«لوموند».. صحافــــة تواكــــب التغييــــر

28 ديسمبر 2019 - 20:00

على غرار صحيفة إلباييس التي واكبت الانتقال الديمقراطي بإسبانيا، تعد لوموند واحدة من من الصحف القلائلالتي واكبت التغييرات الديمقراطية والرقمية في الصحافة العالمية

تدشن صحيفة «لوموند»، التي أسست بعد تحرير باريس من الاحتلال الألماني، والتي تعد مدافعة شرسة عناستقلالية الخط التحريري، مقرها الجديد بعدما تجاوز عدد المنخرطين في صفحتها الرقمية 200 ألف قارئ.

تحتفي صحيفة «لوموند» بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها، في فترة يطبعها الهدوء والتفاؤلالنسبيان بعد سنوات من الاضطرابات. تستعد الصحيفة لتدشين مقر جديد سيكون ملكا حصريا لها. لقد كسبتمؤقتا معركة الأزمة الأخيرة بخصوص الحفاظ على استقلالية الخط التحريري، إذ استطاعت أن تستقطب ما يزيدعلى 200 ألف منخرط رقمي. وقد تحولت إلى رمز لانتقال رقمي بدأ يفرض نفسه بقوة.

«حققت «لوموند»، من خلال التحول إلى المجال الرقمي، نجاحا تجاريا أساسه جودة وتميز المنتَج الصحافي؛ حيثلاتزال تعتبر الصحيفة المرجع»، يلخص باتريك إيفينو، مؤلف كتاب «تاريخ صحيفة لوموند»، السيرة الكنسيّةللصحيفة. وتشكل «لوموند» الاستثناء في المشهد الإعلامي الغربي. تجدر الإشارة إلى أن نسختها الورقية لميسبق أن كانت صباحية، بل هي صحيفة مسائية، ومما زادها فرادة وصولها إلى الأكشاك في الوقت.

فقدت هيئة التحرير، التي كانت قبل عقد من الزمن المساهم الرئيس في أسهم المقاولة، الهيمنة المالية، لكنها مازالتتحتفظ لنفسها بحق الفيتو بشأن بعض التغييرات التي قد تمس بنية الأسهم.

قصة نجاح

تنعت بأنها باريسية للغاية، متعجرفةضمن لائحة من الانتقادات، كما يقال عن أي صحيفة مرجعية عريقة. فالكتبالتي نشرت ضدها تحولت تقريبا إلى جنس إبداعي. ويبقى الكتاب الأكثر تأثيرا في أخلاق الصحيفة، هو «الوجهالمظلم للوموند»، المنشور سنة 2003، من لدن الصحافيين بيير بيان وفيليب كوهين. «لوموند» جريدة عميقة تركزعلى الأسلوب والأناقة. لديها القدرة على نشر، مثلا، سلسلة من ستة مقالات ليلة أعياد الميلاد حول ميلان كونديرا،وتكون هي الخبر الرئيس في الصفحة الأولى؛ أو بدء مادة ليلة الانتخابات (إثر فوز إيمانويل ماكرون يوم 7 ماي2017 في الانتخابات)، ليس بالمعلومات/القواعد الأساسية التي تدرس في معاهد الصحافة (ماذا ومن ومتى وأينوكيف)، بل بهذه الجملة: «هذه الليلة.. الجو بارد».

يحتفظ جيروم فينوجليو، مدير الصحيفة منذ سنة 2015، في مكتبه بساعة هوبير بيوف ميري، المؤسس الأسطوريلها سنة 1944، ومديرها إلى أن حصل على التقاعد سنة 1969. الكل على أهبة الاستعداد للانتقال من المقرالرئيس الحالي منذ سنة 2004 بشارع أوغست بلانكي، إلى المقر الجديد بشارع بيير منديز فرانس، بما في ذلك تلكالساعة الفريدة من الطراز القديم؛ والموجودة في ركن يعد متحفا أكثر من كونه مكتب عمل، لكنه مازال مستمرا هناك،يشهد على زمن آخر، وهو يعد رمزا للاستمرارية.

«هناك حاجة إلى رموز تعبر عن تاريخ لايزال قائما. في الحقيقة، هناك نقاط مشتركة مع صحيفة المؤسسين»، يوضحفينوجليو. بدءا بالاسم، تعني LE monde»» العالم، وهو «برنامج في حد ذاته»، يضيف فينوجليو. «أن تكوناليوم لوموند على ما هي عليه يعني امتلاكها تلك النظرة العميقة، التي ترى أن المشاكل الحالية لا يمكن حلها إلا منخلال التعاون الدولي، وأن العدو الرئيس هو عودة النزعة القومية والهوياتية».

جرى تحرير باريس يوم 25 غشت 1944 من الاحتلال الألماني؛ فيما صدر العدد الأول من صحيفة «لوموند» يوم19 دجنبر من السنة نفسها. شيدت على أنقاض الصحيفة الكبيرة الليبرالية «Le Temps»، التي كان مصيرهاالاختفاء نظرا إلى قربها من النظام التعاوني للمارشال بيتان. التحق بيوف مري، الذي كان قد اشتغل في «Le Temps» قبل الحرب وبعدها، بالمقاومة؛ وقد اختاره الجنرال دي غول وقيادات الحركة الجمهورية الشعبية، وهيالحركة التي كانت تدعمه، لتأسيس جريدة جديدة لفرنسا الجديدة.

شبح المؤسس

نادرة هي الجرائد التي تكون متأثرة جدا بشخصية مؤسسها، كما هو واقع الحال بالنسبة إلى «لوموند»، حيثلايزال اسمه يذكر في قاعات التحرير باعتباره مرشدا شبحا. ماذا كان سيفعل Hubert Beuve-Méry في هذاالموقف؟ ماذا كان سيكون تعليقه حول هذا أو ذاك الشيء؟ عتاب معتاد من لدن بعض قراء الصحيفة اليوم مفاده: «يتقلب Hubert Beuve-Méry في قبره»، في إشارة إلى أنه لن يكون راضيا عما ينشر أحيانا لو كان على قيدالحياة.

كانت الاستقلالية المالية والتحريرية لـ«لوموند» أولوية بالنسبة إلى هوبير بيوف ميري، كما كان يميل إلى نوع منالصحافة المؤسساتية، لكن ليس الحزبية، إلى جانب المراهنة أكثر على التحليل بدل الأخبار العاجلة (في بعضالأوقات اتهم باحتقار الأخبار الحصرية مع تفضيل التعليق والتحليل). ودون لعب دور المعارضة، كان يحافظ علىمسافة متوسطة إزاء السلطة. واحدة من العبارات الشهيرة التي كان يرددها: «يجب ألا نسعى إلى استقطابقراءنا، الراشدين جسدا وروحا، بل يتوجب علينا إعطاؤهم العناصر الضرورية لبناء طريقهم الخاص»، يتذكرإيفينو.

حرية النشر

الدفاع عن استقلالية الخط التحريري كان من أهم الخطوط العريضة داخل الجريدة في هذه السنوات الـ75. «تاريخ لوموندإنها 65 سنة من امتلاك هيئة التحرير رأسمال الجريدة. ومنذ 10 سنوات، تحافظ هيئة التحريرعلى حرية النشر دون امتلاك الجريدة، لذلك، يجب أن تبحث دوما عن الحصول على مكاسب، إضافة إلى ضمانحرية النشر، لكي لا تكون مهددة»، يقول فينوجليو.

في عام 2010، إبان الصعوبات المالية الخطيرة، تحول رائد التكنولوجيا، خافيير نيل، والمصرفي، ماتيو بيجاس،وفاعل الخير بيير بيرجي، إلى المساهمين الرئيسيين في المقاولة. إذا لم يعد الصحافيون أسيادها. قبل عام، أحدثبيع ماتيو بيجاس حصته من الأسهم لرجل الأعمال التشيكي دانييل كريتينسكي، استنفارا في قاعة التحرير. كانالتخوف الكبير هو أن يستحوذ بيجاس وكريتينسكي على الصحيفة عن طريق شراء أسهم الشركة الإعلاميةالإسبانية PRISA، المالكة لصحيفة «إلباييس» وشركة النشر لـEL PAÍS، وبالتالي، نسف تلك التوازناتالحساسة التي رسخت عام 2010. في نهاية المطاف، تمكنت هيئة التحرير من إرغام خافيير نيل وماتيو بيجاسعلى توقيع وثيقة تلزمهما بقبول حق الصحافيين في النقض في مواجهة أي تغيير في الهيمنة على رأسمال «لوموند».

يعد المقر الجديد، الذي كلف بناؤه 200 مليار سنتيم عن طريق قرض بنكي، هو في حقيقة الأمر أكثر من عمليةعقارية. كل مجموعة «لوموند» –التي تضم مجلات تيليغراما، لافي، كوريير أنتيرناثيونال، ولوبس ولوموندستتقاسمالمقر الجديد. «العقلية، هنا، قائمة دوما على التفكير. وهذا يحمينا»، يقول المدير، ويضيف: «بهذا الأصل (منأصول) سيكون المستقبل مضمونا؛ حيث يمكننا بيعه إذا ما واجهنا مشاكل يوما ما». يتجاوز عدد المنخرطين عتبةالـ200 ألف منخرط يدفعون المال مقابل المعلومة (فضلا عن بيع 100 ألف نسخة ورقية)، وهذا رمز للنجاح أيضا. منذ سنة 2010 تعززت هيئة التحرير بمائة صحافي، ليصل عددهم اليوم إلى 450 صحافيا. «لقد وجدنا النموذجالاقتصادي. اليوم ينتج طاقم التحرير أكثر من 60 في المائة من مبيعات الأعمال التجارية للجريدة»، يكشف جيرومفينوجليو، ويخلص إلى أنه «على عكس ما يتوقع البعض، لم يقتلنا ما هو رقمي، بل أنقذنا». 6

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي