نجيب أقصبي: الإقرار بالفشل والاستمرار في الاختيارات عينها هو انفصام -حوار

10 فبراير 2020 - 07:00

يلاحظ مؤخرا توالي مجموعة من الخطوات، من قبيل البرامج الجديدة لتمويل المشاريع، والحكم ضد اتصالات المغرب، وتكوين لجنة للنموذج التنموي الجديد.. هل من شأن ذلك أن يبني ثقة جديدة في المؤسسات القائمة؟

مشكل الثقة في المغرب، وفي هذه الظرفية، هو أخطر وأعمق بكثير، مما جرى اتخاذه في الوقت الراهن. ولكي ننظر إلى الأمور في عمقها أود أن أثير الانتباه إلى هذه المفارقة. أولا، من الناحية المنهجية، يُقال لنا إن ما يُسمى بالنموذج التنموي هو معطوب، وإن هناك تفكيرا ولجنة تسهر على تحضير النموذج الجديد، ولكن في الوقت عينه، لازالت السلطة التنفيذية الحقيقية تقوم بمبادرات واختيارات جوهرية هي من أسباب الداء. مثلا، قيل لنا إن هناك مشكلا في الاستثمارات، وإن الاستثمارات المهمة هي للدولة، لكن اتضح أن ليس لها وقع على النمو، ولا على خلق مناصب الشغل، ولا على تقليص الفوارق الاجتماعية، ولا على تقليص الفقر وتوسيع الطبقة الوسطى. هذا يعني أن التفكير الحالي في النموذج من المفروض أن ينصب على هذه الإشكالية، أي إشكالية الاختيارات في استثمارات الدولة، وخلق استثمارات تلبي حقيقة الحاجيات الملحة للمواطنين، وكان يجب انتظار اللجنة لتخبرنا بالتوجهات ويتم نقاشها والاتفاق عليها، ثم نعيد النظر. لكن واقع الحال يظهر أن الاختيارات عينها لازالت قائمة وتُطبق يوميا.

الاختيارات عينها نراها في برنامج إعادة تهيئة مدينة أكادير وغير ذلك، فمن ذا الذي سيقول إن هذه الاختيارات لا تنطبق مع منهجية تأسيس لجنة؟ يتكلمون لنا عن برنامج 115 مليار درهم بالنسبة إلى الماء وغيرها من الاختيارات. من يقول إن مثل هذه الاختيارات هي استمرار للتوجهات القديمة، ويمكن أن نقول هي توجهات الخمسينية، أي الاختيارات عينها التي أدت إلى الإعطاب التي نعيش.

كان من الحكمة على الأقل انتظار نتائج عمل اللجنة والتوجهات الجديدة والنقاش العمومي الذي يمكن أن تخلقه. الآن، يجري تكريس الانطباع عينه لدى المواطن العادي، وهو أنه من جهة، هناك كلام في كلام وخطاب في خطاب، وأن هناك لجنة ومثقفين «كيخمو»، ولكن في الوقت عينه الاختيارات ذاتها، والأساليب عينها، وطريقة التدبير هي نفسها التي لازالت قائمة.

لكن، وبالموازاة مع هذه الاختيارات التي تقول إنها لازالت قائمة، الإجراءات التي ذكرت لك أليس من الممكن أن تبعث ثقة جديدة..

قلت بالموازاة، هذا هو المشكل. بالنسبة إليّ لو أن هذه العملية جدية وذات مصداقية، كان يمكن انتظار إنهاء مرحلة التفكير. إذ كيف أننا من جهة، نقر بالفشل، ومن جهة أخرى، نستمر في الاختيارات عينها التي أدت عمليا إلى الفشل؟ هذا هو الانفصام بعينه.

بمنطق تحليلك، هذه الإجراءات ليست فقط، غير كافية لإعادة الثقة، بل كأنها تكريس للوضع القائم..

طبعا، لن تعيد الثقة، بل إنها تكرس الفكرة السائدة. هناك أناس مهمتهم الكلام ويتحركون في الساحة السياسية مثل الـ»كراكيز»، وهناك «المعقول»، وهم الناس الذين يمتلكون السلطة ويقومون بما يريدون، هذا هو المشكل، وهذا يدخل ضمن ما يُهدم الثقة، ويزيد في أعطاب النموذج التنموي.

هل ينطبق الأمر عينه على البرامج الجدية لتمويل المشاريع، وما تقدمه من تسهيلات؟

هذا أمر جيد، لا أنكره، وأضيف «وقتما جا الخير مزيان». لكن ليس هذا هو المشكل. فلأن وضعنا وصل إلى حد سيئ أصبح أي شيء جرى القيام به، وإن كان يذهب قليلا في الاتجاه الصحيح، نقول «مرحبا به»، غير أن السؤال الحقيقي هو هل مبادرة التمويل الجديدة هذه كافية لحل مشكل الاستثمار؟ مشكل المقاول الصغير والمتوسط، الذي مشاكله متعددة الأبعاد والألوان، يُشكل مشكل التمويل، على أهميته فعلا، جزءا فقط، من العوائق التي تعترضه، بدءا من مشكل العقار ومشكل التراخيص والعلاقة مع الإدارة والمحسوبية والزبونية والرشوة، ومشكل مناخ الأعمال والعلاقة مع العدالة واحترام قوانين حرية المبادرة.. المشكل في العمق هو مشكل الثقة، والاستثمار هو الثقة في المستقبل، أي الثقة في مآل البلاد. من لديه هذه الثقة ولديه القدرة كي يستثمر ماله بشكل مريح؟ طبعا، هناك من يستثمر، لكن في الحقيقة هو مغامر.

تحدثت عن مناخ الأعمال وغياب التنافسية، وما يعيق حرية المبادرة، ألا ترى أن خطوة الغرامة ضد اتصالات المغرب، هي خطوة في اتجاه تعزيز التنافسية وتخليق مناخ الأعمال وخلق التوازن في السوق؟

نعم، هذا صحيح وهذا أمر جيد ومهم، لكنه نقطة في بحر. أظن أنه لأول مرة يُؤخذ مثل هذا القرار لاحترام قواعد المنافسة في قطاع الاتصالات. ولكن في المجال عينه، بعد تحرير قطاع المحروقات وما وقع من تجاوزات من لدن الشركات التي تحتكر السوق، إذ ظلت الأسعار ترتفع رغم انخفاضها في السوق الدولية. قِيل لنا إن هناك مسطرة ستطبق في حق هذه الشركات، وها نحن مازلنا ننتظر. بالنسبة إلى اتصالات المغرب هناك تساؤلات عن دور مجلس المنافسة الذي من صلاحياته أن يتدخل في جميع القضايا الاقتصادية. القرار من شأنه أن يعطي المصداقية للوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، وليس الثقة، فهي مفهوم كبير.. ثم إن مجلس المنافسة مر على قيامه سنة ونصف، لكن لم نر منه شيئا. المرة الوحيدة التي خرج فيها، هي حين قال إن مبادرة الحكومة لتحديد أسعار المحروقات غير قانونية، أي تعزيز لوبي المحروقات. بعد هذا الانتظار سيزداد عندي الشك، بل إني سأتساءل كأي مواطن وبصفة مشروعة، ماذا يقع وراء الكواليس بعيدا عن أنظار الرأي العام؟.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *