«صفقات الرشاوى».. شركة ألمانية للرعاية الطبية متورطة رفقة مسؤولين مغاربة

15 يناير 2020 - 08:00

نشرت مؤسسة الأوراق المالية الأمريكية غسيل أكبر شركة للخدمات الطبية في أبريل الماضي، وهي شركة « فريسنيوس » من جنسية ألمانية، ومختصة في الرعاية الطبية وتوفير تجهيزات وخدمات غسيل الكلى للمستشفيات. إذ كشف التقرير تورط هذه الشركة في دفع ملايين الدولارات كرشاوى للحصول على عقود امتياز وصفقات تجارية بطرق ملتوية ومشبوهة في 17 دولة. إحدى هذه الصفقات التي طفت « فضائحها » إلى السطح استهدفت القوات المسلحة الملكية المغربية من خلال عقود تزويد مستشفيان عسكريان بالمغرب، إذ يتعلق الأمر بالمستشفى العسكري بالرباط والمستشفى العكسري بأكادير مما سيعجل لاحقًا بفتح تحقيق من طرف القوات المسلحة الملكية لم تُعلن نتائجه بعد إلى حدود اليوم.

فور صدور التقرير الأمريكي، والذي لم يكشف أيّ اسم بخصوص الأشخاص المتورطين في الرشاوى داخل الدول المعنية، والتي تضم المغرب وأنغولا والسعودية.. قادت « أخبار اليوم » تحقيقا ثان، بغرض كشف ملابسات هذا الملف والأشخاص الذين كانوا مشرفين عن الصفقات موضوع الرشاوى في الفترة بين سنة 2006 و2011. إذ سيتأكد لـ »أخبار اليوم » صفة المسؤول الأول عن المشروع، والذي كانَ يشغل مهمة رئيس قسم أمراض الكلى في مستشفى الرباط العسكري، وهوَ بصفة بروفيسور. ثم ستتوصل الجريدة إلى معطيات أخرى تتعلق بعلم السلطات المغربية ببعض من هذه الوقائع قبل عام 2011 وقبل صدور التقرير الأمريكي.

قبل المضي في سرد قصة تورط المسؤول الأول المغربي مع الشركة الألمانية في صفقات، أنجزت بناءً على رشاوى ضخمة من الدولارات وعقود وشهادات امتياز مزيفة بين مسؤولين آخارين في شركة « فريسنيوس »، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، والتي احتضنت القسط الكبير من أنشطة هذه الشركة داخل أراضيها، عن طي صفحة الرشاوى، رغمَ أنّ الأمريكان كانوا سباقون لاكتشاف فضائح « الشركة الألمانية ».

صفقة ضخمة مقابل تسوية « ملف الرشوة »

انتهى الأمر بـ »فريسنيوس ميديكال » بيسناريو مثير للاهتمام، إذ تمثل في اتفاقية عدم مقاضاة وزارة العدل الأمريكية للشركة الألمانية، ولهذا الغرض دفعت الشركة الطبية لوزارة العدل مبلغ 84 مليون دولار؛ ودفعت 147 مليون دولار أخرى لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية التي كشفت الفضيحة، ونصت الحكومة الأمريكية على إقرار مراقبة الشركات لمدة عامين متواصلين.

وقال « برايان بينزكوفسكي »، رئيس الشعبة الجنائية بوزارة العدل الأمريكية: « صرفت فريسنيوس ملايين الدولارات كرشاوي في جميع أنحاء العالم لاكتساب ميزات في قطاع الخدمات الطبية ». كما كشف المتحدث نفسه « أنه رغم أن حقيقة الفساد وصل إلى أعلى المستويات لدى هذه الشركة، فقد رفضنا مقضاتها بسبب أنّ الشركة كشفت طوعًا عن أعمال « الفساد » في غضون أسبوعين من علم مجلس إدارة الشركة بذلك. ونتيجة لهذا، تمكنت الإدارة من تحديد الأفراد المذنبين، وبالفعل، فقد أعلنًا التهم الموجهة إلى الرئيس السابق والمدير القانوني السابق للشركة لتورطهم المزعوم في هذا المخطط ».

وعلاقة بموضوع التسوية، على مدار الأعوام القليلة الماضية، تُحاول وزارة العدل الأمريكية تشجيع الشركات التي تورطت في انتهاكات محتملة للقانون العام المتعلق بالممارسات الأجنبية الفاسدة على التقدم والإبلاغ عن قضايا الفساد بنفسها. وفي مقابل ذلك، ستحظى بتخفيض العقوبات، وربمَا، بعدم المتابعة القضائية، إذ صدر هذا القانون عام 1977، وهوَ قانون اتحادي للولايات الأمريكية ومسجل تحت عدد « 15 USC-78dd-1″، ويُلاقي بعض المعارضة من الكونغريس الأمريكي، باعتباره لا يُشجع الشركات الأجنبية على الاستثمار.

« البروفيسور »

فيما يتعلق بالمغرب قالت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية إن الشركة دفعت رشاوى إلى مسؤول مغربي بهدف توقيع “عقود وصفقات” مع المستشفى لتزويده بالمنتجات الطبية، وللحصول على المزيد من العقود، تقول الهيئة، عمد الجانبان إلى إبرام اتفاقية تسويقية “مزورة” مع المسؤول المغربي، ويتعلق الأمر بالمستشفى العسكري لمدينة أكادير، حيث دفعت له الشركة الألمانية، وفق التقرير الهيئة، عمولة بنسبة 10 في المائة على عقد مع مستشفى أكادير العسكري، على أن يتم دفع النصف المتبقي في عام 2007، وبعد ذلك 12.5 في المائة بشكل سنوي. كما وافقوا على دفع رشاوى له على مشاريع مستقبلية في المغرب، بما في ذلك مستشفى الرباط العسكري.

ووفقا للمصدر ذاته، فإنه من أجل دفع مبلغ 123000 دولار نقدًا للمسؤول المغربي، ابتكروا مخططًا دفعوا فيه مكافأة وهمية لمدير أحد فروع الشركة من غرب إفريقيا في حساب مصرفي ألماني، ثم سافر مدير فرع الشركة إلى ألمانيا مع شقيق للمسؤول المغربي الذي سيتحصل على المال من المصرف الألماني.

وخلال تقصي « أخبار اليوم » وجدت أنّ البروفيسور المعني بالصفقات المذكورة « ز. و. »، والذي كان يشغل مهمة رئيس قسم أمراض الكلى في مستشفى الرباط العسكري، بينما كان أخيه « ف. و. » يشغل مهمة « مدير مشاريع الشركة الألمانية  » فريسنيوس » بالمغرب (CHEF DE PROJET ADJOIND at Fresenius Medical Care) وفقًا لمصادر « أخبار اليوم » جيدة الإطلاع.

وأسرّت مصادر حول رئيس المصلحة المذكور، والذي يتهمه تقرير أمريكي بالتورط في الرشوة، إلى أن عملية استخباراتية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، فطنت في أواخر عام 2007 لتورط المسؤول المغربي في تلقي الملايين من الدولارات كرشوة من الشركة الألمانية بأمريكا. وأصدرت القوات المسلحة الملكية آنذاك، بعهدة مفتش المصالح الصحية للقوات المسلحة الملكية، الجنرال دو ديفيزيون إدريس عرشان، قرارا بإحالة “ز. و.”، وهو الذي شغل منصب رئيس مصلحة طب الكلي بالمستشفى العسكري الرباط، على التقاعد، مباشرة بعدما تناهى إلى علم جهات عليا في الاستخبارات العسكرية، موضوع “الرشوة” وعملت جميع الجهات على عدم تسريب أيّ معلومة بخصوص الموضوع إلى الرأي العام، غير أن تقرير الوكالة الأمريكية، كشف تفاصيل المعطيات دونَ الإشارة إلى الأشخاص المتورطين في الملف.

وفي تفاصيل موضوع الرشاوى، سافر مدير فرع شركة “فريسنيوس” إلى ألمانيا مع شقيق للمسؤول المغربي المذكور، إذ سيأخذ المال من المصرف الألماني، كان كبير الأطباء بالمغرب (البروفيسور)، ينتظر إبرام الصفقة، لكن مصادر “أخبار اليوم” لم تنفي أن تكون الاستخبارات المغربية والأمريكية تتتبع خيوط هذه القضية، يؤكد مصدر الجريدة “ربمَا فطن إلى أنه ملاحق آنذاك”. المسؤول المذكور والمتورط حاليا، يشرف على إدارة واحدة من أكبر المصحات الخاصة بالرباط المتخصص في أمراض “الكلي”، وشيد المصحة المذكورة على مساحة شاسعة وسط العاصمة الرباط، وحدث ذلك مباشرة بعد إحالته على التقاعد عام 2011 قبل أنّ تفتح القوات المسلحة الملكية لاحقًا تحقيقا وتستمع لعدة أطراف يُزعم أنها متورطة في موضوع الرشاوى.

وأفاد التقرير الأمريكي، أنه بعد أقل من شهر واحد، أيّ في فبراير من عام 2007 والتي كان فيها البروفيسور « ز. و. » يترأس مصلحة الكلى بالمستشفى العسكري، أبرمت شركة FMC ومستشفى أكادير العسكري عقدًا لتوفير منتجات لمركز غسيل الكلى، من عام 2008 إلى مارس 2012، دفعت الشركة للمسؤول المغربي مبلغًا إضافيًا قدره 111.000 دولار تم تحويله عبر مدفوعات كمكافأة إلى مدير فرعي آخر. وكسبت الشركة أكثر من 2.3 مليون دولار من الإيرادات من مشروع مستشفى أكادير نتيجة لمخطط الرشوة، وتحدث التقرير أن الشركة دفعت، أيضاً، الرشاوى للمسؤول المغربي للحصول على عقد في 2009 في مستشفى الرباط العسكري، هذه المرة باستخدام عقد استشاري زائف مع وكيل مغربي مرتبط بالمسؤول المغربي.

تحقيق فتح ولم يُغلق

وفي أبريل الماضي من 2018، أعلنت القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية أنه تم فتح بحث قضائي في قضية دفع الشركة الألمانية “فريزينيوس” رشاوى لمسؤولين سابقين في الصحة العسكرية مقابل تفويت صفقات، وقال بيان رسمي دون أن يسمي الشركة، إنه تم فتح هذا التحقيق بناء على معلومات، بخصوص أعمال فساد مفترضة مست الصفقات العمومية، بين سنتي 2006 ـ 2012.

وأوضحت القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية في بلاغ لها أنه سيتم الاستماع إلى مجموع الأشخاص الذين لهم علاقة بهذه القضية، بمن فيهم ضابط سابق عمل بمصالح الصحة العسكرية. وأضاف المصدر ذاته أنه سيتم القيام بالتحقيقات لتحديد الوقائع المرتبطة بهذه القضية، وذلك طبقا للمقتضيات التنظيمية والقضائية الجاري بها العمل. ومضى بعد فتح القوات المسلحة الملكية للتحقيق المذكور أزيد من 08 شهور حتى الأن، غير أنه لحدود اللحظة لم يُعلن عن نتائجه بعد.

وفي مقابل ذلك، وافقت وزارة العدل الأمريكية رسميًا على عدم مقاضاة الشركة جنائيا، في مقابل دفع Fresenius ملايين من الدولارات الإضافية، وأمرت هيئة الأوراق المالية والبورصة الشركة بدفع 147 مليون دولار لأمريكا كتعويضات. وفي هذا السياق، قالت “رايس باول”، الرئيسة التنفيذية للشركة الألمانية للرعاية الطبية، في بيان لها: “يسرنا أن ننتهي من هذه التحقيقات ولحل المشكلات التي حددناها وكشفناها طواعية للسلطات الأمريكية”.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي