ماسيمو كاتشياري: لقد فشلت أوروبا في سياستها الأورومتوسطية -حوار

18 أكتوبر 2020 - 07:00

يعتبر ماسيمو كاتشياري، المزداد بمدينة البندقية الإيطالية قبل 76 عاما، أحد أبرز المفكرين الأوروبيين المؤثرين، إذ استطاع الجمع بين التجربة السياسية (شغل منصب عمدة البندقية ما بين 1993 و2000، و2005 و2010) والفكر. في هذا الحوار يعبر عن نوع من التشاؤم تجاه الاتحاد الأوروبي في صيغته الحالية بعد اعتماد الأورو عملة موحدة، إذ يعتقد أن «سياسة الأورو» رسخت «الفشل السياسي والثقافي الذي آلت إليه آمال قارة لن تخرج بالضرورة بصحة جيدة من الجائحة، كما يدعو إلى اعتماد النظام الفدرالي بدل التمركز.

 

ما هي التحولات التي ستتسبب فيها الجائحة في نظركم؟

الجائحة عامل مسرع هائل للاتجاهات الثقافية والاجتماعية التي كانت موجودة منذ عقود. أتحدث عن التوجهات المرتبطة بالتنظيم العام للشغل، وهيمنة القطاعات الاقتصادية والمالية المتصلة بالتكنولوجيات الجديدة، وأزمة الأشكال التقليدية للديمقراطية التمثيلية.

أنتم تعيشون شعبويتكم الخاصة. ورغم الاختلافات الموجودة بين هذا الاتجاه الشعبوي وذاك، هل لديها العيوب نفسها في الحياة السياسية؟

تُحُدِّث كثيرا عن الشعبوية. لكن المشاكل التي يجب التفكير فيها، فعلا، هي تلك التي أشرت إليها مسبقا. كل الشعبويات هي عبارة عن ردود فعل على هذا المسار الذي يُعطل حيواتنا أنتروبولوجيا. إنها تدخل في إطار الظواهر المقاوماتية الرجعية، لذلك، فهي ستكون، على المدى البعيد، عاجزة كليا. يكمن المشكل في أنه لا يبدو اليوم أن هناك نخبة سياسية في العالم الغربي قادرة على إدارة وتدبير هذا التحول.

كان بلاتون يعتقد أن السياسة يجب أن تكون محكومة من لدن الفلاسفة. هل تؤمن بذلك؟

لا يتعلق الأمر بحكومة الفلاسفة. الباراديغم البلاتوني، بلغة زمننا هذا، يطرح التساؤل التالي: هل السياسة ممارسة سيئة، أم مجرد عمل، أم إنها لكي تشتغل بالشكل الجيد يجب أن تكون مهيكلة عبر التنظيم، والبيروقراطية، والاختصاصات؟ هل يجب اختيار السياسي عن طريق القرعة أم الصدفة، أم بالأحرى من خلال مسار طويل من التكوين والانتقاء؟ في أصول الفكر الديمقراطي، كان الجواب بديهيا: الديمقراطية صالحة باعتبارها انتقاء للأفاضل (الأفضلون). قيم الديمقراطية أرستقراطية في حد ذاتها. هذا هو التناقض الذي عشناه.

أنت أحد الفلاسفة الذين يفكرون في الكلاسيكيات. هل يمكن أن تفيدنا في تسليط الضوء على هذه الدراما لم نكن نتخيلها إلى وقت قريب؟

مازال هناك الكثير مما يجب أن نتعلمه من الكلاسيكيات؛ إنها تنتظرنا غدا. إنها تمثل كل ما ليس ماضيا، وكل ما لم يُستهلك. لا يمكن القول إن الزمن أكل عليها وشرب. الذين يريدون أن ينتموا إلى زمنهم سيتجاوزهم الزمن كأنما لم يكونوا شيئا. أما الأعمال الكلاسيكية، فتعلمنا ألا ننتمي إلى زمنها.

لننتقل إلى موضوع آخر، لقد أشرت إلى أوروبا باعتبارها مشروعا يدمر نفسه بنفسه. وتلمح على أن غياب الدراسات الكلاسيكية يعتبر بمثابة عامل مفتاح في تدمير المعرفة. ما هي تداعيات هذا الإهمال؟

لقد اشتغلت كثيرا على فكرة أوروبا منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. ويمكن القول اليوم إن أوروبا اليورو كانت فشلا ثقافيا وسياسيا. وعليه، يجب الاعتراف بذلك بكل هدوء، وإلا فإن أي تعافٍ سيكون مستحيلا. مازالت هناك حاجة إلى مجال سياسي أوروبي موحد (والذي لا يمكن تصوره دون النظام الفدرالي)، وإلا فلن تستطيع أي دولة مقاومة المنافسة الكونية، لكن، يبدو أن الخيار الأول أصبح مستحيلا.

بعيدا عن الأديان، يبقى الإيمان عاملا مهما في مواجهة مشاكل الحياة، وفق ما تقوله. هل غياب الإيمان يكرس الخوف الذي تسببه الجائحة؟

اعترف كلاسيكيو الفكر، دائما وأبدا، بالدور الجوهري للإيمان الديني في مسارات التحولات الكبرى الاجتماعية والسياسية. إذا كان «الإله مات» اليوم، فإن الدين لم يُخلع عن عرشه على الإطلاق، لكنه أضحى دين عبادة المال والمعاملات، والمضي قدما إلى الأمام دون غاية. الدين السائد اليوم هو عبادة الأصنام وتبجيل الخرافات.

أتعيد الجائحة إلى الواجهة الهجرة غير النظامية باعتبارها أحد التحديات الكبرى التي تواجه أوروبا؟

الطريقة التي تعاملت بها أوروبا مع هذا المشكل الكبير (الهجرة) هو إشارة أكثر دراماتية إلى قصر نظر وعجز أوروبا بصفتها فاعلا سياسيا. لقد لخص الأوروبيون مشكل حقبة زمنية في مشاكل طارئة أو حتى أمنية، كما لو أن أوروبا ليست في حاجة حيوية، في ظل توجهها الديمغرافي، إلى تدفقات بشرية هائلة. في الحقيقة، لقد فشلت أوروبا في سياستها الأورومتوسطية ومازالت تمعن في هذا الفشل.

أي دور يمكن أن تلعبه إسبانيا في بناء أوروبا؟

في الجوهر، لا أرى أي اختلاف بين السياسة الإسبانية وبين سياسات باقي الدول الأوروبية. لم أسمع أنها تحدثت بشكل مستقل عن أي قضية من القضايا الرئيسة، بل أكثر من ذلك، يمكنني القول إنها لم تستطع أن تفهم هذه القضايا فهما جيدا، كما هو الحال مع قضية الهجرة.

هناك انتقاد للزعامة الألمانية لأوروبا. هل هناك بديل؟

لقد تحدثت عن الأمر مرارا وتكرارا، لا يمكن أن تقوم قائمة لفدرالية (اتحاد) الدول الأوروبية إذا لم يكن هناك بلد فدرالي (مُوَحِّد)، والذي لا يمكن أن يكون سوى ذلك البلد الذي لديه تأثير كبير، ليس فقط اقتصاديا، وهو ألمانيا. إذا كانت ألمانيا تلح على أنها لا ترغب في زعامة مسار مؤَسَّس على وحدة السياسة الأوروبية، والقائم على التعاون والتضامن، فإن هذا المسار سيتوقف كليا في بعده التجاري البحت.

أنت أحد الفلاسفة الكبار المعاصرين الذين مارسوا السياسة. هل هذه العلاقة بين المثقفين والسياسيين أصبحت اليوم متجاوزة؟

تتكون النخبة الحالية من ذلك المزيج المتعايش من التقنوقراط والقادة السياسيين ومديري كبار الشركات المتعددة الجنسيات. وبين كل هذه المستويات هناك تبادل مستمر، وشخصي أيضا. كل واحد يعترف بحاجته إلى الآخر، وأنه مستعد لدعمه. في بعض الإمبراطوريات التي لايزال فيها نوع من الديمقراطية، يمكن أن تحدث هناك مشاكل، لكنها تُتجاوز دون صعوبات. مع ذلك، يجب الإقرار بأن مساحة الحركة تضيق يوما بعد آخر أمام النخبة المتشبعة بروح النقد والمهووسة بالسياسة والمستقلة عن النظام الاقتصادي والمالي.

أنت أكثر المدافعين في اليسار الإيطالي عن النظام الفدرالي. هل ستدفع هذه الجائحة إلى التمركز؟

تعني فكرة الفدرالية أن السلطة السياسية تتقوى عندما تحدد بوضوح وتتوزع. إنها تقوم بالأساس على مسؤولية كل طرف، وعلى قدرة كل عنصر من الكل على الإجابة، في إطار اختصاصاته، عن حاجيات النظام. يعني المزيد من السلطة المزيد من المسؤولية. ففكرة الفدرالية تتأسس على أن منظمة لامركزية، لاهرمية، تشتغل بشكل جيد، وتضمن الكثير من الفعالية أكثر من الدولة التقليدية. تجدر الإشارة إلى أن مقاومة الأجهزة القديمة البيروقراطية والسياسية منعت، إلى حدود الساعة، حتى الوصول إلى تجريب فكرة الفدرالية. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق الوحدة السياسية الأوروبية إذا لم تتأسس على الفدرالية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي