هل يمكن أن يكون لبروز بعض القطاعات الحكومية بشكل أقوى خلال تدبير الأزمة تأثير على سطوع أو أفول نجم بعض الفاعلين السياسيين؟
لا أعتقد ذلك، لعدة أسباب، منها على وجه الخصوص أننا أمام حالة لم تتوقف بعد، ولهذا من الصعب إصدار أحكام حول آثارها مستقبلا، وخاصة في المجال السياسي. السبب الثاني، هو أن مسألة سطوع أو أفول نجم الفاعلين السياسيين في بلادنا، ترتهن بصفة أساسية لقواعد تتسم غالبا بصفة الاستقرار، وهي في الغالب قواعد محافظة تشبه بنية المجال السياسي المغربي، وهي بطيئة التغيير والتحويل، لهذا أشك في كون الحالة الحالية الناتجة عن كورونا بإمكانها أن تُحدِث تحولات بنيوية في طبيعة السلطة، وفي آليات تطور وتحول الفاعلين السياسيين. بكل تأكيد ما يقال عن صعود نجم الفاعلين السياسيين، يقال، أيضا، وباليقين ذاته عن أفولهم.
ظهرت وزارة الداخلية من خلال عدد من القرارات أن لها الكلمة الأولى في تدبير الأزمة. هل يمكن أن يكون هذا بمثابة مؤشر على تنفذها أكثر مستقبلا؟
أتصور أن ما كشفت عنه الأزمة الحالية الناتجة عن جائحة كورونا، هي أنها أزالت المساحيق والأقنعة التي اختلطت لعقود بالوجوه الحقيقية، ففي نهاية التحليل الأمر يتعلق بالوجه الحقيقي لوزارة الداخلية، وهي عندما تنعت بأم الوزارات، فهي كذلك، ومجالات تدخلها واسعة جدا ذات طابع عمودي وأفقي، وهذا الوضع مكرس قانونيا بشكل واضح، وهذا الموقع المتقدم لوزارة الداخلية، تلزمه إمكانيات مادية وبشرية كبيرة جدا. لهذا، فإن التجسيد الترابي للدولة كمفهوم قانوني وسياسي يتمثل في وزارة الداخلية، وهذا الوضع كما قلت سابقا ليس جديدا، صحيح أن بلادنا استهلكت كثيرا من الخطابات حول اللامركزية والجهوية، لكن الواقع يثبت أننا دولة لها تقاليد ثابتة في مركزية السلطة، وهذا أمر يمثله ويقبله الفاعل السياسي في بلادنا منذ عقود، رغم بعض الاحتجاجات أو الاعتراضات من هنا وهناك، لهذا أعتقد أن ما يحدث اليوم، هو تكريس لوضع قائم، أكثر منه مقدمة لمرحلة مقبلة.
مقابل البروز اللافت لوزراء الداخلية والمالية والصناعة يُعاب على رئيس الحكومة خروجه الباهت.. هل سيضعف كورونا العثماني وحزبه أكثر؟
رئيس الحكومة له وضع دستوري مهم، مقارنة مع الوضع الذي كان عليه الوزير الأول في دستور 1996، لهذا في اعتقادي أن رئيس الحكومة له مجال كاف للبروز وللقيام بدوره السياسي، خاصة على المستوى التواصلي مع المواطنات والمواطنين، ففي ظل هذه الأزمة غير المسبوقة، يحتاج الرأي العام إلى الاستماع إلى المسؤولين، وهذا ما قام به القادة على المستوى الدولي، يبقى أن مسألة التواصل السياسي ترتبط بالاستعداد الشخصي للمعني بها، إذ إن هناك أمورا كثيرة يمكن اكتسابها، لكن تبقى هناك أمور أخرى معقدة، ترتبط بحجم المعطيات التي يتوفر عليها، وكذلك تمثله الفعلي لموقعه في تراتبية السلط والمؤسسات وحجم الوسائل الفعلية التي توجد تحت تصرفه. لكن مع ذلك، لا أعتقد أن كورونا يمكن أن يكون له تأثير سلبي على العثماني أو حزب العدالة والتنمية، فتقييم المغاربة في الانتخابات، وخاصة إذا جرت بعد زوال الوباء، قد لا يكون متأثرا بالأزمة الحالية، فسلوك الناخب المغربي والثقافة الانتخابية بصفة عامة، لازالت لم تتطور إلى الدرجة التي تسمح ببروز سلوك عقابي يعتمد أسسا عقلانية ومؤشرات علمية قابلة للقياس. لذلك، فهزم حزب العدالة والتنمية لا يمكن أن يكون عبارة عن متمنيات أو رهان على كورونا، بل يحتاج إلى عمل حقيقي في الميدان وأساسا استرجاع الفاعلين السياسيين للمصداقية.
ماذا عن مستقبل أخنوش السياسي، خاصة بعد عودة نقاش المقاطعة للواجهة من خلال مشروع القانون 20-22، والانتقادات التي طالتهما؟
أخنوش يوجد منذ فترة في الواجهة، وخاصة منذ البلوكاج الشهير الذي عرفه المغرب بعد الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2016، وبالكيفية التي تولى بها رئاسة التجمع الوطني للأحرار. أزمة أخنوش الحقيقية تتمثل في الدور الملتبس الذي يُراد له القيام به، أو كان يُعد لذلك الدور، وبحكم تاريخ الرجل الشخصي، خاصة مساره السياسي الذي عرف على الدوام تقلبات غير منطقية أضعفت مصداقيته السياسية، وهو ما جعله على الدوام صيدا سهلا، زد على ذلك أنه يمثل نموذجا لزواج المال بالسلطة وهذا الأمر يُثير حساسيات كثيرة على الأقل منذ سنة 2011، ويمكن اعتبار مشروع قانون رقم 22.20 جاء ليؤكد هذا الوضع، حيث هناك تنازع مصالح واضح في الكثير من مظاهر عمل الحكومة بلغ اليوم حد وضع تشريعات على المقاس، ففي حالة ذلك المشروع يظهر جليا أن الأمر يمثل انتصارا للشركات ورجال الأعمال على حساب المستهلكين، وهذا الأمر يغذي أجواء التوتر وسيجعل أخنوش، دائما، في دائرة النقاش حول زواج المال بالسلطة.
مشروع القانون السابق الذكر، أثر بشكل أقوى على حزب الاتحاد الاشتراكي، هل هي الضربة القاضية له؟ وهل سيكون له صوت ما بعد كورونا !
على العكس من ذلك، أعتقد أن ذلك يثبت أن الاتحاد الاشتراكي لازال حزبا حيا، فردود الفعل التي سجلت بداخله توضح بأن الاتحاد لازال على درجة مقبولة من اليقظة. فهل الأمر يتعلق برد فعل ناتج عن مس ذلك المشروع بقناعات وتراث وتاريخ ومبادئ الاتحاد، بشكل يستهدف المستقبل، أم إن الأمر مجرد فعل معزول عن أي رؤية مستقبلية. أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال له علاقة بالتحولات التي يمكن أن يعرفها الاتحاد الاشتراكي في الأيام والشهور المقبلة. أما هل سيكون له صوت بعد كورونا، فقناعتي الراسخة أن بلادنا لن تعرف تحولات سياسية مستقبلا متأثرة بكورونا، ثم إن الأمر أعقد بكثير مما نتصور.