السحيمي: البيجيدي ليس مخيفا بل بات ضيفا ثقيلا على النظام (حوار)

22 ديسمبر 2019 - 22:00

هل مازالت الحركة الإسلامية تثير المخاوف اليوم؟

أعتقد أن من الضروري أولا، توضيح الفرق الموجود بين الحركة الإسلامية من جهة، وبين تعبيرها السياسي المتمثل في توظيف الدين، من جهة أخرى. إذا اقتصرنا الحديث عن الحركات الإسلامية، فإن علينا استحضار عنصرين اثنين، الأول، هو المرجعية الإسلامية التي تشير إلى حركة الإخوان المسلمين تحديدا، والتي أعطت عددا من الحركات الوطنية المتنوعة، في مصر وتونس… وهو التأثير الذي وصل إلى المغرب، حيث كان لها امتداد مباشر. وكان عبدالإله بنكيران ومجموعته تجسيدا لهذا الامتداد من خلال تنظيم الشبيبة الإسلامية، وقد اعترف هو بذلك علنا. لقد قاموا بعد ذلك بالانخراط في العمل السياسي في إطار القانون والمؤسسات القائمة، وهذا ما سيقود في نهاية الأمر إلى تأسيس حزب العدالة والتنمية، والذي جرى استثماره في المسار الانتخابي. أما المكوّن الثاني، فيدافع عن نموذج آخر، ويتمثل في جمعية العدل والإحسان لمؤسسها التاريخي عبدالسلام ياسين. فهذه الحركة تتميز بكونها ضد النظام وترفض، بالتالي، المشاركة في الانتخابات وتعتبر النظام القائم مخالفا لمبادئ الخلافة وتدعو إلى التعبئة من أجل إيصال المجتمع إلى حالة النضج بناء على المبادئ الإسلامية التي تدافع عنها… نحن هنا أبعد عن القانونية، بل نتحدث في مجال شرعية النظام السياسي القائم، والتي تشكك فيها الجماعة. في المقابل لا يتجاهل النظام السياسي هذه الجماعة، ويقوم بتدبير وجودها بطريقة متميزة، أي التسامح والمراقبة، والحفاظ على النظام العام والقمع عند الحاجة.

ما الذي تغيّر في تعاطي السلطات مع الحركات الإسلامية خلال العشرين سنة الماضية؟

أعتقد أن من الضروري التفريق بين مرحلتين في هذه الفترة التي يطرحها السؤال. الأولى، تغطي السنوات الأربع الأولى من عهد الملك محمد السادس، أي إلى حدود شهر ماي 2003. فالملك كان يسعى منذ البداية إلى التغيير والانفتاح والدمقرطة. لقد كان هناك نفسٌ إصلاحي يشمل جميع المجالات، لكنها مرحلة انتهت في ماي 2003 مع عمليات الدار البيضاء الإرهابية التي أوقعت 45 قتيلا وعشرات الجرحى. وخلال أسبوعين، طُرحت إشكالية الجواب الذي سيقدمه النظام السياسي عن هذه العمليات. وكان الجواب أمنيا في البداية من خلال اعتقال قرابة ألفي شخص، وجرى التساؤل هل ينبغي الذهاب أبعد من ذلك، وحلّ حزب العدالة والتنمية. القطب الأمني، مجسدا في كل من فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية حينها، والجنرال حميدو العنيكري، مدير الأمن الوطني وقتها أيضا، تعبآ في هذا الاتجاه الذي وُصف بالاستئصالي. لكن الملك، بالنظر إلى حس المسؤولية والحصافة السياسية التي يتميز بها، رفض المُضي في هذا الاتجاه، وألقى في المقابل خطاب 29 ماي 2003، أي بعد أسبوعين فقط، من تلك الأحداث، وتميّز هذا الخطاب بصرامته الكبيرة، وهو النهج الذي مازال مستمرا إلى الآن.

لكن انتخابات 2011 عرفت مستجدا مهما، وهو تصدّر حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي وقيادته للحكومة…

نعم، هنا ظهرت معادلة جديدة مازالت تُلقي بثقلها على هيكلة الحياة السياسية بالمغرب. ففي 25 نونبر 2011، استفاد حزب العدالة والتنمية من مفعول « الربيع العربي » و »حركة 20 فبراير » بالمغرب. فقد جسّد هذا الحزب وقتها التغيير، بينما كانت جميع الأحزاب الأخرى قد شاركت في التدبير، وبعضها في الصفوف الأمامية كما كان الحال مع عبدالرحمان اليوسفي عن الاتحاد الاشتراكي، الذي قاد الحكومة عام 1998 وعباس الفاسي، الذي كان يرأسها حينها باسم حزب الاستقلال… لقد فاز حزب العدالة والتنمية بـ107 مقاعد بأكثر من مليون صوت. وفي أكتوبر 2016 كنت قد أخطأت في تقدير ما سيحصل عليه في الانتخابات، لأنني كنت أعتقد أنه سيجد قدرته على التعبئة قد انخفضت وسيواجه، بالتالي، تصويتا عقابيا. لم يكن الحال، كذلك، بل وقع العكس وحسّن الحزب نتائجه الانتخابية بزيادة أكثر من نصف مليون صوت، وارتفعت حصته من المقاعد إلى 125 عضوا بمجلس النواب. ماذا يمثل هذا الحزب اليوم؟ أميل شخصيا إلى الاحتفاظ بفرضية تآكل شعبيته، في أفق انتخابات 2021 لأسباب عديدة، منها الحصيلة غير المرضية لفريق العثماني الحكومي، والتي جرى تأكيدها في جل الخطب الملكية منذ 2017، والحاجة القائمة إلى نموذج تنموي جديد…

ما انعكاس ذلك على اللعبة السياسية بشكل عام؟

لا بد من تسجيل كون حزب العدالة والتنمية أصبح مركزيا في هذه اللعبة، بل ومنظما للحقل الحزبي والحياة السياسية. إنه معطى قائم، بنيوي وليس ظرفيا. ومن المؤكد أنه سوف يحصل على الصدارة في الانتخابات التشريعية المقبلة، مع خسارته حوالي 20 مقعدا على الأقل. لكن السؤال هو، هل سيكون قادرا على جمع الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة بناء على الفصل 47 من الدستور؟ إنها فرضية أستبعدها شخصيا، وذلك لاعتبارات يتطلبها الحفاظ على حسن سير المؤسسات…

ما الذي تقصده تحديدا؟

أقصد أن حزب العدالة والتنمية سيكون مطالبا بقبول فكرة عدم قيادة الحكومة، وإن تصدّر نتائج الانتخابات، بل يمكنه أن يكتفي بموقع المشاركة في هذه الحكومة إلى جانب أحزاب أخرى. ويمكن في هذه الحالة أن يتطلع حزب الأحرار لعزيز أخنوش، إلى قيادة الحكومة مع مشاركة محتملة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، والذي سيجد نفسه معزولا في قطاعات حكومية هامشية، بينما سيتم إسناد الأقطاب الكبرى للآخرين. هل سيكون ذلك مقبولا؟ في الحقيقة هناك احتمال قائم لرؤية حزب سعد الدين العثماني يقرر العودة إلى المعارضة. وإذا كان الأمر، كذلك، فإن السؤال سيصبح هل يستطيع النظام السياسي تحمّل وجود هذا الحزب الإسلامي في المعارضة؟ فالأمر ستكون له كلفة سياسية كبيرة، وبالتالي، يجوز التساؤل عن القدرة على تحملها.

هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقاطب سياسي جديد؟

سنكون، بالأحرى، أمام تحيين للتقاطب السياسي الذي كان قائما قبل 2011. أقصد بذلك أن إدماج حزب العدالة والتنمية في النظام لم يتم قبوله منذ بدأ في 2011، ولم يعد مرغوبا فيه. وأقصد، أيضا، أننا سنكون أمام « تصحيح » لإرادة الناخبين، بوجود تعبير عن رغبة في وضع سياسات عمومية جديدة تحتكم إلى المرجعية الحداثية تبدو غريبة عن هذا الحزب الإسلامي. فالتفكير الجاري حاليا في نموذج تنموي جديد، يعني فشل حكومات حزب العدالة والتنمية، والرغبة في استعادة زمام المبادرة من أجل القيام بشيء مختلف…

نخلص إلى أن حزب العدالة والتنمية ما زال مخيفا..

البيجيدي ليس مخيفا، لكن مشكلته هي أنه أصبح ثقيل الظل، وضاغطا كأي عابر سبيل أو دخيل. لكن في الوقت عينه، يملك قوة صناديق الاقتراع وقوة المبدأ الديمقراطي الذي يعتبر من معالم العهد الحالي، وخاصة بعد دستور 2011، وبالتالي، يجب احترامه وتكريسه. تعقيد هذا الوضع يمكن أن نلامسه في أماكن أخرى. فالملك هو أمير المؤمنين، الذي يجب أن يؤطر ويراقب الحقل الديني، لكنه يجد فيه، أيضا، حزب العدالة والتنمية الذي يستفيد إلى جانب مرجعيته من شرعية انتخابية من الطراز الأول. وبالتالي، كيف يمكن الجمع بين المشروع الحداثي الذي يحمله الملك وإكراهات قادمة من قسم كبير من المجتمع التي تميل إلى التقليدانية، وتمنح للعدالة والتنمية قاعدة شعبية واسعة؟ وقد لمسنا هذه الإشكالية في موضوع لغات التدريس في القانون الإطار، ولمسنا ذلك مرة أخرى في النقاشات الأخيرة حول الحريات الفردية والإجهاض. إننا أمام مجتمع ينقسم أكثر فأكثر ويدفع نحو إحياء التقاطب بسبب القيم والهوية الوطنية، وبشكل عام حول المشروع المجتمعي. وبالتالي، فإن التقرير الخاص بالنموذج التنموي الذي سَتُعِدّه لجنة شكيب بنموسى، لن يخلو من إذكاء النقاش الوطني حول هذه الإشكالية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي