إسرائيل وملوك المغرب.. العلاقة الحذرة

27 ديسمبر 2020 - 20:00

في لحظة الاستقبال الملكي التي حبست الأنفاس واستأثرت بالأنظار، كان إرث زاخر من العلاقات بين مكون ثقافي وحضاري عريق للمغرب، هو المكوّن اليهودي، وبين الملك بكل ما يكثّفه من دلالات ورموز، يقفز إلى الواجهة. فالمسار السياسي والدبلوماسي الدولي والإقليمي الذي أنتج مغرب اليوم، والذي يمكن جعل مؤتمر الجزيرة الخضراء للعام 1906 كبداية له، شهد حضور العنصر الأمريكي لحل خلافات المستعمرين الأوربيين، ولحماية “الأقلية” اليهودية المغربية.

فإذا كان عهد الملك الأول للمغرب المستقل، محمد الخامس، قد انطبع أساسا بمقاومته المشهودة لمحاولات حكومة “فيشي” الفرنسية الموالية لألمانيا النازية، اقتياد يهود المغرب نحو المحرقة السياسية؛ فإنه في عهده أيضا تأسست دولة إسرائيل فوق الأرض الفلسطينية، وتدفّقت جموع من اليهود المغاربة نحو “أرض الميعاد”، في واحدة من أكبر موجات الهجرة الجماعية من داخل المغرب نحو وجهة محددة. حماية محمد الخامس لليهود المغاربة من البطش النازي، تسجّله دولة إسرائيل بما يشير إلى العرفان، بإطلاق اسم محمد الخامس على أحد شوارع الدولة العبرية.

ورغم انقلاب الآية بعد سقوط فرنسا تحت الاحتلال النازي، وتحوّل محمد الخامس إلى مظلة احتمى بها اليهود المغاربة من القوانين التي تؤدي إلى إقصائهم؛ فإن محمد كنبيب يسجل أيضا كيف فتح الإنزال الأمريكي باب المغرب على مصراعيه أمام المنظمات اليهودية الأمريكية، وأذكى اهتمامها بيهود المغرب وبوزنهم الديموغرافي في أفق بناء دولة يهودية في فلسطين.

أما عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، فلا يحتاج إلى عناء كبير للوقوف عند العلاقات المتشعبة والقوية التي كانت تربطه باليهود المغاربة، وبالمسؤولين الإسرائيليين، وإن كان سرّ تلك العلاقة التي ربطت بعض قادة إسرائيل بالحسن الثاني، ظل يتكشّف بتقتير كبير وعلى مراحل متباعدة. أبرز هؤلاء المسؤولين الإسرائيليين الذين ارتبطوا بعلاقات خاصة مع الملك الراحل الحسن الثاني، هناك إسحاق رابين وشمعون بيريز، وإن كان اسم هذا الأخير يبرز في ارتباط بحدثين متناقضين؛ أولهما استقباله من طرف الملك الراحل الحسن الثاني منتصف عقد الثمانينيات، ثم تلقيه رسالة رسميا من الملك محمد السادس عام 2010، مفادها أنه شخص غير مرحّب به في المملكة، بعد اعتزامه زيارتها في إطار مؤتمر دولي.

جانب من علاقات الملك الراحل الحسن الثاني المباشرة وغير المباشرة بالإسرائيليين، يتعلّق بشكل مباشر بملف الصحراء، حيث كان كسب الدعم الأمريكي حاسما قبل الإقدام على تنظيم المسيرة الخضراء لاسترجاع الصحراء، وهذا الدعم كان مرتبطا بدوره بلعب دور معيّن في القضية الفلسطينية. كلمة السرّ بالنسبة للجانب الأمريكي في الدعم الذي انتهى بهم الأمر بمنحه للمغرب منذ 1975، هي قدرة الحسن الثاني على لعب دور إيجابي في صراع الشرق الأوسط، من خلال قدرته على التواصل مع الطرفين.

اليوم يكسب المغرب بعد استئنافه علاقاته الرسمية مع إسرائيل دعما أمريكيا أكبر، “فالقضية الوطنية لن تطرح في الظروف نفسها التي ظلت تطرح فيها طيلة العقود السابقة. أكبر قوة عالمية حسمت أمرها، وأقرت بمغربية الصحراء”، يقول مصطفى السحيمي الذي خبر دهاليز السياسة وتعقيداتها في المغرب، مضيفا أن المغرب باعترافه بإسرائيل، لم يقدم أي تنازل يهم القضية الفلسطينية، “وقد أكدها العاهل المغربي للرئيس الفلسطيني محمود عباس في اليوم نفسه الذي شهد نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة الاعتراف بمغربية الصحراء، أي يوم 10 دجنبر الحالي. المغرب محتفظ بدعمه خيار الدولتين وحماية وضعية مدينة القدس”.

من جانبه، الخبير في الشؤون الاستراتيجية، الموساوي العجلاوي، يعتبر أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الملك محمد السادس والرئيس الفلسطيني محمود عباس في نفس الزمن الذي تم الاتصال فيه مع الرئيس الأمريكي، وضع العلاقات المغربية الإسرائيلية في معادلات جديدة قد تكشف عن مشروع وساطة مغربية قادمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأوضح العجلاوي أن نجاحات الدبلوماسية المغربية في عهد الملك محمد السادس، على المستوى الإقليمي والإفريقي، قد تفتح أيضا الباب نحو مفاوضات فلسطينية إسرائيلية في أرض المغرب. وربط المتحدث نفسه ذلك بحدوث تحول في المشهد السياسي الإسرائيلي على مستويين؛ أولهما عودة أحزاب الوسط واليسار إلى منصة القرار؛ و ثانيهما الدور المحتمل للكتلة الناخبة الإسرائيلية من أصل مغربي، والتي اعتادت على التصويت لليمين وللأحزاب الدينية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي