صفقــــة تفاوضيـــة لترميـــــم مآثــــر تاريخيـــة بمراكـــش

26 ديسمبر 2019 - 08:30

بعد إعلانها « عديمة الجدوى »، لمرتين متتاليتين، لجأت المحافَظة الجهوية للتراث الثقافي، أخيرا، إلى إبرام صفقة تفاوضية، بتكلفة مالية وصلت إلى حوالي 360 مليون سنتيم، لترميم « دار سي سعيد »، بمقاطعة « مراكش ـ المدينة »، والتي تدخل في إطار المشروع الملكي لتأهيل المدينة العتيقة بمراكش، الذي كان أطلقه الملك محمد السادس، في أكتوبر من 2018، وتصل الاعتمادات المالية المخصصة له إلى حوالي ملياري سنتيم.

وبدون إشهار مسبق وبدون إجراء منافسة، قامت لجنة التفاوض، المكونة من ممثلين عن المحافظة الجهوية للتراث الثقافي ومفتشية المباني التاريخية، بتفويت الصفقة لشركة بدون الإعلان عنها داخل أجل أقصاه 21 يوما بعد التصريح بعدم جدوى الصفقة العمومية، وهو ما اعتُبر خرقا للمادة 85 من قانون الصفقات العمومية، الذي يشدد على ضرورة إشهار المسطرة التفاوضية وإعمال المنافسة، وذلك بنشرها، على الأقل، في جريدة وطنية وفي بوابة الصفقات العمومية، على ألّا يقل الأجل الأدنى بين تاريخ نشر الإعلان واستلام الترشيحات عن 10 أيام، وألّا يقل عدد المتنافسين المقبولين عن ثلاثة، ماعدا إذا كان عدد المتنافسين المشاركين غير كافٍ، علما بأن الصفقة المذكورة لا تدخل ضمن الحالات التي تُبرم بدون إشهار مسبق وإجراء منافسة، المنصوص عليها في المادة 86 من القانون نفسه، والتي تكون أشغالها مستعجلة بسبب ظروف غير متوقعة، أو لمواجهة خصاص أو حدث فاجع.

ولم تعلن المحافَظة الجهوية للتراث الثقافي، باعتبارها صاحبة المشروع، عن زيارة لموقع الأشغال برفقة المقاولات المزمع مشاركتها في المنافسة، وهي العملية التي يُفترض أن تتم 10 أيام قبل انعقاد الصفقة، وتشير إليها المادة 23 من قانون الصفقات العمومية، التي تنص على أنه يجوز لصاحب المشروع أن ينظم زيارة للمواقع ويحرّر محضرا يبين طلبات التوضيح واستفسارات المقاولات بخصوص الأشغال وأجوبة صاحب المشروع، الذي ينشر هذا المحضر في بوابة الصفقات العمومية، ويُبلّغه إلى جميع المتنافسين وإلى أعضاء لجنة طلب العروض.

وبعد أن تم إلغاؤها لمرتين بسبب عدم تقدم أي مقاولة بعروض للمنافسة عليها، فوتت لجنة التفاوض لشركة، يوجد مقرها بمراكش، ترميم دار سي سعيد » بدرب « للا شاشة » بدوار « كَراوة »، وتتعلق الأشغال بترميم السور والقبب والأبواب والنوافذ الخشبية وتهيئة المرافق الصحية وهدم بنايات عشوائية، وهي الشركة نفسها التي سبق وأن رُفض عرضها التقني من طرف لجنة طلب العروض الخاصة بثلاث صفقات لترميم مآثر تاريخية بالمدينة، المجراة بتاريخ 26 شتنبر الفارط، والتي فازت بها شركة يوجد مقرها بفاس، قبل أن تعود المحافظة الجهوية وتلغي العملية، بتاريخ 11 أكتوبر المنصرم، مصرحة بعدم جدوى الصفقات الثلاث المذكورة.

هذا، وتعترض إنجاز أشغال ترميم « دار سي سعيد » صعوبات عملية، من قبيل أن هذه المعلمة التاريخية تقطن بها، منذ السبعينيات، 10 عائلات من المغاربة المهجّرين من الجزائر، و تحتوي على 12 دكانا للصناعة التقليدية متبقية من الورشات المحدثة بجزء من الدار، في نهاية الخمسينيات، كما تُطرح أكثر من علامة استفهام حول هل تم إحصاء السكان والحرفيين؟ وهل تم إشعارهم بشأن ترحيلهم المفترض؟ وهل جرى التواصل معهم بشأن مسطرة تعويضهم؟ ناهيك عن إشكالين قانونيين يتعلق الأول بأن الدار أصبحت تابعة، منذ 2016، للمؤسسة الوطنية للمتاحف، فيما وزارة الثقافة هي صاحبة مشروع الترميم، و يتعلق الثاني بكون عملية هدم بعض المنازل والدكاكين العشوائية يفرض اللجوء لمسطرة الشباك الوحيد، خاصة وأن الأشغال تدخل في إطار مشروع ملكي، بما يقتضيه ذلك من احترام وتقيد بالضوابط والمساطر القانونية.

يُذكر بأن العديد من الأسئلة تُطرح حول السر الكامن وراء تركيز عمليات الترميم على معالم تاريخية بعينها، علما بأن مراكش تحتوي على أكثر من 900 بناية تاريخية، فيما يقتصر الترميم على أقل من 25 معلمة، لم يتجاوز عدد الشركات التي فازت بصفقات أشغالها 10 مقاولات، وحول المعايير المعتمدة في اختيار المعالم المرشحة للترميم، والأدوار التي يُفترض أن تضطلع بها هذه المعالم بعد انتهاء الترميم في أفق تنويع وتجويد العرض السياحي بالمدينة، وحول إخلال وزارة الثقافة بالتزاماتها بترميم الأبواب والسور التاريخي لمراكش، والتي التزمت الوزارة بأن تخصص له اعتمادا ماليا بـ 800 مليون سنتيم، في الاتفاقيات الموقعة أمام الملك محمد السادس في إطار البرنامج الملكي « مراكش الحاضرة المتجددة »، ناهيك عن التقاعس عن إخلاء المعالم التاريخية المحتلة (باب الرب، سقالة سيدي عمارة…).

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي