فسحة رمضان على "أخبار اليوم".. تاريخ الأوبئة والمجاعات- الطاعون وثورة فاس

11 مايو 2020 - 20:06

في ظل جائحة كوفيد ــ 19، اختارت «أخبار اليوم»، أن تنشر سلسلة من الحلقات من كتاب مرجعي بعنوان: «تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين 18 و19»، لمؤلفه المؤرخ الراحل محمد الأمين البزاز، الذي اشتغل أستاذا بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بالرباط. ويعد الكتاب في الأصل أطروحة دكتوراه، أشرف عليها المؤرخ جرمان عياش أشهرا قبل رحيله سنة 1990.

في عام 1819، ثارت فاس على عاملها الصفّار، وانتهت الثورة في السنة التالية بخلع مولاي سليمان ومبايعة ابن أخيه مولاي إبراهيم. والحقيقة أن طبيعة هذه الثورة غامضة لقلةالمعلومات بشأنها. بيد أن بعض الدراسات الحديثة، تفيد أن الثورة لم تكن بورجوازية، وإنما هي من صنعالعامة، بقيادة زعمائهم التقليديين. إذا كان الأمر، كذلك، فإن هذا يدلعلى وجود استياء كبير لدى الشعب. فما هي أسباب هذا الاستياء الذي دفع إلى الثورة؟ يبدو أن هناك معطيات ينبغي أخذها بعين الاعتبار تتصل بمجاعة 1817 وطاعون 1818-1820. ويمكن القول إن فكرة خلع السلطان بدأت تلوح في الأفق على الأقل منذ 1817. ففي الوقت الذي رمى القحط بكل قوته على البلاد، وعظم الأمر على الناس من شدة الغلاء،أقدم مولاي سليمان على الموافقة على تصدير الحبوب للمسيحيين، وأدى ذلك إلى موجة من القلق والغضب في صفوف الشعب، وخاصة الفقراء. والظاهر أن زعماء الزوايا كان لهمدورهم في تأجيج هذا الغضب، أو وجدوا الفرصة مواتية للدعاية ضد السلطان، الذي سبق أن حاول تقليص نفوذهم. وكانت هناك مصادفة أخرى مواتية، لمثل هذه الدعاية، بعدما أقدمعلى إبطال سُنة الجهاد البحري في السنة عينها. ويخبرنا القنصل العام لفرنسا بالفعل بأن الأولياء ذوي النفوذ في الأرياف والمدن دعوا الله في صلواتهم ليريحهم من أيامه ويعوضهمبسلطان جديد.

لم يمض سوى زمن يسير على ذلك حتى ألم طاعون 1818، وهو الوباء الذي كانت تحتار فيه الأفهام، وتقصر دونه وسائل العلاج، فلا عجب أن اعتبره المعاصرون غضبا سماويا أنزلهالله عقابا على انتشار المناكر بين العباد. وكان مولاي سلميان في وضع يجعله أول من يتبنى هذا التفسير، بعدما أصبح عرشه مهتزا بين ضربات الجبليين وزعماء الزوايا. لذلك،وجدناه يصب جم غضبه على رعاياه ويحملهم مسؤولية الغضب السماوي بقوله: “إن الله يعاقب المسلمين على معاصيهم بأن سلط عليهم الوباء الذي يفتك بهم، بيد أن مثل هذاالخطاب لم يكن ليجد أصداء وسط عامة الشعب للأسباب التي ذكرنا بعضها.

أما ما يمكن أن يخلف أصداء قوية وسط السكان، فهي الدعاية المضادة التي قام بها زعماء الزوايا بمناسبة هذا الطاعون. وفيما يلي ما قاله كاستيانوس: “إن الفريق الحامل لواءالمعارضة، رأى في الوباء عقابا أنزله الله بسبب العلاقات التي أقامها السلطان مع الدول الأوروبية، وخاصة لإبطاله سنة الجهاد البحري وإطلاقه سراح الأسرى الأوروبيين لديه. وكانشريف وزان الحاج العربي بن علي، وراء هذه الدعاية.

ويتضح من ذلك أن الطاعون استُغِّل من أجل الدعاية السياسية، ولا بأس من التذكير هنا بأن رائد هذه الدعاية الوارد ذكره في النص، هو الذي خلع مولاي سليمان في فاسبالاشتراك مع زعيم الزاوية الدرقاوية مولاي العربي وزعيم الجبل أبي بكر مهاوش.

وهناك جانب آخر مرتبط بالطاعون استغله، أيضا، رجال الدين للدعاية ضد السلطان، والنيل من شعبيته، ونعني به موقفه وسلوكه إزاء الوباء.

غادر السلطان فاس في بداية يوليوز 1818، أي بعد حوالي أسبوعين من ظهور الطاعون بها، واعتصم بمكناس إلى نهاية دجنبر مبالغا في اتخاذ الاحتياطات حتى لا تصيبهالعدوى، ثم خرج من مكناس في اتجاه الرباط. ومع أن الزياني يؤكد أنه ترك الوباء خفيفا لما خرج من مكناس، فإن رواية القنصل العام لفرنسا سوردو تقول العكس، إذ إن عددالموتى بها بلغ حينها 150 ضحية في اليوم. بعد قضاء عيد المولد النبوي بالرباط في 10 يناير، انطلق الركب السلطاني في اتجاه مراكش التي كانت ما تزال سالمة. ومهما كانتالدوافع التي جعلت مولاي سليمان يغير مقر إقامته من الشمال إلى الجنوب، فإن تنقلاته في زمن الوباء تثير استياء الناس، لأنها كانت تبدو وسيلة للفرار، وهو الأمر المحظور شرعا،إذ يعتبر خروجا عن السنة، التي تقرر حتمية المصير الإنساني. والمهم أن فرصة جديدة أتيحت لخصوم السلطان لشجب هذا السلوك والنيل بذلك من شعبيته. “إن الطاعون المتفشيفي المغرب يساهم في تزايد السخط بين الناس وهم مقتنعون بأن السلطان تعمد إن صح التعبير إدخال هذا الوباء إلى مملكته. وباستثناء الطلبة، فإن الجميع ينحي عليه باللائمة، لاسيما وقد شاع الخبر بأنه يكثر من الاحتياطات لوقاية نفسه“.

وهكذا، وعلى عكس الطاعون الأول الذي ساعده في تعزيز نفوذه، كان الثاني من العوامل التي أسهمت في تقليص نفوذه.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

امين بنعيسى منذ سنتين

ارجو من الكاتب الكريم تصحيح احدى المعلومات الواردة في هذا المقال المهم و هو ان خليفة المولى سليمان هو مولاي عبد الرحمان ابن هشام و ليس ابراهيم.