قال إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إن التقرير الخاص بالنموذج الاقتصادي والاجتماعي، كشف « عمق الاختلالات التي واكبت السياسات العمومية خلال العقود الماضية. وهي السياسات التي أبرزت أن الموارد سخرت لاقتصاد مبني على الريع لأنها اهتمت بالنمو أكثر من التنمية، والنتيجة يؤكد لشكر، أن الثروات تمركزت لدى البعض في حين تدحرجت الفئات المتوسطة إلى الأسفل وانهارت آمال الفقراء في الخروج من مستنقع الهشاشة والحرمان ».
وأكد لشكر في كلمته الافتتاحية لأشغال المؤتمر الوطني الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي الذي ينعقد اليوم الجمعة، أن الفوارق تعمقت بالمغرب إلى « أن أصبح دخل 10 في المائة، من الأسر الميسورة أعلى بـ17 مرة من دخل الأسر الفقيرة ».
وكشف لشكر، أن المستفيد الأكبر من دينامية الاقتصاد الوطني والمجهود الاستثماري العمومي ومن تحرير الأسواق وتسخير الادخار الوطني، « شركات محدودة تركت لها الحكومات السابقة المجال للتحكم في شبكات التوزيع والسوق المالية والمصرفية والبناء والنقل والزراعة والطاقة وامتدت إلى الصحة والتعليم »
وأضاف لشكر أن دارس التاريخ الاقتصادي الوطني منذ الاستقلال، سيلاحظ « أن جل هذه الثروات الضخمة تكونت بفضل الرخص والدعم المالي الذي وفرته لها الحكومات السالفة في الستينيات عبر أراضي المعمرين والمغربة والخوصصة، وكذلك بفضل تحمل الدولة كل مخاطر الاستثمار في السياحة والسكن والإعفاءات الضريبية لعشرات السنين في كل القطاعات، وأيضا عبر دعم صندوق المقاصة للمواد الأساسية والتي كانت سبيلا لخلق طلب داخلي للاستهلاك ».
وأوضح الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، أن إصلاح سوق القيم (البورصة) فتح أمام هذه المجموعات الاستفادة من التمويلات الخارجية عبر المساهمات المتبادلة مشكلة بذلك شبكة من المصالح التي رغم الإمكانيات المتاحة لها تبقى خجولة من حيث الرغبة في خوض غمار الاستثمار المنتج والتراكم، وهو ما يظهر جليا في النسبة المتواضعة للنمو الصناعي مقابل نسبة نمو الخدمات، الشيء الذي فتح المجال للانطلاق في سياسة صناعية بديلة، وهي الانخراط في سلاسل الإنتاج العالمي وجلب الرأسمال الخارجي ».
بالنسبة للشكر، فإن » العادات المتوارثة عن عقلية الريع الاقتصادي تحد من إمكانية تحقيق نسبة من الاندماج الإنتاجي عبر الاستثمار الصناعي والتكنولوجي المرتبط بالصناعات الصاعدة ».
وشدد المسؤول الحزبي، وهو يستعرض الآثار السيئة لسياسة الريع في الاقتصاد، على أن » اقتصاد الريع اتسع بفعل سياسة التبادل التجاري الحر الذي فتح الباب على مصراعيه، فتكونت ثروات لا مصدر لها غير الوساطة التجارية فهمشت الوحدات الصناعية المحلية لفائدة المنتوجات المستوردة واستيقظ المغرب على إيقاع انقطاع سلسلة التزويد في ظل الجائحة وبدا وكأنه يكتشف شيئا اسمه الإنتاج البديل للاستيراد، وأن الانخراط في السوق الشمولية لا جدوى منه إذا لم يتوفر الإنتاج المحلي على تنافسية صلبة وطاقات إنتاجية متجددة ».
وقال لشكر، « إن اقتصاد الريع هو الذي كرس السعي وراء الربح السهل وترك كل المخاطرة الاقتصادية للدولة التي توظف العائدات الجبائية في تهييئ البنية التحتية وترهن الأجيال المقبلة من خلال المديونية الداخلية والخارجية، وتمكن الرأسمال الخاص من سياسات مصاحبة مشجعة جبائيا وتجاريا وماليا، وعلى الرغم من ذلك، يضيف لشكر، لم تسجل البلاد تقدما صناعيا ملحوظا على مر العقود وظل تهريب القيمة نحو أنشطة المضاربة والربح السهل هي السمة الأساسية لاقتصاد الريع هذا الذي عم الإنتاج الفلاحي والتجارة الداخلية ». وتساءل لشكر، هل « سيستمر المغرب على هذا النهج واعتماد النمو الاقتصادي للرأسمال الخارجي فقط؟ ».
وشدد لشكر على » أن مراجعة النموذج التنموي بالمغرب تفرض إعادة ترتيب العلاقة بين الاقتصاد المغربي والاقتصاد العالمي، على أساس انخراط الرأسمال المغربي في عملية استثمار داخلي يقوم على تقاسم المخاطر ».
وقال الكاتب الأول لحزب الوردة، إن « جائحة كورونا، أفرزت ظروفا جيو-اقتصادية جديدة أهم سماتها الصراع المحتدم والتسارع إلى احتلال مواقع متقدمة داخل القطبية الجديدة مع ما يصاحب ذلك من تشكيل تكتلات وتحالفات جديدة وبروز بوادر حرب باردة من نوع آخر. إذ كان بالأمس القريب الحديث عن نهاية زمن اليقينيات »، يضيف لشكر.
وأوضح المسؤول الحزبي، أن « الزمن الراهن بالنسبة إليه، ينذر باستصدار مرجعيات تجمع بين القيم الثابتة للإنسانية وحماية الحقوق المدنية والانتقال إلى الديمقراطية التشاركية، التي تتطلب توسيع مجال المساهمة الفعلية للشعب في سير المؤسسات، ومراقبة السياسة العمومية من خلال أنماط جديدة لممارسة حقوق المواطنة ».