الشرقاوي: نجحت أمريكا في مغازلة الرباط بعملة صعبة وعالية القيمة- حوار

15 ديسمبر 2020 - 10:00

هل فاجأك قرار ترامب بالاعتراف بمغربية الصحراء وفتح قنصلية في الداخلة، وفي أي سياق يأتي هذا التطور؟

كنت أترقب هل يتخلى الرئيس ترامب عن مساعدة نتنياهو وحزب الليكود بعد خسارته في انتخابات الرئاسة الشهر الماضي، ولم تشفع له ثلاث اتفاقات من سلسلة “اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان وبقية قضايا السياسة الخارجية في البقاء أربع سنوات أخرى في البيت الأبيض. ولم أكن أتخيل أن نتنياهو كان يتحدث على أرضية صلبة بداية العام الجاري عندما عرض على المغاربة مشروع التطبيع مقابل أن يقنع البيت الأبيض بتغيير موقفه من سيادة المغرب على الصحراء. المفاجأة المثيرة هي أن هذه المقايضة التي تشكلت في مكتب نتنياهو في تل أبيب تصبح البوصلة التي تقود العلاقات الأمريكية المغربية.

من مفارقات التاريخ أن تتولى دولة لم تقم إلا عام 1948 توجيه علاقات المغرب مع أمريكا التي اعترف باستقلالها عن التاج البريطاني عام 1777. وكلما تأملنا هذه المفارقة، تتعزز مقولة بعض منتقدي الرئيس ترامب بأنه يخدم المصالح الإسرائيلية أكثر من حرصه على المصالح القومية الأمريكية. ويمكن استحضار تحولات مماثلة سواء عند إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل، واعترافه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وحتى التحلل من الاتفاق النووي مع إيران استجابة لإرادة حزب الليكود بفرض العزلة على طهران.

هل تقصد أنه جرى إغراء الرباط بالاعتراف بمغربية الصحراء مقابل التطبيع؟

يبدو أن ترامب، ومن خلفه كوشنير وبومبيو، نجحوا في مغازلة الرباط بعملة صعبة وعالية القيمة بوعده بالاعتراف بمغربية الصحراء على الوجه الأول، ونقشوا على الوجه الخلفي مطلب التطبيع بشكل متدرج بداية بإعادة فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط والمغربي في تل أبيب، وبدء حركة الطيران المباشرة بين المغرب وإسرائيل على أمل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة. فهل سيتمسك المغرب بهذين الأمرين كأعلى سقف ممكن في الانفتاح على إسرائيل، أم أنه جدار من رمل قد ينهار جراء الأمطار التي قد تهطل في الأيام الأربعين المتبقية من رئاسة ترامب. لا شك أن ترامب وكوشنير ونتنياهو لن يتوقفوا عند هذا الحد، وسيواصلون المطالبة بالمزيد من الرباط.

  ما دلالة هذا القرار من الناحية السياسية والقانونية في وقت يستعد ترامب لمغادرة البيت الأبيض؟

ينبغي أن نتمسك بتحليل موضوعي ليس قراءة الإسقاطات من بعيد. هذا إعلان رئاسي أو presidential proclamation ، وليس presidential decree  مرسوما رئاسيا. ولا يتمتع الإعلان الرئاسي بقوة القانون الأمريكي ما لم يصدّق عليه أعضاء مجلس الشيوخ في مقر الكونغرس. يمكن لأي قاضي فيدرالي إلغاءه بحكم قضائي، كما حدث عام 2017 عندما قرر ثلاثة قضاة فيدراليين إلغاء الإعلان الرئاسي لترامب نفسه بمنع سفر مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة من السفر إلى الولايات المتحدة. وأيضا يمكن لحكومة الرئيس الجديد جو بايدن أن تختار أن تكون في حِلّ منه لأنه يبقى مرتبطا بالرئيس ترامب.

هل كان يمكن للرئيس ترامب أن يختار صيغة أخرى أكثر قوة؟

كنت أتمنى لو قرر الرئيس ترامب في تغريدته التي ذكّر بها بأن المغرب اعترف باستقلال أمريكا قبل 243 عاما أن يعلن عزمه تقديم مشروع قانون أو مشروع معاهدة إلى الكونغرس لإقرارها، فتصبح لها قوة الدفع القانونية إلى الأمام، بغض النظر عن تغير الحكومات في واشنطن كل أربع سنوات.

هل يمكن اعتبار هذا القرار نجاحا دبلوماسيا للمغرب؟

هناك فرق شاسع بين القراءة الموضوعية والإسقاطات السخية التي تتولد من شدة الشوق لأي إيماءة من إحدى الدول العظمى يمكن اعتبارها نجاحات دبلوماسية أو مكاسب استراتيجية. ولا يتساوى الأمران معا عندما يصبح السيد ناصر بوريطة، أو غيره من مستشاري القصر أو غيره من المسؤولين الطموحين لأي تقدم دبلوماسي في قضية الصحراء، بمثابة محامين متحمسين للدفاع عن مقايضة إعلان ترامب ووعد القنصلية أكثر مما يخطط له البيت الأبيض حقيقة في الأيام الأربعين المتبقية لجمع حقائبه نحو فلوريدا وطي الصفحة على رئاسته.

ينبغي تقديم الصورة بشكل دقيق دون مزايدة أمام الملك محمد السادس وأمام الرأي العام المغربي، وأمام من يحملون الإرث النفسي والوطني لمشاركتهم في المسيرة الخضراء في مثل هذا الخريف قبل خمسة وأربعين عاما. وحتى إذا قبل المرء بحاجة الرباط إلى تغليب كفة موقف ترامب من الصحراء على كفة العلاقات الجديدة مع نتنياهو وحزب الليكود بمنطق إدارة الصفقة إعلاميا بين ما يُوضع على الواجهة وما يتم دفعه إلى الخلف، فينبغي أن تكون الرباط واقعية مع طبيعة المرحلة ومقايضات المصالح وبقية اعتبارات الواقعية السياسية. ينبغي أن يكون أي مدافع عن موقف ترامب ووعوده في هذه المرحلة ملتزما بالشفافية والمسؤولية الوطنية، وكشف الملفات بما لها وما عليها، أمام الملك وأمام الشعب المغربي في الداخل وأمام الشتات في الخارج.

هل تبدو صفقة التطبيع مع إسرائيل مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء رابحة بالنسبة إلى المغرب؟ وهل يمكن أن يحافظ الرئيس الجديد بايدن على موقف الاعتراف بمغربية الصحراء؟

تحديد حظوظ الربح أو الخسارة رهين بما سيحدث خلال الأسابيع الخمسة المتبقية من رئاسة ترامب. وما نعاينه أمام أعيننا هو صفقة مركبة ومتداخلة بين السياقات الأمريكية والمغربية والإسرائيلية، وأيضا قبول الرئيس ترامب البحث في صفقة أربع طائرات بلا طيار يأمل المغرب اقتناءها قريبا. وقد تقرأ الرباط المثير في أهمية الكتلة الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، وهناك من الدبلوماسيين المغاربة مع يعتقدون أن مصالح المغرب تكون أفضل مع الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين.

ليس من قبيل الحتمية السياسية أن يتبنى فريق بايدن الإعلان الرئاسي الذي لوّح به ترامب هذا الأسبوع. وقد يكون هذا السيناريو حافزا مهما لتريث الرباط حتى توازن كفتي الميزان بين مكاسبها مقابل تنازلاتها. والتحدي الآخر هو مدى قدرة فريق ترامب على إحداث تغيير في موقف مجلس الأمن. وقد عارضت روسيا سلبا، وعبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه مما يحاول ترامب إدخاله على صراع الصحراء، فضلا عن أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد أن رؤيته لم تتغير للنزاع.

إذا عدنا إلى المناخ السياسي في واشنطن، قد يمارس بعض قادة الحزب الديمقراطي الضغط على فريق الرئيس بايدن للعدول عن خطوة سلفه ترامب. ومما يعزز هذه الفرضية أن الجناح التقدمي من أنصار السيناتور بيرني ساندرز والسيناتور إليزابيث وارن، أعني الجناح اليساري في الحزب، يريد أن يتمسك بقيم حقوق الإنسان ومنها حق تقرير المصير. وهذا قد يعيد الموقف الأمريكي إلى ما كان عليه عام 2012 عندما دعت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس إلى إدراج حقوق الإنسان ضمن صلاحية بعثة المينورسو. السياسة في أمريكا جولات جمهورية وديمقراطية متوالية، وفق الثنائية الحزبية. دعني أضيف أن الرئيس المنتخب جوزيف بايدن يخطط للعودة إلى سياسة خارجية تقليدية تجمع بين الواقعية السياسية وأولوية المصالح الاستراتيجية، لكن أيضا بسياسة القيم حتى تستعيد الولايات المتحدة مصداقيتها في أعين العالم.

كيف استقبلت الطبقة السياسية في واشنطن موقف ترامب؟ وما هي أبرز ردود الفعل خاصة من جانب الديمقراطيين؟

حاول البيت الأبيض تسويق ما يعرضه على المغرب على أنه تطبيع شامل بين المغرب وإسرائيل، على غرار التطبيع الإماراتي الإسرائيلي. هناك تركيز على أهمية التطبيع أكثر من الحديث عن تعهد ترامب بتغيير موقف الولايات المتحدة من قضية الصحراء.  ولوحظ أنه بعد ثماني وأربعين ساعة من تغريدة الرئيس ترامب حول المغرب وإسرائيل، لم يصدر أي تعليق من فريق الرئيس بايدن.

هل يمكن أن ينعكس موقف ترامب على قضية الصحراء في مجلس الأمن؟

هذا هو السؤال العالق في نصف الطريق بين واشنطن ونيويورك، وكلما حدث هو أن البيت الأبيض أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بالتطورات الجديدة. لقد عملت في الأمم المتحدة، وكلما أتأمل في ميزان القوى الراهن بين الأعضاء دائمي العضوية، فضلا عن غير دائمي العضوية، لا أجد مؤشرات يمكن أن تعزز آمال المغاربة بأن الرئيس ترامب سيستطيع تحقيق اختراق جديد في قضية الصحراء.

محمد الشرقاوي/ أستاذ الصراعات الدولية وعضو لجنة خبراء الأمم المتحدة سابقا

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي