منير أبو المعالي يكتب: المشروع الديمقراطي لا يُمس

02 أبريل 2020 - 19:50

مشروع البلاد هو الديمقراطية. حسنا، هذه من القواعد الكلية في التحليل السياسي، وهي، بشكل حيوي، تتطلب منا الشجاعة لإعلان ما يلي: إن أي قوة قاهرة لا يمكنها، بأي حال، أن تدفع إلى تجميد مشروع الديمقراطية، سواء في حالة حرب، أو جائحة عنيدة كهذه التي نحاول لملمة أطرافنا من حولها، واسمها كورونا. وبقدر ما يستوجب تقييد الحريات بشكل ضروري مقابلا إزاء الواجبات، مثل تقليص أو إلغاء واجبات محددة، فإن حالة الطوارئ ينبغي ألا تكون بمثابة عذر لتحييد الآليات الأساسية في أي نظام ديمقراطي.

بشكل ما، وقد تطور ذلك سريعا في غضون أسبوع واحد فحسب، تحولت مطالب إسناد الإجراءات التي تتخذها الدولة، إلى مقدمة مخيفة لإرجاء التساؤل المشروع حول كيفية تنفيذ حالة الطوارئ. إن الأثر الفوري لانتهاك حقوق الإنسان، الذي يقع على نحو ضيق حتى الآن، بمقدوره أن يغطي على سعي حثيث طيلة عقدين من الزمن نحو إقرار الديمقراطية. إن الدولة، في نهاية المطاف، ينبغي ألا تتصرف إزاء الأفراد وكأنهم يشكلون قطيعا. وتشكل طريقة تواصل الدولة، وكيفية تنفيذ أوامرها، والاستجابة المتوقعة للناس بشكل عام، قطعا من لوحة يجري تشكيلها من الآن فصاعدا عن المجتمع كما ينبغي لنا رؤيته بعد سنتين. وعلى كل حال، فقد تصرفت مصالح بالدولة بالكثير من الاستعلاء وهي تعرض تصورها في التواصل. لا يمكن فرض حالة الطوارئ بالطريقة الصينية، حيث تُملى الأوامر على الناس من أبواق نصبت على أعمدة الإنارة بالشوارع العامة أو في الأزقة الداخلية للمناطق المأهولة. وبشكل ما، يبدو أن وزارة الداخلية، كما الصحة، وهما الفاعلان الرئيسان في هذه المعمعة، تتصرفان على هذا النحو بالضبط. وفي ظل ذلك الأسلوب التقليدي، ينمو حس يقظة مغاير عما كان مأمولا.

لكن دعونا من ذلك. إن هذه الطريقة في التواصل إنما هي، في الواقع، أداة إخفاء للجوهر. سيكون مهما بشكل أكبر تحديد الطريقة التي جرى بها إقرار كافة العمليات المتصلة بحالة الطوارئ. لنفحص إذن لجنة اليقظة الاقتصادية، وهي المعادل المغربي للجان مشتركة شكلت في دول العالم لمواجهة الجائحة. هذه لجنة تشمل ممثلين من كافة القطاعات ذات الصلة بإدارة هذه الأزمة، من وزارة الداخلية حتى نقابة الباطرونا. وفي الواقع، تحوز الباطرونا وزنا ثقيلا داخل هذه اللجنة، بواسطة جذورها أو فروعها، سواء في الأبناك أو في غرف الصناعة. يقوم وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، بتنسيق أعمال هذه اللجنة، وإنها وصفة غريبة أن يؤتى بشخصية تقنوقراطية ذات خلفية مهنية بقطاع المال، وتُمنح وظيفة على قدر عال من الحساسية السياسية مثل هذه، فيما رئيس الحكومة قاعد في إقامته الحكومية، حيث فرض على نفسه حجرا صحيا دون أي داع جدي.

تذكرني هذه المفارقة بحادث صحافي وقع قبل يومين. كريس كومو، مقدم برامج لامع على قناة CNN، يعمل من قبو منزله في نيويورك، في إجراء احتياطي للعاملين قامت به مؤسسته، وهو يبث برنامجه من هناك. كان أول ضيوفه هو شقيقه أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك نفسها. ودون مجاملات كثيرة، أخبر كريس شقيقه أندرو، على المباشر، بأنه هو ووالدته يطلبان منه أن يهتم بصحته وأن يعتني بنفسه وهو يؤدي وظيفته. كان جواب حاكم نيويورك غير مهادن: «إن الناس انتخبتني لكي أدير شؤونهم، ولكي أكون معهم في مثل هذه الأوقات الصعبة. دعك أنت تعمل من قبو منزلك، واتركني أنا أدير شؤون الناس قريبا منهم». بشكل مؤكد، فإن العثماني لا يحبذ سماع مثل هذه العبارات.

إذا كانت مشاعر العثماني، بصفته رئيسا للحكومة، لا تتحرك، فإننا، على الأقل، يجب ألا نغفل عما يفعله الآخرون. إذن، لندع لجنة اليقظة هذه تعلن نفسها. يمنح التلفزيون العمومي صورا صامتة لمجموعة من الأفراد يتحلقون حول بنشعبون، ثم يُتلى بيان ملخص عن المناقشات لا يتضمن أي شيء جدير بالاهتمام. ليس هناك مجال لشيء آخر؛ لا مواجهة أعضاء هذه اللجنة للناس عبر التلفزيون، ولا إضاءة دقيقة على الطريقة التي يعملون بها. ليست هناك أي معلومات حول ما كان يجب فعله أولا، وما لم ينفذ قبل شيء آخر كان من الضروري تقديمه. لا شيء البتة.

تملك هذه اللجنة صندوقا تتراكم الأموال داخله باستمرار؛ 3 آلاف مليار سنتيم تقريبا قدمت في غالبيتها على شكل تبرعات معفاة من الضرائب. وهي الآن تتصرف فيه دون أي رقابة. إننا لا نعرض شكوكا معينة حول الطريقة التي يجري بها «التفاوض» داخل هذه اللجنة بخصوص توزيع هذه الملايير، لكن، من الضروري أن نعرف كيف تتشكل القناعات داخلها بخصوص ما يجب فعله بتلك الأموال. وتسلط المطالب المتكررة لبعض جهات الضغط، مثل اتحاد المصحات الخاصة، أو مدارس التعليم الخاص، أو شركات داخل نقابة الباطرونا، ضوءا في النفق حيث تعمل لجنة اليقظة. إننا لا نطالب هؤلاء بأن ينشروا مسودة المناقشات، ولكن من المهم أن نطرح عليهم بعض الأسئلة. لكن لا مجال لذلك على ما يبدو. من ثمة، من الصعب علينا تقييم الاستجابة الحالية للدولة إزاء تطور تأثير الجائحة على البلاد، وسيكون من العسير أيضا أن نفهم كيف تعالج الحاجيات المستعجلة لطبقة الفقراء مقارنة بطبقة رؤوس الأموال. إننا لا نريد الاستسلام للتخمين الذي يقول إن طبقة رؤوس الأموال بصدد توزيع غنيمة.

لقد وقع رئيس الحكومة على وثيقة على قدر كبير من الأهمية، منحت قطاعات حكومية شيكا على بياض للعمل دون الاكتراث بمدونة الصفقات العمومية. من الضروري أيضا مراقبة هذه الصفقات مهما كانت الحاجة إلى إبرامها ملحة. وبشكل مؤكد، حُق للناس أن يطلعوا على الكيفية التي يجري بها الآن تعزيز مقدرة وزارة الصحة. لدينا تاريخ يجبرنا على الحذر في هذه التفاصيل.

إن مشروع الديمقراطية لا يتوقف بجائحة، ولا بشن حرب. وإذا ما استغنينا عن آليات الشفافية والرقابة ثم المحاسبة في هذه الظروف، فإننا، دون شك، سنحصد الكثير من البؤس لاحقا. هناك مثَل يقال في الولايات المتحدة، ويؤمن به، على ما يبدو، رجال الأعمال في كل الأرجاء، باعتباره قاعدة: «إذا رأيت الدم في الشوارع، فابدأ في شراء العقار». لا يجب السماح بأن تصبح كارثة طريقا سريعا لمراكمة المزيد من الأرباح. وبشكل أساسي، لا يجب أن نسمح بأن تتحول كارثة إلى ظلمة تغطي مشروع الديمقراطية. ومن المأساوي أن يُستغل في ذلك الإجماع القائم الآن.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مرافعة مواطن منذ 3 سنوات

... أضف إلى كل هذا مبادرة وزارة المالية و الاقتصاد ممثلة في المديرية العامة للضرائب الرامية لإدراج المبالغ التي ساهمت بها بعض الشركات ــ التي لا تعدو أن تكون بعض "فتات" من ثرواتها و أرباحها .. الضخمة ــ التي راكمتها بفعل الكثير من الامتيازات الممنوحة لها ــ إدراج تلك "المساهمات" كبند محاسبي مخصوم من الضرائب و بالتالي إدراجها ضمن التحملات (المصاريف) !!! يعني "أعطينا شوية نتاع الفلوس و يذكر المبلغ بالسنتيم لتضخيمه إضافة إلى الدعاية المرافقةّ" من الباب و نسترجعه "حسي مسي" من النافذة ، هل توجد دولة أكثر كرما و أرباب عمل و رجال أعمال أكثر جشعا ؟؟؟؟؟؟؟ ....

التالي