يطرح رضوان سليم الإشكالية التي يتمحور حولها الكتاب، منذ البداية، في صيغة سؤال فلسفي: لماذا سقط الوعي في العدم؟ إذ يفترض أن الجواب عن هذا السؤال يقتضي سلك طريقين هما طريق الوجود، وطريق العدم. غير أنه سرعان ما يطرح سؤالا في ماهية العدم، مشيرا إلى أن الوعي يعرف «بأنه المعرفة التي لدى الإنسان عن أفكاره، ومشاعره وأفعاله». كما يميز بين شكلين من أشكال الوعي، أحدها تلقائي يجعل الإنسان عارفا بذاته وأفكاره وإحساسه، بينما الثاني هو الذي يجعل قادرا على التحليل والتأمل في هذه الصفات.
بعد قراءة عميقة في بعض الأساطير اليونانية المؤسسة للديمقراطية الغربية عموما، ينتقل الكاتب، في مقدمة الكتاب، إلى القول إن «الديمقراطية الأثينية لم تنشأ من الإرادة الشعبية، بل بواسطة مسلسل طويل من التشريعات والقوانين والإصلاحات»، وكأننا بالكاتب يدحض اعتبار الديمقراطية فطرة غربية متأصلة في التربة الفلسفية اليونانية، رغم أنه يورد رؤى الفلاسفة اليونانيين بشأن الديمقراطية. إذ يمكن القول، هنا، إن الكاتب يؤمن بالتأسيس الفلسفي لهذه الفكرة اليونانية، لكن تأويلاتها يمكن أن تتخذ أبعادا متنوعة بحسب التربة التي تنبت فيها. فهي بهذا المعنى «لم تنشأ… كمفهوم، فقد تحققت أولا، كواقع بالنسبة للمواطن الأثيني، لتتكون، بعد ذلك، كتمثلات للوعي تعبر عن أهواء وأوهام ومصالح…»
في الفصول الموالية من الكتاب، ينتقل الكاتب، تدريجيا، لمناقشة تمثل المفهوم في السياق المغربي، مركزا في البداية على ما يسميه بـ»أزمنة الوعي الديمقراطي». إذ يعتبر أن استقلال المغرب أوساط الخمسينيات شكل «إيذانا بانهيار المغرب القديم وميلاد المغرب الجديد»، مع ما رافق ذلك من انهيارات فرعية منها على سبيل المثال: نهاية الاستعمار، تهاوي النظام المخزني مجسدا في الباشوات والقواد، الخ. ويتناول في هذا الباب ثلاثة أزمنة: الزمن التاريخي بما يحمله من أحداث تروى من أجل تمثل الماضي، والزمن السياسي بما يتضمنه من تحولات وتطورات في نمط الحكم وتدبير المجتمع، وكذا العوامل المؤسسة له عموما، وأخيرا الزمن الديني بما يفرضه من توجهات روحية تتحكم أحيانا في الزمنين السابقين التاريخي والسياسي.
بعد هذا، يخوض الكاتب في أزمة الانتقال الديمقراطي، حيث يؤسس أسئلة هذه الأزمة على القول إن المغرب القديم استطاع أن يدحر المغرب الجديد، ليفترض أن الأزمة تنبني على إشكالية نظرية قوامها اتجاهان أحدهما يميل إلى الاختيار الثوري، وثانيهما إلى التوافق التاريخي. وفي سياق هذه الإشكالية النظرية الكبرى، يطرح الكاتب الجدال حول مدى انسجام الإسلام والديمقراطية، أو اختلافهما، ليقول إن «اندماج الإسلام في الديمقراطية لا يمثل قطيعة، بل هو لحظة في سيرورة تاريخية»، مشيرا إلى أن هذه اللحظة تقوم على «التناقض والصراع بين الدولة من جهة، والجماعات الهرطوقية من جهة ثانية».
وفي سياق الإشكالية ذاتها، يطرح الكاتب التحولات التي ينبغي أن يشهدها المغرب على ضوء الدستور الجديد، حيث يسعى الكاتب إلى القطع مع الدولة الدينية من خلال انتصارها للدول اللائكية، ومع الرعية من خلال تركيزه على مفهوم المواطنة، ومع دولة الشريعة من خلال دفاعه على دولة القانون، فضلا عن انتصاره إلى حقوق الإنسان في نهجها الإنساني الكوني. وهكذا، يخلص إلى أن «الوعي المغربي ديمومة زمنية يعكس ممارسة تاريخية، يتجلى في وحدة التاريخية والزمانية، يعي ذاته في سيرورة المسلسل الثوري والزمن المأساوي». كما يخلص إلى أن الوعي الديمقراطي المغرب «هو ثمرة الحرية كقيمة وجودية والمساواة كقيمة اجتماعي».