فسحة رمضان على "أخبار اليوم".. طاعون 1747-1751.. فاس سجلت 300 ضحية في اليوم بسبب الوباء- الحلقة 6

01 مايو 2020 - 20:00

في ظل جائحة كوفيد ــ 19، اختارت «أخبار اليوم»، أن تنشر سلسلة من الحلقات من كتاب مرجعي بعنوان: «تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين 18 و19»، لمؤلفه المؤرخ الراحل محمد الأمين البزاز، الذي اشتغل أستاذا بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بالرباط. ويعد الكتاب في الأصل أطروحة دكتوراه، أشرف عليها المؤرخ جرمان عياش أشهرا قبل رحيله سنة 1990.

يعتبر هذا الطاعون الذي ضرب المغرب امتدادا لسابقه الذي ربما ترك جيوبا منعزلة بعد انحساره عام 1944. ولكن نقطة انطلاقه هذه المرة جاءت من الجنوب على عكس الطواعين السابقة التي كانت تأتي من الشمال. هناك إشارات في المراسلات الأجنبية يفهم منها، أن الوباء ظل متوطنا في 1947 في أكادير وآسفي، قبل أن يمتد في السنة الموالية إلى مراكش وتافيلالت. ثم امتد في ربيع 1749 إلى سلا والرباط، واستمر إلى غشت محدثا بهما آثارا جسيمة. في سلا ارتفعت الوفيات إلى 60 يوميا خلال بضعة أيام من شهر مارس، غير أنه لم يبلغ ذروته إلا في السنة التالية 1750، حيث تظافرت مجموعة من العوامل لتأجيج لهيبه. وما زاد من حدته أن تلك السنة كانت سنة يبس وقحولة.

في فاس أقيمت صلوات الاستسقاء 16 مرة، ولم تجد السماء بالأمطار إلا في شهر أبريل، حيث نزلت أمطار طوفانية، وأودت بالبهائم، واستتبع ذلك غلاء الأسعار، وعجز الضعفاء عن شراء القمح، فاستعاضوا عنه بنبات “إيرني”. سهل سوء التغذية انتشار الطاعون. كما تزامن ذلك مع الحروب الأهلية وخاصة خروج جيش الأمير سيدي محمد من مراكش إلى فاس. كان العبيد قد شقوا عصا الطاعة على السلطان مولاي عبد الله، وخلعوه للمرة السادسة، وأرغموه على الفرار إلى دار الدبيبغ قرب فاس، في يناير وفبراير 1750، ثم بايعوا ولده وخليفته بمراكش سيدي محمد. وعلى الرغم من امتناع هذا الأخير، استمروا يخطبون له بمكناس وزرهون، ومن أجل إصلاح ذات البين بينهم وبين والده، خرج الأمير من مراكش، ومر بالشاوية والرباط ومنها تابع طريقه إلى المعمورة، ثم عرج على مكناس، التي حل بها في أواخر ماي1750، ومنها انطلق إلى فاس ونجح في المهمة التي قدم من أجلها. لكن الجيش الذي رافق سيدي محمد، وقوامه 4000 جندي، شق طريقه عبر جهات موبوءة، فقد كان الوباء متفشيا في الغرب والشاوية في شتاء 1950، محدثا خسائر كبيرة في الأرواح. فكانت من أهم نتائج هذه الرحلة تنشيط عملية نقل العدوى في اتجاه مكناس وفاس.

فاشتد الطاعون بالمدينتين إلى حد أن الأمير سيدي محمد قرر العودة إلى مراكش. وتفيد وثيقة في 7 يونيو أن الموت بفاس بلغ 160 إلى 170 ضحية في اليوم، وتشير وثيقة أخرى في 14 غشت إلى أن الوباء كان متفشيا في جميع أنحاء البلاد وأنه ما يزال يفتك ب4 إلى 8 ضحايا في اليوم بينما أحدث خسائر رهيبة في مكناس وفاس، حيث بلغ الموتى في كل منهما 1500 ضحية في اليوم. لكن يبدو أن هذه الأرقام مفرطة، في حين أن المصادر المغربية تشير إلى أن طاعون فاس سجل 300 ضحية في اليوم. وذلك ما بين يونيو ويوليوز 1750، وهو التاريخ الذي شكل نقطة الذروة للوباء في المدينة.

وفي الصيف دخل الوباء مرحلة الانحسار في جل المدن الموبوءة. غير أنه عاد في السنة التالية واشار القادري بخصوص فاس بقوله “عاد أمر الطاعون بفاس بعد أن ارتفع قليلا”، ويظهر أنه عم البلاد كلها، فقد توغل جنوبا إلى آسفي وعبدة وأزمور، ومراكش مخلفا خسائر كبيرة في الأرواح. ففي بداية شهر مارس ارتفع عدد الموتى، بمراكش إلى 300 و400 ضحية في اليوم، ثم ارتفع لرقم في بداية الشهر التالي إلى 500 ضحية، مما أرغم سيدي محمد على الخروج من المدينة مع حاشيته في اتجاه مكان آمن.

ومع بداية فصل الصيف، تشح المعلومات عن هذا الطاعون، مما يدل على أنه دخل في طور التراجع، لينقطع تدريجيا، مع اشتداد الحرارة جريا على عادته. وهناك إشارة إلى انقطاعه بصفة نهائية وهي التي يقدمها ابن الحاج، بقوله “ولم يزل أمره يتفاقم إلى منتصف شعبان )يوليوز(، فكف والحمد لله”.

وضربت المجاعة الحياة والتجارية والحرفية. ومع ظهور الطاعون انهارت التجارة الخارجية بعد أن قامت سلطات جبل طارق وإسبانيا بقطع جميع المواصلات مع المغرب. وقد جاء في وثيقة من الرباط في 11 يوليوز1749، أن “الأمور التجارية في حالة يرثى لها بحيث لم نبع شيئا من السلع التي لدينا.. وسبب ذلك راجع للطاعون الذي تفشى هنا منذ شهر مارس الفارط والذي أضر كثيرا بالتجارة”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

qu'un. mohamed منذ سنتين

المرجو ضبط أو تصحيح التواريخ في الفقرة الأولى الذي ربما جاء سهوا.شكرا

يوسف ابن طامة منذ سنتين

المرجو التدقيق في السنوات قبل النشر لأن الأمر يتعلق بوقائع تاريخية.