سيناريوهات الخروج من الحَجر الصحي بين إنقاذ الاقتصاد والخوف من موجة ثانية للوباء

11 مايو 2020 - 13:00

 شرعت حكومة سعد الدين العثماني في بحث سيناريوهات رفع الحجر الصحي بعد 20 ماي الجاري. 

الأخبار الواردة من وراء الكواليس تفيد أن جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية منخرطة في دراسة السيناريوهات الممكنة للخروج من حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 أبريل الماضي. 

ويأتي ذلك بينما انخرطت 15 دولة أوروبية في التخفيف من قيود وإجراءات حالة الحجر منذ مطلع الشهر الجاري، بل إن دولا مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا أعلنت بشكل رسمي عن استراتيجيات شاملة للخروج من حالة الحجر الشامل، وهي دينامية دفعت مسؤولين، سواء في الحكومة مثل وزير الداخلية أو وزير الصحة، إلى التعبير عن بعض القناعات الأولية بخصوص المرحلة الموالية ليوم 20 ماي، حيث استنتج البعض وجود تصورات مختلفة لم تُحسم بعد على أساس مشترك.

لكن من خلال التجارب المختلفة، يبدو أن التفكير في الخروج من حالة الحجر الصحي لدى الحكومات، سواء في أوروبا أو آسيا أو المنطقة العربية، محكوم بمقاربتين: الأولى،  تؤكد على ضرورة الحد من خسائر الاقتصاد والمقاولة، وهي المقاربة التي دفعت الوزير الأول في دولة كبرى مثل فرنسا، إلى تبرير استراتيجية بلاده للتخفيف من قيود الحجرالصحي أعلن عنها الثلاثاء الماضي أمام الجمعية الوطنية الفرنسية بالخوف منالانهيار، ولا شك أن هذه المقاربة تفرض نفسها بقوة في العالم ككل، بما في ذلك بالمغرب.

التقارير والتقديرات الصادرة منذ أسبوعين من الاتحاد العام لمقاولات المغرب أو من قبل مؤسسات وطنية حول خسائر الاقتصاد الوطني، إنما تنطوي على التبرير ذاته؛ رفع الحجر لأجل إنقاذ الاقتصاد والمقاولة.

في المقابل، تبرز مقاربة أخرى تفرض نفسها بقوة، أيضا، فيما يخص التصورات الرائجة حول كيفية الخروج من الحجر الصحي، يعد المهنيين فيقطاع الصحة، من وزارات ومنظمات وأطباء وفاعلين مدنيين في مختلف أنحاء، أبرز من يدافع عنها، ممن يحذرون أن يؤدي التخفيف من إجراءات الحجر إلى موجة ثانية للوباء تقضيعلى الجهود التي بذلت خلال فترة الحجر الصحي، ويرون أن رفع الحجر غير ممكن إلا إذا نزل معدل التكاثر (R0) عن 1 في المائة لمدة أسبوعين على التوالي، فضلا عن الاستمرارفي فرض إجراءات أخرى مثل الكمامة والتباعد الاجتماعي، علاوة على الرفع من الفحوصات الطبية لكل المخالطين أو المشتبه في إصابتهم بالفيروس كورونا.

فما هي الدواعيالمغربية لرفع قيود الحجر الصحي؟ ما الذي تقدمه لنا التجارب المقارنة؟ وما السيناريوهات المتاحة أمام المغرب للخروج الآمن من حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 أبريلالماضي؟

هاجس إنقاذ الاقتصاد 

 استطاع فيروس كورونا أن يشل الاقتصاد العالمي، إلى حد أنه أوقف سلاسل الإنتاج بشكل شبه كلي بين الدول، ما أدى إلى خسائر فادحة، تتفاوت حسب القطاعات.

وإذا كانت مقاربةإنقاذ الاقتصادتفرض نفسها اليوم، على الدول، لدفعها نحو رفع الحجر الصحي، فقد كانت ضاغطة، أيضا، على بعضها لمنعها من فرض حالة طوارئ صحية منالأساس.

هذا النقاش بدا واضحا في أمريكا على وجه الخصوص التي وضعت إنقاذ الاقتصاد في كفة مماثلة لإنقاذ الأرواح. اليوم، تفرض هذه المقاربة نفسها مجددا، لاعتباراتموضوعية، أبرزها أن توقف الاقتصاد لمدة زمنية أطول معناهالانهياركما قال بذلك صراحة الوزير الأول الفرنسي يوم الثلاثاء الماضي أمام أعضاء الجمعية الوطنية لبلاده.

في المغرب، يمكن معرفة أنصار هذه المقاربة من خلال التقارير والدراسات التي صدرت في الآونة الأخيرة التي تدعو إلى إنقاذ المقاولة من الانهيار، ولو اضطرت الدولة للديون الخارجية، وهو الموقف الذي تضمنته مقالة وزير الفلاحة ورئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش.

لاحقا، برزت أصوات مماثلة، تتبنى المقاربة عينها، لكن تعبر عنها بلغة أخف، في هذا السياق يمكن الإشارة إلى نتائج الدراسة التي أجراها الاتحاد العام لمقالات المغرب (الباطرونا)، والتي تشير إلى أن نحو 47 في المائة من المقاولات المغربية التي شملها الاستطلاع سجلت انخفاضا في نشاطها للفصل الجاري بأكثر من 50 في المائة.

بل إن 78 في المائة من الشركات السياحية المشاركة في الدراسة صرحت بأنها لجأت إلى خفضمناصب الشغل، وكشفت ثلثاها أنها تضررت من انخفاض رقم المعاملات.

وقد شمل الانخفاض في رقم المعاملات جميع القطاعات تقريباً، من السياحة إلى العقار إلى الصناعةالتقليدية والصناعات الثقافية والإبداعية والإعلام والنسيج.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن 41,8 في المائة من الشركات طلبت تأجيل سداد قروضها، و37 في المائة منها طلبت تأجيل أداء الضرائب، و48,4 في المائة طلبت تأجيل أداء الاشتراكات الاجتماعية.

وما يكشف أن الأزمة أضرت بشكل كبير بالاقتصاد هو طلب نحو 23 في المائة من الشركات المستجوبة ثلاثة تأجيلات لسداد قروضها.

وأشارت الدراسة إلى أن الشركات تخشى فقدان 165.586 وظيفة، أي 55 في المائة من مجموع الوظائف، ناهيك عن أن فقدان العمل يؤدي إلى التوقف المؤقت للتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو الأمر الذي صرحت به 39 في المائة من المقاولات التي شاركت في الاستطلاع/الدراسة، وعددها 1740 مقاولة، تمثل أكثر من 300 ألف وظيفة، منضوية تحت لواء الاتحاد العام لمقاولات المغرب، علما أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تمثل نحو 90 في المائة من النسيج المقاولاتي المغربي.

الوضع المأزوم للمقاولة تعبّر عنه الأرقام التي كشف عنها وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، كذلك، حيث صرّح بأن إجمالي 113 ألف شركة أوقفت أنشطتها منذ 15 مارس الماضي. وقد أوضح الوزير أن أكثر من 700 ألف أجير في القطاع الخاص إما عجزوا عن العمل أو جرى فصلهم نتيجة لذلك.

ولا تبدو هذه المعطيات بعيدة عن الحقيقة، فالتقديرات التي تقدمها جهات رسمية تذهب في الاتجاه عينه، إذ تتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يشهد الاقتصاد الوطنيانخفاضا يقدر بـ6,8٪ خلال الفصل الثاني من 2020، بسبب انتشار وباء كورونا وتمديد فترة الحجر الصحي.

توقعات المندوبية وردت في مذكرة خاصة سجلت فيها أنه من المنتظرأن يواكب هذا الانخفاض فقدان ما يقارب 8,9 نقطة من النمو خلال الفصل الثاني من 2020، مقارنة مع توقعات تطور الناتج الداخلي الخام قبل تفشي وباء كوفيد ــ 19، عوض3,8ـ نقط المتوقعة في بداية شهر أبريل.

ما معنى ذلك؟

تشیر المندوبیة إلى أن الآثار الوخیمة للوباء من شأنها أن ترفع الخسائر المتوقعة على مستوى القطاعات الإنتاجیة إلى 7,29 ملیار درهم، خلال النصف الأول من سنة 2020 ،عوض 15 ملیار درهم المتوقعة في 7 أبریل.

وتتوقع المندوبیة أن یشهد الطلب الخارجي الموجه للمغرب تراجعا بنسبة 6,12 بالمائة، خلال الفصل الثاني من 2020، عوض ناقص 6٪ المتوقعة في 7 أبریل، متأثرا بانخفاض الواردات وخاصة الأوروبیة، مما سیساهم في تراجع الصناعات المحلیة الموجهة للتصدیر.

وفي ظل ذلك، یُتوقع أن تنخفض الصادرات الوطنیة بـ1,6 بالمائة، حسب التغیر السنوي، كما ستشهد الواردات تراجعا یقدر بـ4,8٪ موازاة مع تقلص المقتنیات من المواد الخام ومواد الاستهلاك والتجهیز.

التراجعات تبدو شاملة في تقدیرات المندوبیة، من ذلك أنها تتوقع انخفاضا في استهلاك الأسر بنسبة 1,2٪ خلال الفصل الثاني من 2020، وذلك بسبب تراجع النفقات المتعلقة بالنقل وبالمواد المصنعة وبخدمات الفندقة والترفیه.

وفي المقابل، سیواصل الاستثمار تقلصه بوتیرة تناهز 5,26 في المائة، بسبب تراجع مخزونات المقاولات، حیث ستساهم الأزمة الصحیة في الحد من احتیاجات المقاولات من التمویلات في الوقت الذي ستظل احتمالات انتعاش سریع للطلب غیر مؤكدة، خلال الفترة المقبلة.

ولا تبدو تقدیرات الحكومة بعیدة عن هذا المنحى، ففي الرسالة التي بعثت بها إلى الاتحاد الأوروبي في 26 مارس الماضي، توقعت خسائر معتبرة في قطاعات السیاحة والسیارات والأقمشة في عام 2020، خصوصا وأن الصادرات المغربیة نحو الاتحاد الأوروبي تشكل أكثر من 58 في المائة، كما أن الاستثمارات الأوروبیة المباشرة تشكل 59 في المائة من الاستثمارات الأجنبیة المباشرة بالمغرب، علاوة على أن الاتحاد یشكل المورد الرئیس لقطاع السیاحة بنسبة 70 في المائة.

ما یعني أن الآثار الاقتصادیة والاجتماعیة في الاتحاد الأوروبي ستكون لها انعكاسات مباشرة وسلبیة جدا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.

ولعل من أبرز الآثار الجانبية الاقتصادية للأزمة في الاتحاد الأوروبي وانعكاسها على المغرب، التراجع المحتمل في تحويلات المغاربة المقيمين في أوروبا وبقية العالم، التي بلغت سنة 2019 إلى أزيد من 64 مليار درهم، ويتوقع أن تتراجع بشكل كبير خلال هذه الفترة، مع لذلك من انعكاسات اجتماعية سلبية على الوضع العام للأسر التي تعيش على تحويلات أبنائها في الخارج.

أما قطاع السياحة، فإن “الكونفدرالية الوطنية للسياحة” تقدر أن الخسائر المتوقعة لعام 2020، قد تبلغ تقريبا 34.1 مليار درهم في إيرادات السياحة الإجمالية، و14 مليار درهم من قطاع الفنادق وحده. وتتوقّع الكونفدرالية تراجعا بنسبة 98 في المئة في عدد السيّاح الذين يزورون المغرب، ما سيعرّض 500 وظيفة و8500 شركة للخطر. 

وتفيد المعطيات والتقديرات الاقتصادية أن الاقتصاد المغربي يصعب عليه تحمل نتائج استمرار الحجر الصحي لفترة أخرى بعد 20 ماي، بل يصعب عليه الانطلاق من جديد في ظل استمرار إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية.

ولعل هذا الوضع هو ما دفع لجنة اليقظة الاقتصادية إلى الإعلان عن شروعها في إعداد خطة للإنعاش الاقتصادي تأخذ بعين الاعتبار، وفق بلاغ لوزارة الاقتصاد والمالية، المستوى القطاعي، وتعتزم وضع آليات للتمويل طويلة الأجل لفائدة المقاولات، ووضع آليات لتحفيز الطلب مع إيلاء الأولوية لتعزيز المنتج المحلي، في إطار خطة شاملة للإنعاش قد يُعلن عنها في أفق 20 ماي الجاري.

أما وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، فقد أومأ أمام مجلس النواب إلى إمكانية تعديل قانون المالية لسنة 2020، وتقديم قانون مالي تعديلي، بناء على الاضطرابات التي يعرفها الاقتصاد لعالمي والجهوي نتيجة الفيروس، ما يعني إمكانية إعادة النظر في كل الفرضيات والأولويات لتي تضمنها القانون المالي للسنة الجارية.

تجنب عودة ثانية للفيروس

إلى جانب مقاربة “إنقاذ الاقتصاد” من الانهيار، ثمة مقاربة أخرى تسيطر على الهيئات والمهنيين في قطاع الصحة، تنطلق من هاجس السيطرة على انتشار الفيروس، ومنع موجة ثانية له، بسبب التخفيف من إجراءات الحجر الصحي. يقول أصحاب هذه المقاربة إن الجهود التي بذلت من أجل السيطرة على فيروس “كورونا” من خلال إجراءات الحجر الصحي لا ينبغي إفشالها من خلال التسرع في التخفيف من تلك القيود، وهو الفشل الذي قد يسمح بموجة ثانية للفيروس، في حالة جرى رفع الحجر بطريقة غير عقلانية، ولا تستحضر المعطيات العلمية والطبية، وكذا قدرة النظام الصحي على التحمل.

أبرز من يدافع عن هذه المقاربة وزير الصحة، خالد أيت الطالب، الذي أوضح أمام مجلس النواب أن قرار رفع حالة الطوارئ الصحية يبقى رهين بنزول مؤشر انتشار الفيروس عن معدل التكاثر (R0)، بحيث يجب أن ينخفض معدل انتشار الفيروس عن نسبة 1 في المائة لمدة أسبوعين على الأقل، وثانيا انخفاض المصابين الجدد، ثم تراجع نسبة الحالات الإيجابية المؤكدة عند تعميم الاختبارات على الأشخاص المخالطين.

وألح الوزير أيت الطالب في أكثر من مرة على أهمية استمرار بعض قيود الحجر الصحي، مثل التباعد الاجتماعي، وتعميم ارتداء الكمامات، والاستمرار في استعمال دواء الكلوروكين للحد من الحالات الحرِجة للمرضى المصابين. وزير الصحة شدد على ضرورة التمسك بـ”الوعي واليقظة” حتى “لا نعود إلى الوراء”، مؤكدا على نجاعة البروتوكول العلاجي المعتمد على دواء الكلوروكين في التغلب على الحالات الحرجة، وبالتالي، التخفيف من حدة الوفيات في صفوف المرضى.

في ضوء تلك المقاربة، تنكب اللجنة العلمیة الطبیة التي تشتغل إلى جانب وزارة الصحة على إعداد خطة تتماشى مع التوجه نحو التخفیف من قیود الحجر الصحي، حیث تتجه إلى تبني تقنیات یمكنها أن تسعف في السیطرة على الفیروس، مثل تقنیة تحلیل الأمصال لقیاس قوة مناعة المغاربة، على غرار ما جربته دول أخرى مثل روسیا وتركیا وغیرها، وتعمیم إجراء الفحص الطبي على المخالطین والمشتبه فیهم خلال مراحل رفع الحجر الصحي، تماشیا مع الرفع من عدد المختبرات في أغلب المدن الكبرى والمتوسطة، بما في ذلك مدنا جدیدة مثل الناظور وبني ملال والراشیدیة وورزازات.

وزیر الصحة السابق، الحسین الوردي، حذر من جهته من التسرع في التخفیف من قیود الحجر الصحي، لأن أي خطأ سیكون “مغامرة” خطیرة تؤدي إلى تفشي الفیروس مرة أخرى. وقال الوردي خلال ندوة افتراضیة نظمتها شبیبة حزب التقدم والاشتراكیة، إنه لا ینبغي المغامرة برفع الحجر دون الأخذ بالاعتبار استعداد منظومة الصحة، وزیادة كبیرة في عدد الفحوصات، والتأكد من جاهزیة أقسام الإنعاش.

وشدد وزیر الصحة السابق على أنه ینبغي الحسم في إنهاء حالة الطوارئ الصحیة بعد تسطیح منحنى الإصابات، واقتراب معدل انتشار فیروس “كوفید 19 “من 5.0 في المملكة، بینما الوضع الحالي یبقى بعیدا عن كل هذا.

وبخصوص فعالیة الكلوروكین ضمن البروتوكول العلاجي للمصابین بالمرض، قال حسین الوردي إنها غیر مرتبطة بدلیل علمي؛ إذ إن 80 %من المصابین بالعدوى قادرون على التماثل للشفاء تلقائیا، محذرا من إعطاء “أمل زائف بشأن فعالیة الكلوروكین”، مشیرا إلى محدودیة الإمكانیات الصحیة للمغرب مقارنة بدول أوروبیة مثل فرنسا، لأن مجموع اعتمادات وزارة الصحة المغربیة مثلا لا تعادل سوى میزانیة مستشفى مارسیلیا الفرنسي.

تتنازع الحكومات المقاربتین معا، ولا یمكن تجاهل التحدیات والإكراهات التي تطرحها كل منها، ما یقتضي استحضارهما معا في أي سیناریوهات ممكنة للخروج من حالة الحجر الصحي.

 فما السیناریوهات الممكنة بالنسبة إلى المغرب؟ وما الذي تقدمه لنا التجارب المقارنة في هذا الصدد؟

السيناريوهات الممكنة

ومن بين الإجراءات التي تندرج ضمن القواعد الثلاث، إجراء 700 ألف فحص أسبوعيا للكشف عن الفيروس، وإعادة فتح المدارس على مرحلتين؛ في 11 ثم 18 ماي الجاري، وإلزامية وضع الكمامات في وسائل النقل العمومية، وإعادة فتح كل المتاجر، باستثناء المقاهي والمطاعم التي ستبقى مغلقة حتى نهاية شهر ماي الجاري.

في حين لن يسمح للمسارح وصالات السينما وكبرى المتاحف بالعمل مجددا، ستبقى مغلقة إلى مرحلة أخرى.

أما الأحداث والمنتديات الرياضية فلن تستأنف قبل شتنبر المقبل. وتعِد الخطة الفرنسيين بإمكانية رفع الحجر الصحي تماما، في حالة انخفض عدد حالات الإصابة الجديد إلى أقل من 3 آلاف يوميا.

الفرنسیون قرروا اللجوء إلى نظام التعقب الإلكتروني، لمراقبة المرضى والمخالطین، رغم الجدل الذي أثير حول الإجراء، في علاقته بالحقوق والحریات الفردیة، لكن الوزیر الأول وعد بأن یخضع هذا الإجراء تحدیدا إلى نقاش في البرلمان قبل إقراره أو رفضه.

وقال إدوارد فیلیب ّردا على الموقف الرافض لإقرار نظام التعقب الإلكتروني “ینبغي أن یكون بذلك موضع تصویت” مضیفا: “إن النقاش مبكر في هذا المجال وقبل تنفیذ التطبیق سیكون موضوع نقاش وتصویت في البرلمان”.

الوزیر الأول الفرنسي ّ برر قرار الدولة الفرنسیة بالخروج تدریجیا من الحجر الصحي بخطر “الانهیار” الذي یهدد فرنسا اجتماعیا واقتصادیا بسبب القیود الصارمة المفروضة على الفرنسیین منذ 17 مارس الماضي، وقال: “نشعر بأن الوقف الطویل للإنتاج وإغلاق المدارس والحدود ووضع قیود للحركة، قد یؤدي إلى خطر الانهیار”، مشیرا إلى أن الحجر “سمح بتفادي 70 ألفا من الوفیات”.

وقال أیضا: “لأجل تنظیم حیاة الفرنسیین، علینا أن نعیش مع الفیروس ونحتمي منه”، مضیفا: “لیس هناك علاج أثبت نجاعته ولم نبلغ المناعة الجماعیة بعد”، مؤكدا أن تفشي الفیروس في “انخفاض بطيء، لكن منتظما عموما، تقترح التجارب الدولیة على المغرب أربع مقاربات/ سیناریوهات للتغلب على الفیروس والخروج من وضعیة الحجر الصحي؛

المقاربة الأولى: تؤكد على ضرورة التعایش مع الفیروس من خلال تغییر نمط الحیاة، وهي مقاربة تنطلق من أن الفیروس سیبقى إلى فترة غیر معروفة، وبالضبط حتى إیجاد اللقاح، الذي قد یستغرق عاما على الأقل، وفي انتظار أن یجیب العلم والطب عن الأسئلة العالقة حول طبیعة الفیروس وقدراته على الانتشار والقتل. ولأن الفیروس قد یتراجع، لكن قد یعود من جدید، مادام هناك مصابون في شتى بقاع العالم.

ملخص هذه المقاربة أنه في غیاب تلقیح فعال، تبقى الوقایة هي الوسیلة الأساسیة لمواجهته، وعلى المواطنین في كل الدول تغییر طریقة عیشهم، والتكیف مع الفیروس للحد من انتشاره. ومن متطلبات ذلك، الكف عن المصافحة والعناق، والاستمرار في ارتداء الكمامات الواقیة في الفضاءات العمومیة مثل وسائل النقل والعمل والتسوق، والحفاظ على التباعد الاجتماعي لمسافة لا تقل عن متر ونصف بین المواطنین في المحلات والفضاءات العمومیة، والخضوع للعزل الصحي في حالة الشك والاشتباه بنقل
الفیروس.

المقاربة الثانية، وتتعلق بالفحص الشامل قبل وخلال فترة رفع الحجر الصحي، لأنها تقنية فعالة قد تمكن من اكتشاف المصابين، بمن فيهم أولئك الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض ويمكن أن ينقلوا العدوى إلى غيرهم دون شعور منهم، ومن شأن الفحص الشامل أن يؤدي إلى اكتشاف المصابين، وبالتالي عزلهم وعلاجهم، وفي الوقت عينه من شأن هذا الفحص تأكيد سلامة الأشخاص غير المصابين، هؤلاء سيكون بإمكانهم العودة إلى أعمالهم وأنشطتهم العادية. ومن شأن تحاليل الفحص الشامل أن تزرع أجواء الثقة في المجتمع، لأنها تساهم في تمييز المصابين من غيرهم خلال أمد زمني محدود، ومن شأن ذلك، أيضا، أن يساعد في الانطلاق من جديد بالنسبة إلى الاقتصاد والمؤسسات والناس كذلك. 

وتختلف الدول في العمل على هذا الإجراء، بین دول تعتمد الفحص الشامل لجمیع مواطنیها، أي فحص عشوائي دون تمییز، وهو توجه اعتمدته ألمانیا وكوریا الجنوبیة وتایوان وتتجه فرنسا إلى العمل به أیضا، لكن هناك خیارا ثانیا یدعم الفحص الموجه ولیس الشامل، بحیث یكتفي بالأشخاص الذین لدیهم أعراض المرض، مثل السعال والحمى، والمخالطین لهم. وهذا التوجه هو المعتمد في المغرب، ویبدو أنه قید التعزیز والتوسیع.

المقاربة الثالثة، تقوم على الاستعانة بالتقنیة من أجل محاصرة الفیروس، تتمثل في إرساء منظومة تكنولوجیة للتعقب والتتبع، وهي منظومة تسمح للأجهزة الأمنیة بتتبع المرض قبل إصابته وبعدها، من أجل معرفة المخالطین له، وهذه المنظومة بقدر ما تساعد في التعرف على المریض ومخالطیه بسرعة كبیرة، بل وتعقیم الأماكن التي مر منها، والتي یمكن معرفتها من خلال نظام التتبع، تساعد كذلك في التنبؤ ببؤر الوباء التي قد تظهر في أي منطقة كانت، ومن التوجه نحو هذه البؤر بشكل استباقي.

وعموما، یمكّن نظام التتبع من التعرف على ثلاث فئات: المصابون ومخالطیهم، الناجون من الفیروس، والأشخاص المتعافون ممن أصبحت لدیهم مناعة ضد الفیروس بعد إصابتهم به، بعبارة أخرى، یساعد نظام التعقب في تحدید وتدقیق الخریطة الوبائیة، وبناء استراتیجیة لمواجهتها بشكل ناجع ّ وفعال.

مقاربة رابعة، تقدمها التجارب الأوروبية تتمثل في استراتيجية “توقف ثم تقدم Stop and go، تقوم على فرضية أن الأوبئة معدية، وأن الذين يحملون الفيروس دون أعراض يمكنهم نقل الفيروس لغيرهم عند رفع الحجر الصحي، مما قد يؤدي إلى موجة ثانية للفيروس نتيجة رفع الحجر الصحي. وعليه، فإن الحل الممكن هو أنه كلما ارتفعت حالات الإصابة يمكن فرض الحجر من جديد، لأسبوع أو أسبوعين، إلى حين التعافي من جديد ثم رفع الحجر مرة أخرى، وهكذا، وهي مقاربة ترمي إلى تسطيح منحنى الوباء، وتجنب حدوث ذروة عالية من المصابين، يعجز معها النظام الصحي عن استيعاب المصابين. وتفترض هذه المقاربة رفع الحجر على مراحل، واستثناء بعض الفئات الهشة مثل كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة، لأن الفيروس قاتل بالنسبة إليهم. 

هذه سيناريوهات/مقاربات تبدو متباينة، لكنها متكاملة، ويمكن للمغرب أن يستفيد منها في صياغة استراتيجيته الخاصة للخروج من الحجر الصحي بأقل الأضرار الممكنة، إذ يكفي الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي تكبدها المواطن المغربي، وفي الوقت عينه الحيلولة دون موجة ثانية للفيروس خلال مراحل رفع الحجر، تهدم الجهود المبذولة منذ بداية مارس الماضي.

سيناريوهات الخروج من الحَجر الصحي بين إنقاذ الاقتصاد والخوف من موجة ثانية للوباء

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *