مسلمو الرباط استغلوا "التراويح" للتخلص من اليهود.. ويهودي مغربي «يؤمُّ» المسلمين

03 مايو 2020 - 07:00

في هذه الورقة نتطرق إلى واقعتين تناقلهما المؤرخون عن بعض أشكال وتمظهرات الوجود اليهودي في المغرب، لهما علاقة بصلاة التراويح. الواقعة الأولى تتعلق بحاخام يهودي أمَّ مسلمين في صلاة التراويح، متحايلا بهذه الصلاة لتحقيق نوع من الاندماج في مرحلة لم يعد فيها بعض سلاطين المغرب، ربما، يقبلون الاختلاف العقدي على أرض المغرب، مما قد يكون معه بعض اليهود اضطروا إلى إعلان عكس ما يضمرون. أما الواقعة الثانية، فتعكس لجوء المسلمين إلى حيلة لها علاقة بصلاة التراويح، لكسر اندماج اليهود الذي كان قائما، حتى ذلك الحين، بينهم، وإخراجهم من الجيرة ثنائية الأديان إلى الملاحات.

تراويح السفينة

المعروف عن الفيلسوف والطبيب الأندلسي المغربي موسى ابن ميمون، الشهير بالرئيس، أنه ولد في قرطبة في القرن الثاني عشر الميلادي، ومن هناك انتقل رفقة عائلته سنة 1159 ميلادية إلى مدينة فاس، حيث درس بجامعة القرويين، قبل أن تنتقل عائلته سنة 1165 إلى فلسطين، لتستقر بعدها في مصر، وهناك أصبح موسى ابن ميمون طبيبا خاصا للسلطان صلاح الدين الأيوبي، ولمن جاء من بعده. وقد عاش ابن ميمون إلى أن مات بالقاهرة على دين اليهود. إلا أن المؤرخ ابن أبي أصبيعة يأتي برواية أخرى عن أن ابن ميمون كان قد أسلم في المغرب، وارتد عن الإسلام في مصر. حيث يقول في كتابه “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”، وهو موسوعة جمع فيها ابن أبي أصبيعة تراجم العلماء الذين اشتغلوا بالطب من عهد الإغريق والرومان والهنود إلى عام 650 للهجرة (يقول) إن “الرئيس أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي، يهودي عالم بسنن اليهود ويعد من أحبارهم وفضلائهم. وكان رئيسا عليهم في الديار المصرية، وهو أوحد زمانه في صناعة الطب وفي أعمالها متفنن في العلوم وله معرفة جيدة بالفلسفة. وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يرى له ويستطبه وكذلك ولده الملك الأفضل علي، وقيل إن الرئيس موسى كان قد أسلم في المغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه، ثم أنه لما توجه إلى الديار المصرية وأقام بفسطاط مصر ارتد”.

هذه الرواية يزكيها مؤرخ آخر هو علي بن يوسف القفطي في كتابه “إخبار العلماء بأخبار الحكماء” حيث يقول إن ابن ميمون “يهودي النحلة قرأ علم الأوائل بالأندلس وأحكم الرياضات وأخذ أشياء من المنطقيات وقرأ الطب هناك فأجاده علما ولم تكن له جسارة على العمل ولما نادى عبد المؤمن بن علي الكومي البربري المتولي على المغرب في البلاد التي ملكها بإخراج اليهود والنصارى منها وقدر لهم مدة وشرطا لمن أسلم منهم بموضعه على أسباب ارتزاقه ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ومن بقى على رأي أهل ملته فإما أن يخرج قبل الأجل الذي أجله، وإما أن يكون بعد الأجل في حكم السلطان مستهلك النفس والمال.

ولما استقر هذا الأمر خرج المخفون وبقى من ثقل ظهره وشح بأهله وماله فأظهر الإسلام وأسر الكفر فكان موسى بن ميمون ممن فعل ذلك ببلده وأقام ولما أظهر شعار الإسلام التزم بجزئياته من القراءة والصلاة إلى أن مكنته الفرصة من الرحلة بعد ضم أطرافه في مدة احتملت ذلك وخرج عن الأندلس إلى مصر ومعه أهله ونزل مدينة الفسطاط بين يهودها فأظهر دينه وسكن محلة تعرف بالمصيصة وارتزق بالتجارة في الجوهر وما يجري مجراه وقرأ عليه الناس علوم الأوائل وذلك في أواخر أيام الدولة المصرية العلوية وراموا استخدامه في جملة الأطباء وإخراجه إلى ملك الإفرنج بعسقلان فإنه طلب منهم طبيبا فاختاروه فامتنع من الخدمة والصحبة لهذه الواقعة وأقام على ذلك ولما ملك المعز مصر وانقضت الدولة العلوية اشتمل عليه القاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي البيساني ونظر إليه وقرر له رزقا فكان يشارك الأطباء ولا ينفرد برأيه لقلة مشاركته ولم يكن رقيقا في المعالجة وتزوج بمصر أختا لرجل كاتب من اليهود يعرف بأبي المعالي، كاتب أم نور الدين علي المدعو بالأفضل بن صلاح الدين يوسف ابن أيوب، وأولدها ولدا هو اليوم طبيب بعد أبيه بمصر وتزوج أبو المعالي أخت موسى وأولدها أولادا منهم أبو الرضى طبيب ساكن عاقل يخدم آل قليج أرسلان ببلاد الروم ومات موسى بن ميمون بمصر فِي حدود سنة خمسين وستمائة”.

هذين الترجمتين يزيد عنهما أثير الدين أبو حيان الأندلسي، بقوله إن ابن ميمون أمَّ المسلمين في صلاة التراويح. حيث قال في كتابه “تفسيره البحر المحيط” إن هذا الفيلسوف الأندلسي المغربي “كان رئيس اليهود في زمانه في مصر موسى بن ميمون الأندلسي القرطبي قد كتب رسالته إلى يهود اليمن أن صاحبهم يظهر في سنة كذا وخمسمائة، وكذب عدو لله. جاءت تلك السنة وسنون بعدها كثيرة، ولم يظهر شيء مما قاله، لعنه لله. وكان هذا اليهودي قد أظهر الإسلام، حتى استسلم اليهود بعض ملوك المغرب، ورحل من الأندلس، فيذكر أنه صلى بالناس التراويح وهم على ظهر السفينة في رمضان، إذ كان يحفظ القرآن. فلما قدم مصر، وكان ذلك في دولة العبيديين، وهم لا يتقيدون بشريعة، رجع إلى اليهودية وأخبر أنه كان مكرها على الإسلام، فقبل منه ذلك، وصنف لهم تصانيف، ومنها “كتاب دلالة الحائرين”، وإنما استفاد ما استفاد من مخالطة علماء الأندلس وتودده لهم، والرياسة إلى الآن بمصر لليهود في كل من كان من ذريته”.

حيلة التراويح

وإذا كان الفيلسوف اليهودي ابن ميمون، حسب الروايات التي أشرنا إليها آنفا، قد اختار حيلة التظاهر بالإسلام، وصلاة التراويح، لتحقيق نوع من الاندماج وسط الأغلبية المسلمة في المغرب، فإن المغاربة المسلمين قد وظفوا، في مرحلة من المراحل، صلاة التراويح في حيلة منهم لكسر هذا الاندماج. عن ذلك يحكي المؤرخ محمد بن علي الدكالي، في مؤلفه “الإتحاف الوجيز- تاريخ العدوتين” عن: “حيلة وراء قرار السلطان المولى سليمان بنقل حارة اليهود من وسط أحياء المسلمين إلى خارجها في مدينتي سلا والرباط”، حيث يقول: “بلغنا أن السبب في إخراج اليهود من ملاحهم القديم بسلا والرباط وانتقالهم إلى الحارتين الجديدتين خارج عمارة المسلمين هو أن اليهود كانوا يسكنون وسط المسلمين من قديم، متحصنين بهم من ثورة البوادي عليهم، وكانوا يجاورون المسلمين في المساكن فسئموا مجاورتهم ومخالطتهم مع مخالفة الدين والطباع وعفونة اليهود وما جُبلوا عليه من كراهة الإسلام والمسلمين، فاحتال بعض الحذاق من المجاورين لهم في السكنى بأن اشترى منهم قنينة خمر وتربص حتى صلى العشاء.

وكانت الأيام أيام رمضان. فلما فرغ الناس من صلاة العشاء وشرعوا في صلاة التراويح قصد الجامع المجاور للملاح القديم القريب اليوم من الملاح الجديد وكسر القنينة ببابه، ونادى: “معشر الإسلام هلموا انظروا ما يفعله اليهود بمساجدنا من إراقة الخمور وإفساد الصلاة علينا”. فأعملت البينة بذلك، ورفعت لأمير المومنين مولانا سليمان، فأمر رحمه لله بأن ينقلوا إلى محل لا يجاور سكنى المسلمين، وبنى لهم بدار الصنعة من سلا حارة، وبخارج الرباط حارة أخرى، وأراح لله المسلمين من سكنى اليهود بينهم. و كان ذلك سنة 1222 للهجرة”. 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *