الدستور، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التي يفترض أن تقوم هي نفسها بهذا الدور، أي بلورة استراتيجيات تنموية وغيرها”.

موقف لا يشاطره أستاذ جامعي آخر، رفض ذكر اسمه، والذي أكد أنه “من الناحية الدستورية، لا شيء يمنع الملك، باعتباره رئيسا للدولة من تشكيل اللجان. واعتبر هذا الأستاذ أن دستور 2011 ينص صراحة على أن إحداث “مؤسسات ذات الشخصية المعنوية العامة يجب أن يكون بمقتضى قانون، لكن لا يمكن أن نعتبر اللجان الاستشارية مؤسسات ذات شخصية معنوية عامة، أولا، لأنها لجان مؤقتة في الزمن، وثانيا، لأن العمل الذي تقوم به استشاري وغير ملزم”. ومضى المتحدث نفسه قائلا: “نحن أمام لجان استشارية يجوز للملك أن يحدثها بصفته رئيسا للدولة، ولا أعتقد أن هناك دستورا في العالم ينظم كيف يمكن لرئيس الدولة تعيين مستشار له، ولا يجب على أي دستور أن يتدخل في تنظيم مثل هذه الأمور”، لكن السؤال الأساسي، الذي ينبغي طرحه، هو “هل ينبغي أن يكون للملك مشروع تنموي أو سياسي؟”.

من جهته، يرى خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بالكلية متعددة التخصصات بتازة، أن أسلوب اللجان الاستشارية، “لا يعبر عن امتداد حقل الممارسة الملكية للسلطة، بل هي تعبير أصيل للملكية التنفيذية بالمغرب، قبل وبعد دستور 2011″، ويضيف “أن اللجان الاستشارية هي تجسيد غير معبر عنه دستوريا لاستمرارية سلطة المجلس الوزاري؛ غير أن تكوين وبرنامج اللجان الاستشارية تخضع لمسطرة لا تراعي نصوص وروح الدستور، خاصة الصلاحيات المنصوص عليها في الفصل 88 المتعلق بالبرنامج الحكومي، وصلاحيات المجلس الحكومي المقرر في الفصل 92، وكذا نجاعة الفصل 70 المتعلق بمراقبة البرلمان السياسات العمومية”.

وبالعودة إلى لجنة شكيب بنموسى، يوضّح محمد شقير أنها ستبلور تصورا لنموذج تنموي يرهن مصير البلاد لفترة معينة من حياة المواطنين، “فالكلمة الأخيرة والحاسمة ستكون للملك، مما سيضفي على قراره طابعا شرعيا مستمدا من عرض هذا الموضوع على الرأي العام، وتعيين لجنة ملكية بهذا الشأن، مما سيجعل منه قرارا لا يعكس أي طابع فردي أو فوقي، لكن دون أن يتسم بأي طابع ديمقراطي، مادام أنه لن يعرض على أي استفتاء شعبي، وحتى إن عرض على الهيئة البرلمانية، فلن تكون لمكوناته الجرأة السياسية على مناقشته أو تعديله”.

فيما يشدّد عبدالحفيظ أدمينو، على أن تجربة لجنة الجهوية التي قادها عمر عزيمان، اشتغلت على سيناريوهات متعددة “ونفس المنطق ستشتغل به لجنة النموذج التنموي التي لن تضع نموذجا جاهزا للتطبيق، إنما ستحدد الخيارات، وبالتالي، سيكون هناك تقاطع  مع برامج الأحزاب”. ويتوقّع أديمنو بناء عل ذلك، أن تشمل الاختيارات المنتظرة “سبل تعزيز الخيار الديمقراطي، وموضوع الحكامة، وسبل خلق الثروة وعدالة توزيعها وتكافؤ الفرص.. وغيرها”.

اللجان الاستشارية.. أسلوب السلطة لتطويق الإرادة الشعبية

بإعلان الملك محمد السادس إحداث لجنة استشارية مكلفة بوضع نموذج تنموي جديد، يترأسها شكيب بنموسى، وزير الداخلية السابق والسفير المغربي، حاليا، في باريس، يكون قد اختار الأسلوب الذي اعتمده مرارا في تدبير أحد الملفات المستعصية (مدونة الأسرة، الجهوية، الدستور، التعليم..)، وتتعلق بالنموذج التنموي الكفيل بوضع المغرب على الطريق السليم نحو إحراز مكان بين الدول الصاعدة في المنطقة وحول العالم، غير أن الخطوة تثير، في حد ذاتها، جدلا مسكوتا عنه، خصوصا بعد دستور 2011، الذي ارتقى بمؤسسات استشارية عديدة إلى مرتبة دستورية، وأناط بها الاختصاصات والموارد الكافية التي تمكنها من بلورة الرؤى والاستراتيجيات التي تحتاج إليها الدولة، فلماذا أسلوب اللجان هاته؟ ما الرهانات السياسية وراءها؟ هل يتعلق الأمر بتمدد للحقل الملكي على حساب الحكومة أم هي محاولة فقط، للعثور على صيغة للتوفيق بين الشرعية الملكية والشرعية التمثيلية؟

جدل دستوري

أول إشكال يثار بشأن إحداث لجان استشارية من قبل الملك، يتعلق بمدى دستوريتها في ظل الدستور الحالي (2011)، ففي حين يرى البعض أن الدستور لا يمنع، كما أنه لا يبيح للملك تشكيل لجان استشارية، مثلما لا ينص ولا يمنعه من عقد جلسات عمل، فإن البعض الآخر يرى خلاف ذلك، منطلقا من أرضية أن الدستور حدد سلطات الملك على سبيل الحصر، ولا يمكنه أن يُقدم على أي مبادرة بدون أن يكون لها سند صريح في دستور 2011. وفق هذه القراءة، يرى عبدالرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن “اللجان الاستشارية لا سند لها من الناحية الدستورية، لأن الدستور واضح في القول إن الملك يمارس صلاحيات على سبيل الحصر، فهو يمارس اختصاصاته في المجالين الديني والعسكري، بآلية الظهائر، كما أنه يمارس صلاحيات التعيين في المؤسسات والمقالات الاستراتيجية طبقا لما هو محدد في القانون”، وتابع العلام بالقول إن “أي صلاحية أخرى يجب أن يمارسها بناء على سند دستوري صريح وواضح، وهو ما لا نعثر عليه بخصوص إحداث اللجان الاستشارية”.

كما يرى العلام أن “الملك حين أعلن عن تشكيل لجنة استشارية لوضع النموذج التنموي الجديد، لم يشر إلى السند الدستوري الذي يسمح له بمثل هذه المبادرة، خصوصا وأن هذه اللجنة ستكون منافسة للحكومة، لأنها ستتناول موضوعا يندرج بشكل أساسي ضمن اختصاصات الحكومة”، وأضاف “أن اللجان الاستشارية من هذا القبيل تُحدث بمبادرة ملكية، لكن على حساب صلاحيات واختصاصات الحكومة”، معتبرا أن إحداث مثل هذه اللجان يطرح السؤال، أيضا، حول “الجدوى من إحداث المؤسسات الاستشارية التي نص عليها الدستور، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التي يفترض أن تقوم هي نفسها بهذا الدور، أي بلورة استراتيجيات تنموية وغيرها”.

لكن هناك من يرى خلاف ما ذهب إليه عبدالرحيم العلام، بحجة أن دستور 2011، كما أنه لا يبيح إحداث لجان استشارية، فهو لا يمنع رئيس الدولة، أي الملك، من إحداثها. أستاذ جامعي آخر، رفض ذكر اسمه، أكد أنه “من الناحية الدستورية، لا شيء يمنع الملك، باعتباره رئيسا للدولة أن يشكل لجنة أو عدة لجان”. واعتبر أن دستور 2011 ينص صراحة على أن إحداث “مؤسسات ذات الشخصية المعنوية العامة يجب أن يكون بمقتضى قانون، لكن لا يمكن أن نعتبر اللجان الاستشارية مؤسسات ذات شخصية معنوية عامة، أولا لأنها لجن مؤقتة في الزمن، وثانيا لأن العمل الذي تقوم به استشاري وغير ملزم”، ومضى قائلا: “نحن أمام لجان استشارية يجوز للملك أن يحدثها بصفته رئيسا للدولة، ولا أعتقد أن هناك دستورا في العالم ينظم كيف يمكن لرئيس الدولة تعيين مستشار له، ولا يجب على أي دستور أن يتدخل في تنظيم مثل هذه الأمور”، لكن السؤال الأساسي الذي ينبغي طرحه هو “هل ينبغي أن يكون للملك مشروع تنموي أو سياسي؟”.

تمدد السلطة الملكية

الجواب عن السؤال السابق، يفتح النقاش حول الدوافع السياسية التي تدفع الملك إلى إحداث لجان استشارية للنظر في بعض الموضوعات التي يقدر أنها تحتاج إلى ذلك، على اعتبار أن النقاش الدستوري غير ذي أساس حول هذه القضية مادام الدستور لا يمنع الملك من إحداث لجان استشارية، بصفته رئيسا للدولة ومؤتمنا على حسن سير المؤسسات.

محمد منار، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض، يعتبر أن الدافع الأساسي، بحسب خطاب السلطة، هو أن “هناك قضايا استراتيجية عابرة للزمن الحكومي، ينبغي أن تظل من اختصاصات الملك، وتحت إشرافه بشكل مباشر، ويمكن أن يحدث لها لجان استشارية تعمل إلى جانبه، ووفق توجيهات وتعليمات الملك ومستشاريه”.

بلال التليدي، محلل سياسي، رصد الحجة عينها التي تبرر بها السلطة إحداث الملك للجان استشارية، فـ”التأويل الذي تلجأ إليه السلطة، هو أن قضية النموذج التنموي مثلا، هي قضية دولة، وليست قضية حكومة أو أغلبية ضد معارضة”، وبالتالي، فإن “هذا النموذج لا يخص مرحلة سياسية معينة، وغير مرتبط بالرهان الانتخابي، بل قضية تتعلق بمستقبل الأجيال القادمة، فتحت هذا المبرر تلجأ السلطة إلى أسلوب اللجان الاستشارية، التي تعيّن فيها من ترى أنه من الكفاءات أو من القوى الأساسية في المجتمع”.

لكن لا يبدو أن هذا المبرر مقنع للجميع، فالدكتور محمد منار يرى أن اعتماد هذا الأسلوب يبقى “غريبا”، خصوصا وأن القضايا التي تُحدث لها لجان استشارية من قبل الملك “تكون في كثير من الأحايين من اختصاصات الحكومة، التي ينص الدستور صراحة على أنها السلطة التنفيذية، وخوّل لها وضع السياسات العمومية والقطاعية، لكننا نُفاجأ في كل مرة أن مثل هذه الاختصاصات تُنتزع من الحكومة، لتُمنح إلى لجان استشارية تشتغل بالتوازي مع الحكومة، ولا سلطة لهذه الأخيرة عليها”. واعتبر منار أن هذه “الأسلوب يتعارض مع دستور 2011، الذي يزعم البعض أنه قطع مع الملكية التنفيذية، بينما يؤكد الواقع أنها لازالت حاضرة وبقوة”، مشيرا إلى أنه “يلاحظ أن رؤساء اللجان الاستشارية وأعضاءها يُنتقون، دائما، من صفوف الأشخاص المعروفين بولائهم التام للملكية، ولهم القابلية للاستجابة للتوجيهات وتنفيذ التعليمات”.

من جهته، يرى خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بالكلية متعددة التخصصات بتازة، أن أسلوب اللجان الاستشارية، “لا يعبر عن امتداد حقل الممارسة الملكية للسلطة، بل هو تعبير أصيل للملكية التنفيذية بالمغرب، قبل وبعد دستور 2011″، ويضيف “أن اللجان الاستشارية هي تجسيد غير معبر عنه دستوريا لاستمرارية سلطة المجلس الوزاري؛ غير أن تكوين وبرنامج اللجان الاستشارية تخضع لمسطرة لا تراعي نصوص وروح الدستور، خاصة الصلاحيات المنصوص عليها في الفصل 88 المتعلق بالبرنامج الحكومي، وصلاحيات المجلس الحكومي المقرر في الفصل 92، وكذا نجاعة الفصل 70 المتعلق بمراقبة البرلمان السياسات العمومية”. وبحسب يايموت، فإن هذا الأسلوب “يطرح إشكاليتين؛ الأولى، تتعلق بكيفية صناعة القرار السياسي والسياسة العامة؛ والثانية، ترتبط بنصوص دستورية غامضة، وهي في حاجة إلى تعديل وتوضيح وإعادة ترتيب صلاحيات المؤسسة الملكية، في علاقتها بالحكومة”.

بالمقابل، لا يعترض بلال التليدي، بشكل منهجي على أسلوب اللجان الاستشارية، فهو يرى أنه “يمكن النظر إليه من زوايا عدة، فاللجان الاستشارية قد تكون أسلوبا سليما في حل بعض القضايا، مثلما حدث في قضية مدونة الأسرة، وقضية الإجهاض، حيث لجأ الملك إلى أسلوب اللجان، بعدما عجزت القوى السياسية والاجتماعية عن التوافق. ففي حالة مدونة الأسرة لجأ الملك إلى إحداث لجنة استشارية من أجل تجاوز حالة الانشقاق المجتمعي الذي حدث، وكانت مبادرة في محلها، وخيارا مقبولا”، لكن التليدي يرى أنه في حالات أخرى، يكون الرهان والدفع مختلف، وبدون مبررات سياسية مقبولة، بحيث “ينظر إلى استعمال هذا الأسلوب على أنه رغبة من السلطة لامتلاك مساحات، هي في الحقيقة من اختصاص الحكومة، وتكون اللجنة الاستشارية مجرد طريقة ملتوية لكي تتمدد السلطة على حساب الحكومة، وعلى سبيل المثال، تعد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم نموذجا للكيفية التي جرى بها تقييد اختصاص وعمل الحكومة، وأخشى أن يتكرر المنطق عينه مع لجنة النموذج التنموي الجديد”.

في المقابل، يرى عبدالرحيم العلام أنه لا يمكن المقارنة بين حالة مدونة الأسرة وحالة النموذج التنموي، لأنه في حالة الأولى “كنا أمام خلاف مجتمعي، تعمق إلى حد الانقسام بين توجيهن، ما جعل الملك يتدخل عبر تفعيل دوره واختصاصه التحكيمي، بصفته أميرا للمؤمنين”. ويضيف أن اللجنة الاستشارية التي عيّنها كانت مختلطة، واستطاعت التوافق حول صيغة أقرّها الملك وتحولت بعد ذلك إلى قانون نوقش وصودق عليه من طرف البرلمان، لكن هذا حدث قبل دستور 2011، أما بعد تبني الدستور فلدينا مؤسسات دستورية استشارية يمكنها أن تقوم بالعمل الذي تحتاج إليه الدولة”.

تنافس الشرعيات

في الدول الديمقراطية، يقول محمد منار، تمارس السلطة المؤسسات الثلاث: الحكومة والبرلمان والقضاء، وإذا “تم اللجوء إلى إحداث لجان استشارية، يكون ذلك من قبل الحكومة المنتخبة نفسها، وبالتالي، فهي من تتحمل المسؤولية السياسية، لكن يبدو أن الأمور عندنا غريبة، ومرتبطة أساسا بطبيعة النظام السياسي”.

من بين الدول التي تلجأ إلى أسلوب اللجان الاستشارية، فرنسا، إذ تستدعي أحيانا حتى خبراء من خارجها، تعينهم في عضوية اللجان التي تؤسسها للنظر في قضية ما، اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، لكن يبقى أن مخرجات عمل تلك اللجان يكون جزءا من برنامج الحكومة المنتخبة، وذلك على خلاف المغرب، الذي يعرف هذا التنافس المستمر بين سلطة التعيين وسلطة الانتخاب، وهو التنافس الذي يتجلى بأشكال مختلفة، منها النقاش حول مجال الملك (الوارث للحكم) ومجال الحكومة المنتخبة.

لكن التليدي لا يتفق مع هذه القراءة، في حالة اللجان الاستشارية، ذلك لأن “الملك لا يبحث عن شرعية، لأن له شرعياته، كما أن الملك ليس لديه فقر في التوجيه، فهو له من الآليات ما يكفي لكي يتدخل ويوجه السياسات الكبرى، لكن تقديري وأخشى أن يكون هو السبب الرئيس وراء اللجوء المتكرر إلى إحداث اللجان الاستشارية، هو أن تكون السلطة قد بلغت بها درجة عدم الثقة في النخب السياسية حد الرغبة في إنتاج رؤى من خارجها، وبالتالي، تجاوزها، ليس من خلال التوجيهات، بل الانعطاف نحو المجتمع بشكل مباشر من خلال أسلوب اللجان”.

بدوره، عبّر العلام عن قراءة ترفض القول بوجود تنافس بين الشرعيات الملكية والحكومية، لأن “المغرب لا يعرف حالة تساكن بين الحكومة ورئيس الدولة، كما عرفت ذلك فرنسا في فترة الثمانينيات”، وأضاف “بالعكس، نحن لدينا صيغة أخرى، حيث كل ما تقوم به الحكومة، يُحسب للملك، وليس لدينا تنافس بين الطرفين، بل إن الخطاب السياسي يعتبر أن الحكومة هي حكومة الملك، والمعارضة كذلك، وكل ما تقوم به الحكومة هو أنها تساعد الملك، وقد سبق لرئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، أن عبّر صراحة عن ذلك، حين قال أكثر من مرة “أنا كنعاون سيدنا”.

ويتبنى يايموت الطرح عينه، لكن بصيغة أخرى، فـ”فيما يتعلق بالتمثيلية والشرعية؛ ورغم ما يوحي به دستور 2011 من تصور مرتبك ومجتزئ للطابع البرلماني للنظام السياسي، فإن الحديث عن الشرعية الملكية والشرعية التمثيلية، هو مجرد مقولة شكلية، بعيدة عن طبيعة الحقل السياسي، وروح الفصل 1 من الدستور الحالي. ذلك أن الملكية عبر اللجان الاستشارية، قادرة على تجاوز فكرة التمثيلية الدستورية عينها، وخلق هيئات غير منتخبة، ولا تخضع للمراقبة السياسية أساسا”.

سؤال المحاسبة والمراقبة أشار إليه، أيضا، محمد منار، الذي يرى أنه وفقا للدستور “يُفترض أن تمارس الحكومة السلطة التنفيذية كاملة، لكن لجوء الملك إلى أسلوب اللجان لانتزاع صلاحيات من الحكومة، يطرح إشكالية أخرى تتمثل في أن هذا الأسلوب هو طريقة أخرى للهروب من المحاسبة السياسية والشعبية.

وعلى العموم، يبدو أن جوهر هذا الإشكال يوجد في طموح السلطة الملكية نحو الانتشار في كل مكان، ولو عبر إحداث لجان استشارية، لا يبدو أن الدولة بحاجة لو جرى تفعيل المؤسسات الاستشارية الدستورية إلى الاضطلاع بمهامها كاملة، وهو طموح يجد تفسيره في انشغال الملكية بأولوية أن يكون لها مشروع سياسي وتنموي، بينما تفيدنا التجارب المقارنة مع ملكيات أوروبية أن الملك لا ينبغي أن يكون لديه مشروع سياسي أو تنموي، لسبب بسيط، وهو أن الشأن التنموي من اختصاص الحكومات المنتخبة، أي أن البرامج يفترض أن تكون موضوعا للتنافس الانتخابي والسياسي، أما إذا كانت الملكية المغربية حريصة على أن يكون لديها مشروع سياسي وتنموي، فما الجدوى من الانتخابات، وما الجدوى من المنافسة الحزبية، وما الجدوى في دعوة المواطنين، هذه الأيام، إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية، إذا كان برنامج الحكومات المقبلة ستضعه لجنة استشارية برئاسة بنموسى، الذي صرّح أخيرا، في لقاء مع الصحافة، أنه يريد لجنة على غرار لجنة الراحل امحمد بوستة التي وضعت مدونة الأسرة، ولعله يشير بذلك إلى رغبته في بلورة نموذج تنموي ملزم للحكومات المقبلة، ولو من خلال تنزيله في شكل قانون إطار يغطي فترة طويلة نسبيا من الزمن.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي