منير أبو المعالي يكتب: لقاح يُخلصنا من الفشل

12 نوفمبر 2020 - 18:00

التلقيح الجماعي خلاص وحيد من جائحة كوفيد19 في المغرب. ليس وكأن هذه البلاد شكلت حالة خاصة، ولكنها كانت أسوأ حظا من معظم الباقين. قُدمت لنا التجربة المغربية في مواجهة الجائحة بوصفها «نموذجا ناجحا»، كما قال رئيس الحكومة متحديا كافة الاعتراضات. كان وقتها مفعما بحماسة التلميذ المذهول أمام نتائج الامتحان وقد غش فيه. بالفعل، كان الإغلاق الشامل للبلاد طيلة ثلاثة أشهر بمثابة عملية غش فحسب. مراوغة خشنة للاعب يملك قدرة غير محدودة على الهجوم. في تلك المرحلة، تحولت المواجهة إلى مهرجان غنائي، حيث كانت فرق السلطات تُستقبل بالأهازيج، وكان المعلقون على الشبكات الاجتماعية، في خضم إحساسهم بالخوف، يدعمون طرقا عنيفة لدفع الناس إلى البقاء في منازلهم. على كل حال، نفذت السلطات المغربية خططا جرى اعتمادها في أنحاء بالعالم آلية ضرورية لمحاصرة خطر فجائي. وبمقدور السلطات هذه أن تقيم حفلها فيما كانت بالكاد تُساءل عما كان يجب فعله قبل 20 مارس. في الواقع، فإن أولىالحالات المسجلة كان مصدرها من إيطاليا، حيث تفاقمت الأوضاع بشدة آنذاك، ولم يُغلق المجال الجوي إلا بشكل متأخر في 14 مارس، أي بعد إعلان حالة طوارئ قصوى في ذلك البلد بأيام. ودعونا لا نتحدث عن «بروتوكول»مراقبة المسافرين القادمين من هناك، أو من أي بلد مماثل كمصر في تلك الفترة. كان الوضع لا يحتمل السخرية، لكن الناس نجحوا في الوصول إلى مساكنهم في المغرب دون أن تعترضهم أي رقابة صحية ملائمة.

رغم ذلك، حُق للسلطات الحكومية أن تفخر، وهي تحمل في يونيو، استراتيجية الإغلاق الشامل إلى القبر. حتى ذلك الحين، كانت الصور الملتقطة للرعاية الجيدة في المنشآت المخصصة لمرضى كوفيد19 تُشعر المرء بالفخر حقا، لكنها كانت صورا زائفة. ومع ذلك، فقد تجنبت البلاد أسوأ كوابيسها. كانت المندوبية السامية للتخطيط توزع منشوراتها المخيفة بشكل دوري، وهي تحث المواطنين على الامتثال لتعليمات السلطات الحكومية. في 16 ماي الفائت، حذرت من أن أي تخفف من القيود المفروضة سيدفع عدد الإصابات إلى الانفجار. ستتضاعف الأرقام ثماني مرات في المائة يوم الأولى، كما قالت. في ذلك اليوم، على وجه التحديد، سجلت وزارة الصحة إصابة 45 مواطنا بالفيروس. هل كان محللو هذه المؤسسة على صواب؟ بعد مائة يوم من ذلك، تضاعفت أعداد المصابين بحوالي 34 مرة. ماذا حدث بالضبط؟ على خلاف نصيحة المندوبية السامية للتخطيط، قررت السلطات الحكومية أن تتخفف من القيود التي فرضتها بنفسها على المواطنين. في حقيقة الأمر، فإن الشعار القائل إن صحة المواطنين أكثر أهمية منالاقتصاد، سرعان ما خذل مبتكريه. كانت البلاد غير قادرة على أن تتحمل انهيارا منظما للاقتصاد يجعل المواطنين أنفسهم مهددين في كل شيء. لثلاثة أشهر، كان حوالي مليون شخص قد فقدوا أعمالهم، وكان يتعين على السلطات أن تمنحهم إعانات، فيما كان يجري تزويد المعيلين، الذين لم يكن لديهم حساب في الضمان الاجتماعي، بمؤن مولتها البلديات والأعيان الميسورون. أضف إلى ذلك، دُفعت معونات نقدية لثلاثة أشهر. في المحصلة الأخيرة، لم يكن لدى السلطات خيار. عليها أن تعيد هذه الآلة الضخمة إلى العمل بشكل كلي. ومثل أي ميكانيكي غير حريص على سمعته، جعلت هذه السلطات من «بروتوكول تخفيف القيود» مجرد عبارة للإعلان، ولقد حصدت نتائج ذلك في الشهر الموالي.

هذه حقائق معروفة، لكن إعادة تنظيمها مجددا تعوق دون شك محاولة فهم معقولية الاستراتيجيات المستخدمة لمواجهة الجائحة. وعلى كل حال، فإن الطقس لم يكن مناسبا لمساءلة أحد. بشكل معين، فقد المشرعون في البرلمان، الذين يملكون القدرة على إدهاشنا بزخرف الخطاب، أي رغبة في إجراء فحص شامل لهذه الاستراتيجيات. وسرت شائعة غامضة حول نهاية المعارضة تحت وطأة ضربات الجائحة. مُكتفين بأعمال دعاية شخصية، ألح نواب في البرلمان وهم في الواقع رجال أعمال لديهم أصدقاء رجال أعمالكذلك على الاعتراض على صفقات وزارة الصحة. وفي غضون ذلك، مازال طلب إنشاء لجنة استطلاع من البرلمان يراوح مكانه، فيما الجائحة على مقربة من طي صفحتها بشكل نهائي. لعلمكم، بمقدور مدير مستشفى أن يعوق عمل لجنة استطلاع كهذه كما شاء. يملك أعضاء اللجنة صلاحيات محدودة هي تقريبا، وبشكل أدق، الحقوق الممنوحة نفسها لأي مواطن عادي يرغب في تفقد مبنى عمومي.

ومع ذلك، كانت الحقائق تُستكشف وكأنها سقطت من علٍ. ففي الوقت الذي فقدت فيه المشافي مقدرتها على الاستيعاب، وجدت المصحات في ذلكفرصة لزيادة الأرباح، والمختبرات عثرت على فرصة العمر. ولسوف تتكفل البيروقراطية بالباقي. وفي الوقت الذي أسهمت فيه الخلافات بين المسؤولين الحكوميين في تضخيم «مشاريع محلية» لمواجهة الجائحة، وقد قُدمت في بادئ الأمر بصفتها عناصر للفخر الوطني، كانت مظاهر التأقلم مع الفشل قد تفشت بين المواطنين كما المسؤولين الحكوميين. ولقد كان وزير الداخلية صادقا وهو يلقي بيانه الختامي على البرلمانيين قائلا: «لقد فعلنا كل ما كان مطلوبا، وليس لدينا ما نضيفه». ألقي باللائمة سريعا على المواطنين الذين يُبدون قدرا من العناد بشأن إجراءات السلامة، فيما كانت السلطات تنفذ ما تبرع فيه بشكل أفضل؛ فرض مزيد من القيود.

في حقيقة الأمر، يتعين أن يظهر المشرعون إلماما أفضل بالطريقة التي قادت إلى تدهور الأوضاع بذلك الشكل. حُق لرجال الأعمال جني مزيد من المال من وسط هذا الخراب؛ فهم عادة لا يملكون حسا مرهفا بما قد يعانيه الآخرون. لم يصمد الاقتصاد المحلي شهرا بالرغم من كل الدعاية التي أحيطت بها برامج الرفع من كفاءته منذ عشر سنوات. بالكاد، ربما، يحق لنا الفخر بصناعة النسيج وقد حولتها الأقدار لصنع أهم عنصر في مواجهة الجائحة؛ الكمامة. لكن يجب عدم نسيان العنصر الأكثر أهمية؛ دور الدولة. لقد جعل مسؤولون حكوميون من موارد الدولة «صندوق مقاصة مستجدا»للشركات ذات الأفضلية، ولقد وزعت أموال دافعي الضرائب بسخاء لدعم بعض الصناعات، كالكمامة نفسها، دون أن يُطلب أي حساب نهائي.

قلت الحساب! على ما يبدو، فإن هذه الكلمة تثير اشمئزاز الكثير من المسؤولين غير المستعدين لمواجهة أي لجنة مساءلة، فهم يعتقدون أنهم قد خرجوا منتصرين من حرب مروعة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي