مباشرة بعد مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم، فتحت الدولة ورش الانفتاح على الإسلاميين، من خلال دعوة رئيس حركة التوحيد والإصلاح إلى إلقاء درس حسني. جاءت الدعوة بعد ربط وشائج بين الحركة وشخصيتين من محور الحكم آنذاك، هما الناطق الرسمي باسم القصر الملكي حسن أوريد، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الراحل عبدالكبير العلوي المدغري.
كانت البداية مع أوريد، الذي فتح اتصالا بعدد من الهيئات والتنظيمات الإسلامية وضمنها الحركة التي كان يرأسها أحمد الريسوني، حيث كان صديق دراسة الملك في اللقاءات التي جمعته بالريسوني يفاتحه في بعض المواقف والقرارات الملكية، ويستطلع من خلاله آراء ومواقف الحركة التي يمثلها، وأحيانا كان يطلب منه تقديم اقتراحات ليرفعها إلى الملك.
وفي غضون هذه اللقاءات، يحكي الريسوني، تفاجأ أوريد « حين علم مني بأننا مازلنا نُعتبر جمعية « غير معترف بها » لدى وزارة الداخلية، وأننا لم نتوصل قط، منها بالوصل القانوني عن ملف تأسيس جمعيتنا، فوعدنا خيرا. وبعد ذلك بأيام تم الاتصال بنا لمقابلة الوالي السيد محمد الضريف رحمه الله، بصفته مدير الشؤون العامة والولاة أيام الوزير أحمد الميداوي. فذهبت إلى اللقاء برفقة نائبي الثاني الدكتور أحمد العماري، باعتبار أن الأستاذ الأخير كان له سابق معرفة مع الضريف، حين كان واليا على فاس.
العجيب أن الوالي الضريف عبر لنا عن دهشته – أو هكذا تظاهر – لكون ولاية الرباط لم تسلمنا وصل إيداع الملف كل هذه السنين. ثم اتصل أمامنا بالولاية وطلب منها تسليمنا الوصل القانوني لجمعيتنا. خرجنا من الوزارة وتوجهنا مباشرة إلى الولاية. وبعد أيام من « سير واجي، وجيب وجيب »، سلمونا وصلا مؤقتا، صلاحيته 60 يوما فقط، على أساس تسليم الوصل النهائي بعد ذلك. لكنهم توقفوا وانقلبوا علينا، وبقي الأمر، كذلك، إلى سنة 2012، أي إلى أيام حكومة الأستاذ عبدالإله بنكيران ».
خلال الحوارات التي جمعت الريسوني بأوريد، بداية عهد محمد السادس، قدم الأول إلى الثاني نسخة من كتابه « نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي »، وبعدما قرأه وأثنى عليه عرض على صاحبه فكرة أن يقترحه على الملك لإلقاء درس حسني رمضاني أمامه، فرحب الريسوني باقتراحه، ثم أخبر أعضاء في المكتب التنفيذي للحركة فوافقوا على ذلك، وما هي سوى أيام حتى توصل رئيس حركة التوحيد والإصلاح برسالة في الموضوع من وزير الأوقاف عبدالكبير العلوي المدغري، حيث حدد الريسوني موضوع درسه الحسني بنفسه، والذي جاء بعنوان: « مقاصد البعثة المحمدية »، دون أن يعلم أي طرف في الدولة أو الإسلاميين أن فرصة ذلك الدرس ستكون هي اللقاء الأول والأخير، حتى الآن، بين الريسوني والملك. فلماذا توقف هذا الورش ووضع الريسوني في اللائحة السوداء، إلى درجة أن الجهات الرسمية سوف تتجاهل وصوله إلى منصب مهم كان يمكن اعتباره مشرفا للمغرب، وهو منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟
بعد حوالي أربع سنوات على إلقاء الريسوني درسه أمام الملك، سوف يعطي حوارا لجريدة « أوجوردوي لوماروك ». الحوار سوف ينشر يوم 12 ماي 2003، أي قبل أربعة أيام من أحداث 16 ماي 2003 التي يقول الريسوني إنها « مازالت لغزا محيرا، سواء فيمن صنعوها ونفذوها، أو فيمن يقفون وراءها من قريب أو من بعيد. أما الهدف من ورائها، فقد ظهر بوضوح، وهو توجيه ضربة قاضية للحركة الإسلامية السلمية المعتدلة بالمغرب، تفضي إلى اجتثاثها ».
فما الذي قاله الريسوني في هذا الحوار الذي سيكون قطيعة بين التقاء وتحاور وتقارب مشروعين دينيين، مشروع الدولة ومشروع الحركة؟ عن ذلك يقول الريسوني: « الحوار الذي أجراه معي صحفيان من جريدة « أوجوردوي لوماروك » وتُرجم ونُشر يوم 12 ماي 2003، كان في طريقه إلى أن يمر ويُطوى، رغم ما فيه من أفكار جريئة وجديدة مزعجة. والدليل على ذلك هو أني التقيت في ذلك الصباح (من يوم 12 ماي) بوزير الأوقاف الدكتور أحمد التوفيق بدعوة منه. وبعد إبداء ملاحظاته ومؤاخذاته لي على بعض ما جاء في الحوار، أوضحت له ما أقصده، وأوضحت له، كذلك، أن سوء الترجمة، وحذف بعض الجمل من كلامي، أدى إلى تحريف وإفساد بعض المعاني التي ذكرتها في الحوار، علما بأن الصحافيين وعداني بتمكيني من مراجعة الحوار قبل نشره، ولكنهما لم يفعلا ذلك. بعد ذلك اقترح عليّ الوزير إصدار بيان يتضمن هذه التوضيحات، ففعلت ذلك مباشرة بعد افتراقنا، ونشرت التوضيح بجريدة « التجديد » عدد 13 ماي. وبهذا طُوي الموضوع، أو هكذا خُيّل إليّ. لكن فجأة ظهرت 16 ماي، وكان ما كان… فكنت أقول يومها: نحن حلت بنا 12 ماي مضروبة في 16ماي ».
بعد هذه الأحداث الإرهابية التقى المحيط المقرب من الملك مع بعض العلمانيين على تحميل حركة التوحيد والإصلاح المسؤولية الرمزية عما حدث من عنف دموي، وصلت حد التفكير في حل حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح لولا تدخل الملك لإيقاف ذلك، والاكتفاء بالضغط على الحزب والحركة لإبعاد الريسوني من المشهد.
لقد فرض سياق الاحتجاجات التي عرفها المغرب والمنطقة في 2011، وصول إخوان الريسوني إلى الحكومة عن طريق حكومتي بنكيران والعثماني، لكن السياق غير سياق 1999 الذي تحدثت فيه الصحافة عن إمكانية إشراك الإسلاميين في حكومة اليوسفي، عبر تعيين أحمد الريسوني في منصب حسّاس مثل وزير الأوقاف، وهو ما كان يعكس وجود نية داخل الدولة في إيجاد أرضية للقاء الحركة والحزب، اللذين مازالت جهات داخل الدولة ترى فيهما منافسا للملكية على الشرعية الدينية.