في تطور جديد ومثير لفضيحة الاتجار في تحليلات الـ »بي – سي – إير » لتشخيص فيروس كورونا، التي هزت، نهاية شهر نونبر الماضي، وزارة الصحة ومصالحها بجهة فاس- مكناس؛ كشف أحد الطبيبين المعتقلين، خلال جلسة محاكمتهما التي جرت أطوراها الأربعاء، بالغرفة الجنحية التلبسية لدى المحكمة الابتدائية لنفس المدينة، بأن عنصرا من مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بفاس، هو من كان وراء سقوطه وزميله في هذه القضية، حيث يبدو، بحسب تصريحات الطبيب للمحكمة، بأن عنصر « الديستي » كان بمثابة الطعم الذي استعملته مصالح المديرية العامة للأمن الوطني لفك لغز شبكة الاتجار في تحليلات « كوفيد-19″، مستغلة تزايد الطلب عليها موازاة مع ارتفاع حالات الإصابة.
وقال الطبيب الداخلي « أ-ح »، البالغ من العمر 25 سنة، وهو يجيب عن أسئلة القاضي خلال مثوله أمام جلسة محاكمته من داخل السجن المحلي « لبوركايز » ضواحي فاس، إن مصالح المديرية الجهوية للصحة بفاس سبق لها أن اعتمدت مبدأ تعميم إجراء التحليلات المخبرية الفيروسية على حاملي أعراض الإصابة بكورونا وكذا الحالات المشتبه فيها، قبل أن تمر ابتداء من 20 نونبر الماضي إلى مرحلة تقنين هذه التحليلات وحصرها لفائدة المصابين وحاملي الأعراض، بسبب الضغط المتزايد على المختبر المركزي الوحيد بعمالة فاس الموجود بالمركز الاستشفائي الجامعي، وخلال هذه الفترة اتصل به أبوه والتمس منه تمكين صديق للعائلة يشتغل بمصالح « الديستي » بفاس من إجراء تحليل كورونا عن طريق الـ PCR بعدما شك رجل الأمن في إصابته معية ثلاثة من أفراد عائلة بالفيروس، وأمام إلحاح الأب قبل الطبيب الابن، كما جاء في كلامه خلال استنطاقه من قبل القاضي بجلسة أول أمس الأربعاء، بأخذ عينات من المسالك التنفسية لعنصر « الديستي » وأفراد عائلته وإخضاعها للكشف المخبري مقابل المصاريف التي تتطلبها إجراءات تسجيل أسمائهم بقاعدة بيانات نزلاء جناح مرضى « كوفيد-19 » بالمستشفى الجامعي، بسبب منع إدارة المستشفى ومصلحة مختبره المركزي إجراء تحليلات الـPCR لغير المرضى حاملي أعراض الفيروس التاجي، بسبب النقص الحاصل مغربيا ودوليا في الكواشف المخبرية التي تستعمل في تشخيص الفيروس.
ما أقدم عليه الطبيب من احتيال على البروتوكول المعتمد من قبل المركز الاستشفائي الجامعي مقابل حصوله على مبلغ مالي لإجراء تحليلات الـPCR لفائدة عنصر « الديستي » وأفراد عائلته، كان بمثابة الطعم الذي بلعه الطبيب الشاب، حيث شرعت مصالح الأمن منذ ذلك الحين في تتبع خطواته إلى أن جرى توقيفه، بحسب ما كشف عنه بلاغ سابق للمديرية العامة للأمن الوطني، في 29 من شهر نونبر الماضي بأحد أحياء مدينة فاس، وهو متلبس بتلقي مبلغ مالي من سيدة بعدما أخذ من مسالكها التنفسية من الأنف والبلعوم عينة بيولوجية بواسطة طقم اختبار للكشف عن فيروس كورونا، حيث حجزت عناصر الشرطة لديه كمية من هذه الأطقم والأنابيب المخبرية بالصندوق الخلفي لسيارة الطبيب الداخلي تحمل علامة الصيدلية المركزية للمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس، فيما جرى اعتقال زميله خلال نفس اليوم بقاعة المداومة في قسم المستعجلات.
من جهته، أفاد للمحكمة الطبيب الداخلي الثاني المعتقل، « ع- ر » البالغ من العمر 21 سنة، الذي يوجد في سنته الأولى بشعبة الطب، بأنه هو من كان يتكلف بجمع عينات الأشخاص الراغبين في إجراء تحليلات الـPCR مقابل أدائهم لمصاريفها المادية، حيث كان أغلب هؤلاء من معارف الطبيبين المعتقلين وأصدقاء عائلتيهما، فيما كان زميله « أ-ح » يقوم بإجراءات تسجيل أسماء المستفيدين بقاعدة البيانات الخاصة بنزلاء جناح « كوفيد-19″، وتسليمهم قنا سريا لاعتماده ضمن قاعدة بيانات بنك معلومات المختبر المركزي بالمركز الاستشفائي الجامعي لفاس، التي تعتمد عليه الإدارة ومصالح وزارة الصحة لحصر الحصيلة اليومية لحالات الإصابة وعدد التحليلات المنجزة السلبية منها والإيجابية.
