وجه الرمز اليساري، محمد الساسي، انتقادات لاذعة إلى سياسة الدولة في تدبير الإعلام العمومي، مؤكدا أن دوره في إثراء النقاش العمومي محدود جدا، بسبب جنوحه نحو الترفيه والتخويف من التغيير على حساب النقاش السياسي، حتى صار الأمن من بين المقدسات، وصار التيار السياسي الذي تعترف به وزارة الداخلية هو من يعترف به الإعلام العمومي، محملا هذا النهج في تدبير الإعلام العمومي مسؤولية بروز الرموز الفايسبوكية، الذين تواجههم السلطة بالقمع.
الساسي الذي كان يتكلم في ندوة حول «دور الإعلام في تنشيط النقاش العمومي المجتمعي»، الخميس الماضي بالرباط، نظمها المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، أوضح أنه في مجتمع ديمقراطي يساهم الإعلام العمومي في النقاش العمومي من « خلال الارتكاز على خمسة قواعد ».
أولها الحرية، «لأنها تسمح بتأسيس مشاتل أفكار، وبالإبداع والتقدم»، عكس ذلك «توجد في البلاد غير الديمقراطية قيود مصطنعة على الحرية»، في حين أن المنطق الديمقراطي يؤكد أنه «لا نقاش عموميا بدون حرية في التشخيص وفي اقتراح الحلول».
القاعدة الثانية تتمثل في التعددية، وتعني، بحسب الساسي، «تعددا في الحلول، على اعتبار أن المشكلة الواحدة لها أكثر من حل، وهذا ما يؤدي إلى تنافسية في الحلول، ما يؤدي إلى تنشيط البحث والتفكير، وبالتالي تحرير الطاقة الفكرية والإبداعية في المجتمعات».
وتمثل المشاركة القاعدة الثالثة في تصور الساسي، وتعني «الانفتاح على جميع الآراء والأفكار في المجتمع، على اعتبار أن الجميع معني بحل المشاكل المطروحة، ومعالجتها». في حين يمثل «السلم المجتمعي» القاعدة الرابعة، ومعنى ذلك أن النقاش العمومي «يؤدي إلى ترسيخ فكرة أن المشاكل تعالج بالحوار، في إطار سلمي وعبر الاقتراح، حتى لا يضطر أصحاب الحلول المختلفة إلى العنف للتعريف بأنفسهم، وتجريب وصفاتهم». وأخيرا قاعدة «الموضوعية» التي تعني «التزام الإعلام العمومي الحياد تجاه الأطراف المتصارعة في المجتمع»، وهذا يعني أن «دور الإعلام العمومي ليس التوجيه، أو إعطاء الشرعية لبرنامج محدد».
وأردف «صحيح أن الانتخابات تعطي المشروعية لبرنامج محدد، لكنها تمنحه مشروعية التطبيق، لكنها لا تحجب مشروعية العرض في سوق الأفكار والبرامج». واعتبر أنه «في الأنظمة غير الديمقراطية فقط، هناك سمو لوجهة نظر الحاكم وبرنامجه وقدسيته، ورفض فكرة تغيير الفريق الحاكم». بينما في الأنظمة الديمقراطية، يساهم الإعلام في التنوير، ووضع الأفراد في صورة ما يجري، بحيث كل شيء يهمهم بدءا من صحة الحاكم إلى دهاليز القرار، وحتى محاسبة الأجهزة الأمنية والعسكرية في حالة كذبها على المواطن، مشيرا في السياق ذاته إلى حالة كذب هذه الأجهزة في أمريكا على الشعوب في حرب العراق، وقد جرت محاسبتها على تلك الأكذوبة.
في ضوء ذلك، تناول الساسي دور الإعلام في النقاش العمومي المغربي، واستنتج 10 ملاحظات حول واقعه، منها أن «النقاش العمومي في المغرب يخضع لنظام الدورات»، بحيث «قد تأتي دورة انفتاح تعطينا بعض المكاسب، لكن تعقبها دورة تشدد تأخذ منا تلك المكاسب».
ولاحظ الساسي أن تعاقب دورة الانفتاح والتشدد بدأت منذ الثمانينات، لكن تجلت بوضوح بين لحظة 20 فبراير، اللحظة التي نمر بها اليوم. في ظل 20 فبراير جرى انفتاح الإعلام العمومي على نشطاء الحراك، وأعطيت الكلمة لأشخاص مثل عبد الحميد أمين، لكن يبدو النقاش مسيجا.
واعتبر الساسي أن اللحظة الراهنة تتميز بوجود «حدود مصطنعة للحرية، وأضيفت المؤسسات الأمنية إلى لائحة المقدسات، ولم يعد لا الإعلام ولا الحكومة ولا البرلمان يناقش ممارسات هذه المؤسسات، وهذا معناه غياب سلطة مضادة»، وأوضح «في أي مكان في العالم حينما تغيب السلطة المضادة، تسقط الأجهزة في ارتكاب التجاوزات، وقد تكون الأنظمة ضحية لها».
الملاحظة الثالثة التي توقف عندها الساسي تتعلق بـ»سقف الخطاب الملكي»، وأوضح «نلاحظ اليوم أن الخطاب الملكي بات يمثل وحدة مرجعية لدى المتناقشين، وهذا على خلاف قادة أن النقاش العمومي يفترض التعددية في المرجعيات».
واعتبر المتحدث أن «الخطير هو أن يعتبر الخطاب امتدادا لوحدة الوطن، ما يجعل أي تغيير في مضامين الخطب الملكية، يؤدي إلى تغيير في خطابات الأحزاب والنخب»، ودعا الساسي إلى أن يتم «التعامل مع الخطب الملكية باعتبارها نصوصا بشرية، قد تكون مهمة بحكم موقع الملك رئيسا للدولة، خصوصا وأننا نلتقي معه في التشخيص لأنه يكاد يكون معارضا، ولكن لا ينبغي أن تسيّج تلك الخطب النقاش العمومي»، واقترح أن «تكون الخطب الملكية نقطة وصول وليس نقطة البدء».
وفي خطاب إلى الماسكين بالسلطة، قال الساسي «بما أنه لديكم محظورات في الإعلام العمومي، فمن الطبيعي أن يكسب العالم الأزرق المعركة ضد الإعلام العمومي»، مشيرا إلى أن «السلطة تريد حسم المعركة بالقمع وليس بالتنافس الرياضي».
وخلص السياسي إلى القول إن الإعلام العمومي اليوم «يمارس وظيفة التطمين وخدمة الركود والسكون، ويغذي الخوف من التغيير ومن الثورة، من خلال التركيز على المآلات الدرامية للثورات العربية، والتنويه بالاستقرار ومزاياه»، والحقيقة أنه في بلد ديمقراطي «لا يخاف الحاكم من خروج الشعب إلى التظاهر، لأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو تسريع دوران النخب».