رشيد أوراز: تركيا تلعب على التناقضات المحلية في شمال إفريقيا لإيجاد موطئ قدم (حوار)

02 فبراير 2020 - 22:00

لماذا التركيز التركي على شمال إفريقيا، وأساسا المغرب والجزائر؟

الحضور التركي في شمال إفريقيا ليس جديدا، والأتراك يصرحون بهذا بشكل واضح، سواء تعلق الأمر بتدخلهم في الملف الليبي أو بعلاقتهم مع تونس والجزائر. وتبدو الرغبة في استثمار تاريخ الإمبراطورية العثمانية في بناء تحالفات جديدة وتوطيد علاقات اقتصادية وسياسية مع بلدان شمال إفريقيا أولوية بالنسبة إلى تركيا، ومحاولة مسبقة لكسر أي حصار قد تتعرض له في مناطق أخرى. لذلك يجب أن ندرك أن كل البلدان المحيطة بتركيا بلدان منهارة، ومنها سوريا والعراق، وحتى إيران، فهي تحت رحمة العقوبات الأمريكية؛ وهذا يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد التركي، وعلى استقرار الأوضاع المحيطة بها. وقد يشكل شمال إفريقيا بالنسبة إليها منطقة لتعويض الخسائر التي تأتي من انهيار الاستقرار في البلدان المحيطة بها.

– كيف تقرأ التوتر المغربي التركي بسبب نتائج اتفاقية التبادل الحر، في مقابل الإقبال الجزائري على تركيا والرغبة في نسج تحالف استراتيجي (اقتصادي، عسكري، سياسي..) معها؟

لا يمكن أن ننكر أن التاريخ يلقي بظلاله على علاقات اليوم، وهذا التوتر ليس جديدا. ثم يجب أن نفهم أن تركيا قوة إقليمية تؤدي أدوارا معينة ولها تنافس يصل إلى مستوى الصراع مع بعض القوى العالمية والشرق أوسطية، وقد تكون محاصرة تركيا في منطقة شمال إفريقيا جزءا من استراتيجيتها المعتمدة. وستحاول تركيا اللعب على التناقضات المحلية في شمال إفريقيا لإيجاد موطئ قدم لها، فإذا تأخر المغرب عن تسريع العلاقات مع تركيا تقدمت الجزائر، وقد يحدث العكس لما يُرسل المغرب إشارات إلى عميق العلاقات مع تركيا لما تتوتر علاقاته مع قوى خليجية مثلا. المؤسف في كل هذا أنه صراع جيواستراتيجي لا يضع مصالح المواطنين في الدرجة الأولى، بسبب ضعف الأنظمة في المنطقة وبسبب طبيعة الدول التي لا تخضع للمحاسبة الديمقراطية لخياراتها، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

يقترح المغرب على تركيا أن تتخذ منه قاعدة إنتاج وتصدير نحو إفريقيا. من وجهة نظرك، ما الذي يغري تركيا في الاستجابة لهذا الطرح المغربي؟

هذا مقترح جاء في سياق يوحي بعكس ذلك، ففي اللحظة التي يقول المغرب إنه «سيمزق» اتفاق التبادل الحر يبدو أننا في منطق فصل العلاقة وليس توطيدها نحو جذب المستثمرين الأتراك للمغرب. إن الطريقة التي تجري بها المفاوضات حول اتفاق التبادل الحر، حاليا، تعطي مؤشرات سلبية للمستثمرين الخواص، ونحن نعرف أن الحكومة التركية ليست هي من سيستثمر، بل رجال الأعمال الخواص. والطريقة التي تجري بها الأمور لحد الآن، توحي أن الالتزامات يمكن التخلي عنها في أي وقت، ربما، لأسباب قد لا تكون تجارية أو مالية أو اقتصادية. لكن إن كانت الضمانات أكبر، فلا شك أن تركيا لن تجد أفضل من المغرب للتصنيع لاستهداف الأسواق الإفريقية. ثم إن هناك أفضلية مؤكدة للمغرب، فيما يتعلق بالبنية التحتية (الموانئ، والطرق والمطارات)، وتاريخ علاقات تجارية لا بأس بها بين المغرب وبلدان إفريقيا عدة.

يلاحظ أن تركيا تصدر أكثر نحو المغرب، لكن الاستثمارات ضعيفة، هل هذا الوضع نتيجة لطبيعة الاقتصاد التركي أم نتيجة للسياسة المغربية في إدارة التوازن بين تركيا وغيرها في السوق المغربية؟

خلال العقدين الأخيرين لم تكن هناك مجهودات مهمة لتطوير العلاقات الاقتصادية. إذ بالنسبة إلى المغرب لم تكن تركيا أبدا شريكا اقتصاديا استراتيجيا، وأشك إن كانت هناك نوايا في هذا الاتجاه في يوم من الأيام. أما الذي جعل العلاقات التجارية (الاستيراد والتصدير) تتطور، فهو اتفاق التبادل الحر، والذي وقع في سياق خاص كانت فيه تركيا بلدا صاعدا لم يكن يخلق كل هذا الجدل ولم تتحول بعد إلى قوة إقليمية مؤثرة. الآن، الأمور تغيرت، وربما، تعقدت ويلزمنا وقت طويل لإعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والوضع الحالي سيتركها ساحة للصراعات بين القوى المحلية والدولية. ونحن في هذه المنطقة بسبب ضعف الدول وانهيارها، ما نزال في المرحلة التي يتبع فيها القرار الاقتصادي للقرار السياسي، وليس العكس.

ما الذي يمكن للمغرب أن يستفيده من النموذج التركي؟

يمكن للمغرب أن يستفيد أشياء كثيرة، وفي التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مساهمة المجلس في النقاش حول النموذج التنموي) ورد في الصفحة 28: «إن هذه الهشاشة التي تطبع الاقتصاد المغربي تعيق قدرته على تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي، كما نجحت في ذلك بعض الدول الصاعدة، مثل تركيا». وليس لديّ أفضل جواب عن هذا السؤال، أفضل مما ورد في تقرير المجلس.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي