عليكم أن تشعروا بالخوف حقا. البنيات التحتية للصحة العمومية لا يمكنها الصمود في مواجهة الحوادث الاعتيادية. إذن، عليكم التخمين ماذا سيحصل لو أن جائحة غريبة ضربت البلاد مثل «كورونا المستجد». النظرة العدمية إلى السياسات المتبعة ليست دائما مضللة، لكنها بالأحرى علامة تحذير مبكرة. باطمئنان، يمكن القول إن السلطات الحكومية غير قادرة على تنفيذ أي خطة طوارئ صحية دون أن تستند إلى موارد الجيش. لقد رأينا ذلك في قصة الشبان العائدين من الصين، فقد تكفل الجيش –دون إعلان رسمي- بكل شيء، فيما تُركت لوزارة الصحة وظيفة إصدار البلاغات. لا يستطيع وزير الصحة فعل أي شيء إضافي على كل حال، ويمكننا ببساطة أن نتفهم عجزه. إن ما يملكه من موارد ووسائل غير كافية لمعالجة حالة طوارئ في البلاد، ومستشفياته بالكاد تسع ضحايا حادث مروري كبير.
لكن، هذه ليست سوى الخطيئة الأصلية في عمل السلطات الحكومية، حيث لا تأخذ أنظمة التحذير من النكبات أو الأزمات سوى مكان ضيق من التفكير في الحلول الجارية. على وزير الصحة أولا أن يعبئ البنية القائمة بما يجب من موارد بشرية ووسائل عمل، لا أن يرفع مستوى الاستجابة للخطر إلى حد لا تستطيع المقدرات الذاتية لمستشفياته أن تتأقلم مع ضغوطه. ودونما الحاجة إلى الخوض في تفاصيل أخرى، فإن القوات المسلحة، على ما يبدو، تمتلك خطة، وكما جرى تطبيقها بشأن الأهالي العائدين من الصين، يمكن تنفيذها بيسر أيضا، في حال تفشت العدوى في البلاد. وفي الواقع، فإن للجيش وحده القدرة على معالجة نظام طوارئ في أبعد تداعياته، أي عزل المناطق الحضرية بالكامل. يجب أن نتصور حدوث ذلك، حيث يمكن حالة هلع عام أن تؤدي إلى عواقب أسوأ، ويمكننا أيضا أن نميل إلى لعبة الحظ، حيث يمكن أن تسير الأشياء بالطريقة التي نشتهيها، مثلما حدث في موضوع «إيبولا».
وفي إيبولا، كان الخطر محدقا أكثر مما هو عليه الحال الآن إزاء «كورونا المستجد»، لكننا نميل إلى النسيان على كل حال. إيبولا كانت جائحة تقف على عتبة الحدود، وقد قام وزير الرياضة والشباب آنذاك بخطوة غبية، حيث ألغى تنظيم مسابقات دوري إقليمي بدعوى وجود مخاوف من أن تتسلل العدوى إلى البلاد. ولقد نظمت المسابقات نفسها في دولة أخرى ولم يقع تسجيل أي شيء غير طبيعي. وطيلة تلك الفترة العصيبة، لم يظهر مصاب واحد بالإيبولا في المغرب، فيما فتك بالألوف على مبعدة قليلة من الحدود الجنوبية للبلاد.
هل كان حظا؟ ربما، لكن الإجراءات الوقائية وقد وُضعت بشكل سريع على عتبات الحدود ضمنت قدرا معقولا من الفعالية. لكن، على الوجه الآخر من هذه القصة، فإننا لا نمتلك خبرة في ما يتعلق بحدوث عدوى داخلية. وحتى الآن، فإن التركيز ذا الأولوية، كما يظهر، ينصب على الخطوط الأمامية للجبهة الخارجية، حيث تجري مراقبة سلامة المسافرين القادمين من بؤر معلنة لعدوى «كورونا المستجد». هل يفلت أحد؟ الآلات التي تستخدم في عملية المراقبة لا تسمح بهامش خطأ مثير للريبة، لكن، قد يحدث أن يتسلل أحد من المعابر البرية حيث المراقبة الصحية غير موجودة على الإطلاق.
على السلطات أن تعي أن المهمة الأكثر حساسية ليست ترصد وعزل الحالات التي يمكن أن تتسلل عبر الحدود، وإنما الطريقة العملية لاحتواء وعزل منطقة تفشت فيها العدوى بين الحشود فجأة. عليكم أن تضعوا أيديكم على قلوبكم حقا؛ إن مستشفيات شمال البلاد لم تشهد أي إجراءات عزل أو طوارئ حتى الآن، وهناك، حيث الحدود البرية مشرعة أبوابها دون أي رقابة، يمكن تصور ما سيحدث عندما يظهر Le cas zéro في مكان ما هناك.
مثل أشخاص يؤمنون بالخرافة، يتمسك الناس، في كل ما يتعلق بالصحة، بخيط سماوي رفيع. وحتى ذلك الحين، فإننا نملأ الشك بالنكتة. ماذا سنفعل عندما سيُعلَن تسلل العدوى إلى البلاد؟ لم يخبرنا أحد بما يجب القيام به، باستثناء النصائح البالية والمتكررة بأن علينا أن نغسل أيدينا جيدا، وكأن السلطات تخاطب قوما بدائيين.
على كل حال، من الواضح أن أي حالة طوارئ يجب ألا يترك أمر الاضطلاع بها لهذه السلطات. وزارة الصحة نفسها، وقد رمت بالمروحيات التي طالما كانت موضع دعاية، في مرائب ما في خلاء ما، ليس الجهة المؤهلة لتدبير حالة طوارئ، ولو على المستوى التواصلي. إن الناس يشعرون بفقدان الثقة في هؤلاء المسؤولين الذين يعجزون عن تدبير حالاتهم المرضية في الأوقات العادية. ودون شك، ليس هناك وقت لإضاعته في سماع صوت مسؤول حكومي كيفما كان في الأوقات الحرجة.
ولنكن واضحين؛ هذه الصراحة تمليها الوقائع، لا زوايا النظر السياسية إلى العمل الحكومي. إذا كان علينا أن نثق في مسؤول حكومي في وضع طوارئ، فإننا، بالأحرى، يجب أن نكون أكثر إيمانا بطرق التداوي بالأعشاب لمواجهة جائحة مثل «كورونا المستجد».
هذه حقائق بسيطة.. يجب ألا يُترك للخطأ مجال يتسرب منه. ومن المؤكد أن بعض الأشياء يجب أن تُقال كما هي، وأي محاولة للزخرفة إنما هي رمي بالناس إلى الخطر المحدق. إذا كانت السياسات الحكومية في الصحة العامة لم تظهر أي كفاءة، فإننا يجب أن نشعر بالقلق على أنفسنا إن تسلمت أيضا إقرار سياسة لحمايتنا أو علاجنا –لا قدر لله- من جائحة مثل «كورونا المستجد». وعلى المسؤولين السياسيين، أو الذين يعتقدون أنفسهم كذلك، ألا يشعروا بالضيق. إن هذا التبخيس كان ضروريا لأن الأولويات لا ترحم.