أعاد هجوم عبدالإله بنكيران على لجنة بنموسى بسبب تركيبتها، سؤالا هو هل باتت الدولة تخشى الإسلاميين؟في نظرك، هل هناك مبررات لهذا التخوف، بالنظر إلى السياقات السياسية الحالية؟
إن انتقاد بنكيران للجنة بنموسى، التي نعتها بأنها غير متوازنةباعتبار أنها تضم تيارا واحدا مكونا من أشخاص متخصصين في التشكيك في الدين، هو انتقاد يمكن أن يوحي بأن هذه اللجنة تشكلت ضد التيار الإسلامي، وبالأخص حزب العدالة والتنمية،في الوقت الذي يُستدل من الخطاب الملكي أنه أُريد لهذه اللجنة أن تكون بعيدة عن التجاذبات الحزبية والسياسية لكي تتحلى بالموضوعية، والتوكيد على حقيقة الأوضاع مهما كانت مؤلمة.
لكن بنكيران، ومن خلال خرجته هذه، لم يعكس فقط، توجس خوفقيادة حزب العدالة والتنمية الذي يتصدر الحكومة، بل يبدو أنه يعكس استياء كل القوى الحزبية التي لم تفهم كيف يُطلب منها إرسال تصوراتها بشأن النموذج التنموي الجديد، وتقوم ببعثها إلى الديوان الملكي، ثم تُفاجأ بعدم انتقاء ممثليها ضمن عضوية اللجنة التي عين على رأسها أحد تقنوقراطيي القصر في شخص بنموسى.فهل هذا يعني بأن هذه التصورات لم تحظ برضا الملك؟ أم إن المدة التي حددت لعمل اللجنة يمكن أن تعطلها تجاذبات أعضاء الأحزاب؟ أم أُريد لهذه اللجنة أن تكون ذات طبيعة ملكية صرفة.
وبالتالي، فخرجة بنكيران تعكس إلى حد بعيد، شعورا عاما لدى قيادات أغلب الأحزاب التي أحست بإقصائها من هذه اللجنة،بدليل أن الأمين العام لحزب الاستقلال، صرح خلال اجتماع اللجنة المركزية للحزب، بأنه كان يود أن يشارك في هذا الورش الملكي المتعلق بالنموذج التنموي الجديد، ليوجه سهام نقده للحكومة التي دعاها إلى الاستمرار في عملها دون أن تتحجج بانتظار ما ستسفر عنه هذه اللجنة.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها إقصاء الإسلاميين من المؤسسات الدستورية، لذلك يُطرح السؤال حولالأبعاد السياسية لهذا التوجه في إبعادهم؟ فهل يتعلق الأمر بأسباب موضوعية للدولة في هذا الإبعاد؟
إن استبعاد أطر حزب العدالة والتنمية، لا يمكن تفسيره بخلفيات سياسية، لأن هذا الحزب لم يمر على تأسيسه أكثر من عقدين، ثم إنه وجد نفسه متصدرا للحكومة في سياق مستجدات إقليمية أكثر من تطورات داخلية، بحيث لم يكن له الوقت الكافي للتوفر على كفاءات متمرسة بالعمل الإداري، والعمل الحكومي والعمل الاقتصادي. فبخلاف أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكذا التجمع الوطني للأحرار، تمرست بالعمل السياسي،وكان لها الوقت لإدماج أعضائها في دواليب الدولة الحكومية والاقتصادية والإدارية.
حزب العدالة والتنمية، الذي ينحدر أطره من قطاع التعليم، وجد صعوبة كبرى في التوفر على الأطر المناسبة لبعض المناصب العليا سواء في الحكومة أو في الإدارة، وهو ما دفعه إلى الاستعانة بمستشارين وأطر خارج الحزب، لتدبير الشأن الحكومي الذي تسيّده تقنوقراط تابعين للقصر أو تقنوقراط من أحزاب إدارية كالتجمع، على سبيل المثال. وبالتالي، فإن إقصاء فعاليات الحزب من بعض المؤسسات الدستورية واللجان الملكية يرجع بالأساس، إلى افتقاد الحزب للأطر المناسبة والمتمرسة.
هل يمكن أن يعيد هذا التخوف معركة المحافظة والتحديث في المغرب إلى الواجهة؟ ثم هل هي معركة حقيقية أم مفتعلة لحجب الصراع الحقيقي مع الإسلاميين؟
يبدو أن الحزب، ورغم تصدره للحكومة، مازال يرتهن لمرجعيته المحافظة، بدليل أن الجدل حول الحريات الفردية، وبالأخص مسألة الإجهاض والعلاقات الرضائية، عبرت فيها قيادات الحزب عن تشبثها بموقفها المتحفظ. فكما أبدى الحزب تشبثه برفض حرية المعتقد خلال وضع دستور فاتح يوليوز، هو الآن، من أشد الرافضين لحرية المرأة في جسدها، وأي علاقة رضائية. ولعل هذا الموقف يمكن تفسيره بأن الحزب يحاول المحافظة على قاعدته الانتخابية من جهة، والعمل على التميز بمرجعيته الدينية التي بدونها سيفقد هويته السياسية من جهة أخرى، مما سيجعله لا يختلف عن باقي الأحزاب الأخرى، خاصة بعدما انخرط في ممارسة الشأن الحكومي الذي أظهر بأنه لا يختلف في تدبيره عن باقي الأحزاب الأخرى.
في اعتقادك، هل المعايير التي استحضرتها الدولة في اختيار أعضاء لجنة صياغة النموذج التنموي لا تنطبق على الإسلاميين؟ ثم ما هي خلفيات إبعادهم من عضويتها؟
من الواضح أن انتقاء الملك لأحد تقنوقراطيي القصر، الذي تقلب في عدة مناصب إدارية ووزارية ودبلوماسية، قد حدد طبيعة البروفايلات التي سيتم اختيارها لعضوية هذه اللجنة، والتي تمثلت في ضم العديد من فعاليات المغرب بالخارج، الشيء الذي يتناقض مع ما درجت عليه الأحزاب في إبعاد هذه الشريحة من أي تمثيلية برلمانية أو حكومية.
كما أن إعلان الملك على ضرورة تحري الموضوعية، قد جعل الاهتمام ينصب على إبعاد كل الفعاليات الحزبية والنقابية والحقوقية، تجاوزا لكل التجاذبات التي يمكن أن تعطل عمل هذه اللجنة، الذي حدد لها نهاية يونيو المقبل لتقديم تصورها حول هذا النموذج، الذي يبدو أنه ركز على الجانب المجتمعي والاقتصادي والتكنولوجي، من خلال التركيز على البروفايل الأكاديمي، سواء أكان بنكيا أو اقتصاديا أو سوسيولوجيا.
هل يمكن اعتبار إبعاد الإسلاميين من لجنة بنموسى نهاية لمسار تجربتهم الحكومية؟
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فليس فقط، حزب العدالة والتنمية هو من أُبعد من هذه اللجنة، بل إن كل الأحزاب أبعدت، اللهم إلا إذا استثنينا بعض الاتحاديين الذين نُودي عليهم، لكن كخبراء وأكاديميين مثل الشامي، الذي كان وزيرا سابقا للصناعة والاقتصاد الرقمي. وبالتالي، فلا يمكن اعتبار هذا المعطى استهدافا لهذا الحزب، بل إن الصراع مازال متواصلا ويتم بالأساس على صعيد مواجهته من طرف حزب التجمع بزعامة أحد المقربين من محيط القصر، الذي يحاول أن يهيأ نفسه للانتخابات المقبلة، كرئيس حكومة، خاصة بعد إزاحة بنكيران كشخصية تواصلية وشعبوية بامتياز. كما أن إدماج الحزب في تدبير الشأن الحكومي، الذي لا يتحكم في توجهاته وآلياته، أفقده الكثير من زخمه السياسي وأظهر جوانب سلبية من تنظيمه وخلافاته الشخصيةبين قياداته، خاصة في محيط إقليمي أضحى غير ملائم للحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. وبالتالي، فإن إبعاده من اللجنة، لا يدخل في هذا الصراع، وإنما هو فقط، تكريس لهذا التراجع السياسي، الذي بدأ منذ تصدره للحكومة وحرصه على البحث عن الثقة الملكية، على حساب شرعيته الانتخابية والشعبية،وتنصله من تطبيق شعار محاربة الفساد، وعدم امتلاك الجرأة السياسية الكافية للاستقالة من تدبير سياسي لا يمتلك مدخلاته، ولا يتحكم في مخرجاته.