وواجه الطبيبان الشابان، اللذان أصيبا بنوبات من البكاء والنواح خلال استنطاقهما من قبل المحكمة، صعابا في تقديم أي تفسير أو إجابات عن وثائق رسمية على بياض لا تحمل بيانات المرضى ومعلوماتهم الشخصية، تم حجزها من قبل عناصر الشرطة بسيارة أحد الطبيبين المعتقلين، وأخرى وجدت بمنزل الثاني، وتخص شواهد الاستشفاء والوصفات الطبية تحمل خاتم المركز الاستشفائي الجامعي، وأخرى استعمل فيها خاتم إطار إداري جرى توقيفه عن العمل منذ أزيد من سنتين وهاجر إلى أمريكا، كما واجهت المحكمة الظنينين بشواهد طبية تحمل توقيع زملاء لهما بالمركز الاستشفائي الجامعي، وكذا فواتير خاصة بجناح مرضى « كوفيد-19 » بنفس المستشفى، التي قدمتها محاضر المحققين على أنها وثائق استعملها الطبيبان للاحتيال على ضحاياهما من طالبي الحصول على تحليلات الـPCR، وإيهامهم بأن المبالغ المالية التي يتسلمانها منهم تذهب إلى صندوق المختبر والقسم المالي بالمستشفى الجامعي لفاس.
وبعد انتهاء المحكمة من استنطاق الطبيبين ومواجهتهما بتصريحاتهما التي دونت بمحاضر الشرطة القضائية بولاية أمن فاس، التي تكلفت بإجراء البحث التمهيدي معهما، حيث تراجع المتهمان عن بعض اعترافاتهما، التي سبق لهما أن وقعا عليها بمحاضر الشرطة مبررين ذلك بجهلهما للقانون ولحقوقهما؛ قرر القاضي تأجيل قضيتهما إلى جلسة الأربعاء المقبل خصصها لمرافعات النيابة العامة ودفاع المتهمين وكذا محامي المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بفاس، الذي دخل طرفا مدنيا في مواجهة الطبيبين المتابعين بلائحة تُهم ثقيلة تخص: « الغدر وإدخال معطيات في نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال »، و »استعمال شهادة طبيبة صحيحة الأصل بجعلها سارية على غير الشخص الذي صدرت له في الأصل »، و »تسليم وثيقة تصدرها الإدارة العامة لغير صاحب الحق فيها عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة »، و »استعمال صفة الطبيبين كموظفين عموميين والحصول بغير حق على خاتم حقيقي واستعماله عن طريق الغش ».
من جهتها، أفادت مصادر « أخبار اليوم » المطلعة أنه موازاة مع تقديم الطبيبين المعتقلين للمحاكمة، تواصل المصالح الأمنية أبحاثها في ملف الاتجار في تحليلات الـPCR، بعدما استمعت إلى طبيبة مقيمة بالمستشفى الجامعي، وجد خاتمها ضمن شواهد استشفائية خاصة بمرضى كورونا، حجزته عناصر الشرطة لدى زميليها المعتقلين، فيما شملت أبحاث المحققين المتواصلة أربعة أطباء داخليين؛ من بينهم طبيبان من أصول إفريقية جنوب الصحراء، حيث يُعول المحققون على ظهور معطيات جديدة قد تميط اللثام عن ألغاز حلقات مازالت غامضة في هذه القضية، التي يحتمل أن يكون وراءها متورطون آخرون لم تصل إليهم يد الشرطة، خصوصا أنه، وبحسب ما كشف عنه للجريدة متتبعون لهذه الملف، لا يمكن لطبيبين داخليين، الأول يتابع تكوينه بالسنة الأولى وزميله بالسنة الثانية، أن يتمكنا بمفردهما من اختراق نظام المعالجة الآلية لمعطيات مرضى « كوفيد-19″، وولوج بنك معلومات مصلحة المختبر المركزي بالمستشفى الجامعي، فضلا عن حصولهما على شواهد استشفاء ووصفات أدوية خاصة بالبروتوكول الصحي لمحاربة كورونا تحمل خواتم زملائهم، وتسليمها للضحايا الذين أدوا مبالغ مالية تتراوح ما بين 500 و1000 درهم مقابل حصولهم على تحليل الـPCR، من بينهم امرأة فاسية كانت في حاجة إلى هذه التحليلات لتقديمها ضمن وثائق سفرها إلى الكويت، تورد مصادر الجريدة المطلعة.6