مصطفى السحيمي يكتب ختلالات في مشروع «تغازوت باي» النموذج الآخر للتنمية

25 فبراير 2020 - 15:04

ما السبيل إلى تقوية سلطات الدولة حتى تكون لديها الوسائل لفرض احترام الالتزامات الموقعة معا؟

الأمر يتكرر مرة أخرى؛ أو بالأحرى إنه يستمر! فها هو المشروع الضخم لخليج تغازوت بالقرب من أكادير، يشهد مرة أخرى على القصور في السياسات العمومية. فقد احتاج الأمر إلى زيارة ملكية لِعَيْنِ المكان حتى يتم الكشف عن الاختلالات، وعن التجاوزات، وعن انحرافات مسؤولين وجب تحديدهم. إن غضبة الملك أمر مفيد وفيه الخلاص؛ طبعا، فقد صارت غضباته نموذجا إضافيا للحكامة، ولإعادة الأمور إلى نصابها، وعند الضرورة للعقاب. هناك الآن ثلاثة فاعلين هم موضع مساءلة: مضايف، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، إلى جانب مجموعتين أخريين: هما شركاء الجنوب «sud partners» و»pick albatros». ولا يمكن إلا تسجيل في البدء المتابعة الإعلامية الخاصة التي رافقت تورط صندوق الإيداع والتدبير؛ الذي كان موضوع «تسريبات» متسرعة. ولقد كان له رد فعل في الموضوع وهو محق في أن يرد.

ومهما كان الأمر؛ يبقى هذا الملف؛ لماذا بلغت بنا الأمور إلى هذا المستوى؟ التفسيرات التي يمكن طرحها في هذا الصدد هي لحد الآن متعددة الأوجه. ويأتي في مقدمة ذلك: أن مهمة المتابعة والمراقبة لم يجر تأمينها في الظروف المرجوة والمطلوبة. فهناك دفاتر تحملات لم يجر احترامها: درجة استغلال الوعاء الأرضي، توسعات، بناءات بدون رخص… لم يكن من الممكن ألا يعرف هؤلاء وأولئك بأن هناك بالفعل مخططات وخرائط مستهدفة، وملفات تقنية مصادق عليها وجاهزة.

إنه بعد كل هذا مشروع ملكي ضخم، وقد استفاد من جميع ما هو مطلوب من الاهتمام. وإذن؟ فهناك الدليل على أننا اليوم أمام هذه الوضعية لأن التقرير قد جرى السماح بالإعلان عنه على إثر سلسلة من التجاوزات التي كانت تحظى بغطاء من طرف العديد من الأطراف؛ على هذا المستوى أو ذاك.

هي فوضى إذن! إننا هنا أمام مسؤولية جماعية، لقطاع السكنى والتعمير ولمندوبيته الجهوية، وللسلطات الوصية، وللمجلس المحلي، وللجهاز المتفرع عن صندوق الإيداع والتدبير. وبدون شك، هناك هيئات أخرى كذلك… لم تتردد مجموعات خاصة أجنبية في الاستفادة من هذه الكعكة الناتجة عن اختلالات مماثلة حتى تُحَسِّن من استثماراتها؛ بما أن مناخ الأعمال حول مشروع خليج تغازوت هذا جذاب لهذه الدرجة…

لم يجر إذن، استخلاص العبر من دروس برنامج «منارة المتوسط» الخاص بالحسيمة لسنتي 2015-2016. إنها تتكرر على الأقل في هذا الجانب: جانب الفجوة، بل حتى الطلاق بين ما هو مقرر وما جرى إنجازه والتأكد منه حقيقة على أرض الواقع. هل نحن أمام نوع من المعطى البنيوي القهري؛ الذي ينتهي به الأمر إلى فرض نفسه، وإلى إعادة تشكيل المشروع الأصلي؟ هل يتعلق الأمر بالتنازل وبالاستسلام للاستقالة؟ وبتعبير آخر؛ هل يمكننا أن نأمل في نوع آخر من الحكامة، وفي سياسات عمومية غير اللوحة النهائية التي سيقودنا إليها التطبيع مع هذه الممارسات؟ لا. هناك سبيل آخر؛ وهو ذاك الذي يكرسه الدستور؛ أي ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وهذا يقتضي أن لا يسمح للمصالح الخاصة وتوابعها من مختلف الأشكال – ومعها الامتيازات المؤسسية والسياسية- بأن تفرض إرادتها، وبالتالي، قانونها.

أن يدافعوا عن مصالحهم وعن أرباحهم يبقى أمرا مشروعا؛ ولكن على ألا تسود لوبياتها على المصلحة العامة، وأن تحترم الالتزامات الرسمية المبرمة مع السلطات العمومية.

وهذا يقودنا إلى هذا السؤال الأخير: كيف يمكن تقوية وترسيخ سلطة الدولة، والعمل على أن تكون لديها الوسائل الفعالة لتفرض احترام الالتزامات المبرمة معها؟ إن الخطر حقيقي في أن نرى مسلسلا من تشظي الأوضاع وسلطات القوى العمومية، في أعقاب «ضغط» وتكالب المصالح الخاصة على المشاريع والبرامج.

إن الفرضية الواجب خشيتها أكثر فأكثر، ليست افتراضية: إنها فرضية «دولة رخوة» تتولى تدبير مصالح خاصة أكثر من أن تكون متوجهة إلى فرض وإلى إقامة سياسات عمومية. وفي الوقت الذي تنكب فيه لجنة بنموسى على التفكير الوطني في نموذج جديد للتنمية؛ ليس هناك من مجال لـ»نموذج آخر» محبط: نموذج «تغازوت باي»؛ الذي جرى تصحيحه أخيرا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي