عبدالإله حمدوشي يكتب: الحرية لسليمان..

05 يونيو 2020 - 00:22

حرت صراحة ماذا أكتب بعد أزيد من سنة على التزامي بالنشر في جريدة “أخبار اليوم” المقاوِمة. ففي اللحظة التي أسجل فيها بفخر هذه التجربة التي مكنتني من مشاركة القراء ما أكتب، وجدت أنه من غير اللائق أن أغض الطرف عن الاستهداف الذي مازال يطال هذه الجريدة وأقلامها المنافحة عن القيم المثلى وأكتفي بممارسة الفرح، خاصة ونحن نعيش الأسبوع الثاني من صدمة اعتقال الزميل الصحافي سليمان الريسوني، بتهم من الصعب على من يعرف سليمان وأخلاق سليمان تصديقها.

منذ اليوم الأول، الذي عرفت فيه الزميل الصحافي سليمان الريسوني، وجدتُني أمام رجل واضح المواقف تجاه أية قضية كانت، خاصة القضايا المتعلقة بالحرية والديمقراطية، باعتبارهما قيمتين كونيتين مركزيتين لديه.. سليمان الذي أعرف، أكبر من مجرد كاتب صحافي عادي يلاحق الوقائع والأحداث بالتغطية الإعلامية.. سليمان مثقف عضوي مسكون بهموم المجتمع وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقارئ جيد لكتب التاريخ والفكر والأدب والسياسة والقانون أيضا.. لم يدس رأسه في التراب شأن غيره ممن آثر رفع شعار “اللهم سلامة السكات ولا ندامة التعبير”، أو ممن أراد فتات المسؤوليات والمناصب.. لم يقف في المنطقة الرمادية، لكي يخدع تيارا ما بأنه صديقه، ويوهم خصم التيار الأول بأنه حليفه.. بل ظل ثابتا على آرائه ومبادئه، غير آبه بالظروف والضغوط والتهديدات والعواصف.. لم يختر الكتابة من برج عاجي، ولكنه اختار ملاحقة أعطاب السلطوية وتسليط الضوء على تناقضاتها وكشف مناوراتها.. وكان من الصحافيين القلائل الذين اقتحموا “مسيرة ولد زروال” وكشفوا مكوناتها “البدوية” القادمة على متن الحافلات المعبأة. كانت ضربة “معلم” وهو يضع ميكروفون “الأول” أمام المدعو حسن الذي يتاجر بجثة رجل قضى منذ ثلاثين سنة وهو يهتف وسط مسيرة “ولد زروال” بسقوط بنكيران، ويوزع صور حامي الدين على أطفال بؤساء جيء بهم لمسيرة لا يعرفون أهدافها.. بعضهم يطالب بتحرير الصحراء من بنكيران، وبعضهم أخذ رغيفه ومائتي درهم وذهب مغادرا لا يلوي على شيء.. وهكذا سقطت هذه القضية كورقة التوت سنة 2016.

كانت لسليمان الريسوني تحليلات دقيقة، وهو يكشف خبايا قضية زميله توفيق بوعشرين، وخلفيات شخوصها، وتناقضاتها القانونية والمسطرية.. بقي سليمان الريسوني صامدا وهو يتابع الاعتقال الدراماتيكي لابنة أخيه الصحافية هاجر الريسوني، ولم يرتح إلا وهو يراها متوجة لعريسها في ليلة فرح كانت بمثابة رد الاعتبار الرمزي لسيدة تعرضت لأشكال من التنكيل والظلم الذي أثار حفيظة العالم..

ظل سليمان قابضا على جمرة قلمه الحارق، يقارع الرداءة بالثقافة، ويتصدى للمرتدّين عن مكتسبات الشعب المغربي بالكلمة القوية والصادقة.. يكتب افتتاحياته اللاذعة لتعرية ديمقراطية الواجهة وكشف تناقضات السلطوية الناعمة، التي تتحول في غفلة منا إلى سلطوية خشنة.. ولذلك تعرض لحملة تشهيرية واسعة وسط مواقع الصرف الصحي وتعليقات الذباب الالكتروني، التي توعدته بالاعتقال وبقضاء عيد الفطر في السجن.. بربكم، قولوا لي ما هذا الحضيض الذي وصلنا إليه؟!! أحقا صارت الطريق الممتدة من الألف إلى الياء مليئة بالمخاطر والمخافر – كما يقول البعض-؟!! نحن لم نعد أمام حرب نظيفة!!!

سليمان يعرف جيدا بأنه يؤدي ثمن مواقفه، وأظنه كان يتوقع ذلك.. ولذلك قال -وأتخيله مبتسما-: “نوبتي جات.. ادعيو معايا”.

بخصوص موضوع الاتهام الجنائي لسليمان الريسوني، يبدو أنه لا شيء مؤكد إلى حدود الساعة، فلسنا أمام حالة تلبس، ولسنا أمام وقائع قانونية مؤكدة، ولسنا أمام حتى شكاية رسمية من طرف متضرر، بقدر ما نحن أمام بحث حركته النيابة العامة بناء على تدوينة لحساب مجهول، تمت إحالته على قاضي التحقيق لتعميق البحث، الذي فضل الاحتفاظ بسليمان في السجن لأسباب غير معلومة.

المهم، رغم كل هذا، سننتظر يوم 11 يونيو المقبل، ما دمنا مضطرين للثقة في القضاء، لنسمع قرار قاضي التحقيق.. الذي نتمناه قرارا حكيما يقضي بعدم المتابعة نظرا لغياب الأدلة.. لنرى سليمان حرا طليقا معانقا لقلمه من جديد،

ولنطرد جميع الأفكار الشريرة التي تراودنا حول مغرب ما بعد كورونا، وتدفعنا للتفكير في الهجرة لأرض لا يُظلم فيها عباد لله.

يقال إن عمر المرء لا يحسب بعدد السنوات، ولكن بعدد المواقف، وبما أن الأعمار كذلك، فلا شك أن مواقف سليمان قد كتبت له الخلود.. ومهما حدث وسيحدث، ستبقى عصا كلماته الغيورة على مستقبل وطن تلقف سحر ما يأفكون.

لك لله زميلي سليمان.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي