كل نقاش حول ماضي الصحافة المستقلة القريب، وكيف جرى إضعافها، والمسؤولين عن ذلك، مهما علت نبرته واحتدت، يبقى نقاشا مفيدا لفهم واقع الهشاشة الاقتصادية والمهنية والأخلاقية التي آل إليها القطاع اليوم.
لقد انتقلنا من مرحلة -ليست بالبعيدة- كان فيها التنافس فيها حول استقلالية الصحافي والجريدة، يكتسي طابع المزايدة على من يأخذ أكبر مسافة من السلطة، إلى مرحلة أصبح فيها البعض يقول إن ابتعاد الصحافي كليا عن السلطة، يقوده بالضرورة إلى سلطة بديلة، اقتصادية كانت أم سياسية، ويتحول معها الصحافي من ناقل للأخبار ومعلق عليها إلى صانع لها، أي إلى سياسي.
ولم يخل هذا الموقف من حق استغله البعض بالباطل، فالتحم بالسلطة وأصبح بوقا لها. ثم وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها الصحافة المتماسة، بدرجات متفاوتة، مع السلطة، لا تكتفي بدور البوق، أي الدفاع عن التراجعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتبرير التجاوزات الحقوقية… بل تحولت من ناقل لأخبار السلطة، إلى صانع ومختلق للإشاعات المغرضة للتشهير بزملائها الذين حافظوا على استقلاليتهم ونزاهتهم، لأنها لم تعد تنظر إليهم باعتبارهم خصوما للسلطة، بل خصوما لها، لذلك، أصبحت تسابق السلطة وتزايد عليها في التشهير والتنكيل بهم والتكالب عليهم. وهذا وصل إلى أوجه الصارخ واللاأخلاقي مع الصحافي توفيق بوعشرين، سواء في الحملة المنظمة ضده في قضية «الفيلا» أو في قضية «الاتجار بالبشر».
لذلك، من المهم، ونحن نتابع نقاش نشأة وتطور الصحافة المستقلة عن الأحزاب خلال العقدين الأخيرين، أن نستحضر هذه التحولات (métamorphoses) التي أنهت دورتها، وأصبحت عبئا على السلطوية، تأكل من رأسمالها الرمزي وتضر بصورتها.