أعلن عسكريون في بوركينا فاسو عبر التلفزيون الرسمي مساء الإثنين أنهم أطاحوا بالرئيس روك مارك كابوري واستولوا على السلطة في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، مشيرين إلى أنهم قرروا حل الحكومة والبرلمان وإغلاق حدود البلاد وتعليق العمل بالدستور.
وظهرت على شاشة التلفزيون الرسمي مجموعة من العسكريين بالبزة المرقطة يتوسطهم ضابط برتبة كابتن تلا بيانا موقعا باسم الليفتنانت-كولونيل بول-هنري سانداوغو داميبا، رئيس “الحركة الوطنية للحماية والاستعادة” التي نفذت الانقلاب واستولت على السلطة.
وقال البيان إن الجيش أطاح بالرئيس روك مارك كابوري وحل الحكومة والبرلمان وعلق العمل بالدستور.
وأضاف أن المجلس العسكري الحاكم قرر كذلك إغلاق حدود البلاد اعتبارا من الساعة صفر (بالتوقيتين المحلي والعالمي) من فجر الثلاثاء، وفرض حظر تجول ليلي في سائر أنحاء البلاد.
ووعد البيان بأن “تعود البلاد إلى النظام الدستوري” في غضون “فترة زمنية معقولة” لم يحدد مدتها.
وأتى هذا الإعلان بعيد إعلان مصادر أمنية أن الرئيس كابوري محتجز منذ الأحد في ثكنة للجيش بعدما تمردت على سلطته وحدات عسكرية في أنحاء عدة من البلاد، بسبب عجزه عن مواجهة الهجمات الجهادية المتزايدة.
ولم يأت بيان المجموعة الانقلابية على ذكر مصير رئيس الجمهورية الذي تضاربت الأنباء بشأنه؛ إذ أفادت مصادر أمنية أنه اعتقل على أيدي الانقلابيين الأحد، بينما أكدت مصادر حكومية أنه أفلت منهم قبل وصولهم إليه.
وقال مصدران أمنيان إن “الرئيس كابوري ورئيس البرلمان والوزراء باتوا فعليا في أيدي الجنود” في ثكنة سانغولي لاميزانا في واغادوغو، لكن مصدرا حكوميا أكد أن رئيس البلاد فر من مقر إقامته الأحد “قبل وصول عناصر مسلحة أطلقت النار على سيارات موكبه”، مشيرا إلى أن “الوضع يلفه الغموض”.
والإثنين قال وزير الخارجية الأوربي جوزيب بوريل في بيان، “نحن نعلم الآن أن الرئيس كابوري يخضع لسيطرة الجيش”، واصفا الوضع بأنه “مقلق للغاية”.
وأضاف بوريل أنه “يدعو جميع الجهات الفاعلة إلى الهدوء وضبط النفس، كما يدعو إلى إطلاق سراح الرئيس كابوري وأعضاء مؤسسات الدولة على الفور”.
بدورها دعت الولايات المتحدة إلى “الإفراج فورا ” عن كابوري. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لوكالة فرانس برس، إن الولايات المتحدة تطالب بـ”الإفراج الفوري” عن كابوري وبـ”احترام الدستور” و”قادة البلاد المدنيين”، مشيرا إلى أن واشنطن تحض “جميع الأطراف في هذا الوضع المضطرب على الحفاظ على الهدوء وتوسل الحوار سبيلا لتلبية مطالبهم”.
وما أن أعلن الانقلابيون استيلاءهم على السلطة حتى أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بيانا قال فيه، إنه “يدين بشدة أي محاولة للاستيلاء على الحكم بقوة السلاح، ويدعو قادة الانقلاب إلى إلقاء أسلحتهم وضمان السلامة الجسدية لرئيس بوركينا فاسو وحماية مؤسساتها”.
وأعرب غوتيريش “عن قلقه بشكل خاص على مصير الرئيس وسلامته (…) في أعقاب الانقلاب الذي نفذته وحدات من القوات المسلحة في 23 يناير”.
وفي بيانه ندد الأمين العام للأمم المتحدة بـ”وباء الانقلابات” الذي يشهده العالم حاليا، مشيرا إلى أنه يتابع “بقلق عميق” تطورات الوضع في بوركينا فاسو.
من جهته ندد حزب كابوري بمحاولة “اغتيال فاشلة” لرئيس الدولة.
وقال حزب “الحركة الشعبية من أجل التقدم” في بيان إنه يندد أيضا بـ”نهب المنزل الخاص لرئيس الدولة” و”بمحاولة اغتيال وزير” لم يحدد اسمه.
وكان كابوري نشر على حسابه في موقع “تويتر” عصر الإثنين رسالة، تعذر في الحال التحقق مما إذا كان هو شخصيا قد كتبها أم لا، دعا فيها “أولئك الذين حملوا السلاح لإلقائه لما فيه مصلحة البلاد العليا”.
وأضافت الرسالة أن “تناقضاتنا تحل بواسطة الحوار والإنصات لبعضنا البعض”.
وكان عسكريون في العديد من ثكنات البلاد تمردوا الأحد، مطالبين بإقالة كبار قادة الجيش وبإعطائهم “الوسائل المناسبة” لمحاربة الجهاديين الذين يشنون منذ 2015 هجمات لا تنفك تزداد حدة.
والإثنين قالت دول غرب أفريقيا إنها تتابع “بقلق بالغ” تطورات الوضع في بوركينا فاسو غداة “المحاولة الانقلابية”.
بدوره أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد عن إدانته “للمحاولة الانقلابية” في بوركينا فاسو، مطالبا الجيش بضمان سلامة الرئيس وأعضاء حكومته.
والرئيس كابوري الذي يتولى السلطة منذ 2015 وأعيد انتخابه في 2020 على أساس وعوده بأن يعطي الأولوية لمكافحة الجهاديين، بات موضع احتجاج متزايد من السكان بسبب أعمال العنف الجهادية وعجزه عن مواجهتها.
وأتى هذا التطور في وقت تزداد فيه الهجمات الجهادية في منطقة بوركينا فاسو كما في النيجر ومالي المجاورتين.
ميدانيا، شاهد مراسل لوكالة فرانس برس صباح الإثنين على مقربة من منزل الرئيس في العاصمة ثلاث سيارات وقد اخترقها الرصاص، في حين بدت على إحداها آثار دماء.
وأفاد المراسل أن جنودا مقنعين وملثمين كانوا يتمركزون صباح الاثنين أمام مقر إذاعة وتلفزيون بوركينا التي بثت برامج ترفيه.
وسمع إطلاق نار في وقت متأخر الأحد قرب مقر إقامة الرئيس في العاصمة، فيما أفاد شهود عيان أنهم رأوا مروحية تحلق فوق المكان.
وتخرج تظاهرات غاضبة منذ أشهر في عدد من مدن بوركينا فاسو للتنديد بعجز السلطة عن التصدي لهجمات الجهاديين المتكررة، ويتم تفريقها أو حظرها عموما من قبل شرطة مكافحة الشغب.
وطوال يوم الأحد قدم متظاهرون دعمهم للمتمردين ونصبوا حواجز في عدة مناطق من العاصمة؛ قبل أن تفرقهم الشرطة كما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس.
وسمع إطلاق النار على مدى ساعات الأحد في عدة ثكنات في بوركينا فاسو، بينها ثكنة سانغولي لاميزانا، وبابا سي والقاعدة الجوية في واغادوغو.
وحصل تمرد عسكري أيضا في كايا وواهيغويا في شمال بوركينا فاسو، حيث تتركز غالبية هجمات الجهاديين بحسب سكان ومصادر محلية.
وتتكرر الهجمات التي تستهدف مدنيين وعسكريين بشكل متزايد، وتتركز غالبيتها في شمال وشرق البلاد.
وقتل حوالى 2000 شخصا، وفق حصيلة فرانس برس، فيما أجبر العنف الجهادي حوالى 1,5 مليون شخص على الفرار من منازلهم في السنوات الأخيرة، وفق وكالة الطوارئ الوطنية “كوناسور”.
وتعد بوركينا فاسو الواقعة في غرب إفريقيا وليس لديها منفذ مائي، بين أفقر دول العالم، ولم تتمتع بكثير من الاستقرار منذ استقلت عن فرنسا عام 1960.