ياسمينة خضرا يقلب صفحات تاريخ الاستعمار في جزائر العشرينيات

31 أغسطس 2013 - 12:23

 

استغل الروائي الجزائري المعروف ياسمينة خضرا الدخول الثقافي الفرنسي، ليطرح جديد أعماله الأدبية عن طريق دار النشر الفرنسية «جوليار». وهو عبارة عن رواية تحمل عنوان «الملائكة تموت بجراحنا». إذ ينضاف هذا العمل الروائي إلى سلسلة أعماله السابقة مثل: «القريبة كاف»، «الهجوم»، «ما يدين به النهار لليل» (كتابان تم تحويلهما إلى عمل سينمائي)، «سنونوات كابول»، وأخيرا «حوريات بغداد».

في هذا العمل الأدبي الجديد، الذي يبدو أكبر من رواياته السابقة من حيث الحجم على الأقل، يعود ياسمينة خضرا إلى جزائر الاستعمار خلال عشرينيات القرن الماضي، ليروي قصة شاب جزائري يُدعى «تورامبو»، وهو اسم قريته التي محاها الاستعمار من الوجود (وربما كانت هذه القرية تسمى «أرتير رامبو»). منذ الصفحة الأولى، يطالعنا السارد بسيرته المأساوية. فهو شاب محكوم بالإعدام، ينتظر تنفيذ العقوبة في حقه: «سيأتون إلي فجرا»، هكذا يقول. ثم يعود السارد إلى البدايات الأولى، ليقتفي الخيط الناظم في وجود هذا الشاب التعيس، إلى طفولته البئيسة في قريته، واصفا من خلال شبابه وضعيات اجتماعية مزرية وإيقاعات حياتية مفلسة.

تختلج الكلمات في صدر السارد/ البطل، وهو يحكي حياته البئيسة. لكن الكاتب يتحدث، من خلال لعبة السرد، عن الفقر المدقع في البلاد كلها، وعن العلاقات المعقدة بين ثلاثة مجتمعات (المسلمون، اليهود والمستعمرون)، وكذا المحبة المستحيلة بينها.

«تورامبو»، هذا الشاب، الذي لم يتعلم القراءة والكتابة، والذي يرافقه النحس حيثما حل، ينتهي إلى مزاولة الملاكمة كمهنة العمر. شيئا فشيئا، بدأ يراوده حلم أن يصبح بطلا في اللعبة في شمال أفريقيا. وتمكن بالفعل من أن يحيا حياة الترف والبذخ، وأن يعانق دفئ النساء، حتى ولو كان في حضن العاهرات. لكنه لم يكن يفلت من تهكم المتهكمين الذين ظلوا يذكرونه بأصله ونشأته.

لم تكن العائلة ملجأ يحتمي به عند الحاجة. فوالده رجل مجنون، ووالدته امرأة مغلوبة على أمرها، وعمه الوحيد مدمن على المخدرات، وباقي أفراد العائلة عاجزون. غير أن الكاتب يستغل هذه الوضعيات الاجتماعية الهشة، ليرسم بورتريهات لنساء ورجال وشخصيات منكسرة، ويرسم صورا مؤثرة ومخيفة في الآن ذاته. بهذه الطريقة، يعرف الكاتب بالمناظر والمشاهد والمدن، خاصة تلك المحيطة بوهران. فهو لا يتخيلها، بل يصفها كما هي، لكنه يعيد ابتكارها بألوانها وفضاءاتها البكر خلال عشرينيات القرن الماضي، ويجعلها تتنفس من ريشته.

لكن يبقى الأجمل في رواية خضرا، كما جاء في مقالة نشرتها جريدة «لوفيغارو» تعريفا بالعمل، هو الحوارات بين الشخصيات الرئيسية والثانوية في الرواية. فهي حوارات تدمج السخرية ليس باعتبارها أداة للتهكم على الواقع والهزل منه، بل للتعويض عن النكسات والتخفيف من خيبة الأمل. وبهذه الطريقة أيضا، يصف الكاتب فترة حبلى من تاريخ الجزائر، ويفك شفرتها بأسلوبه المعهود في رواياته السابقة.

ورغم أن كثيرين عبروا عن خشيتهم من أن ينقل خضرا تاريخ الجزائر نقلا حرفيا، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، كما قال الصحافي «غاي دوبلا»، الذي اعتبر «الملائكة تموت بجراحنا» عملا أدبيا أبدع في مرحلة العشرينيات والثلاثينيات روائيا. كما أشار إلى أن الكاتب استطاع أن يستكشف نفسية «تورامبو» دون السقوط في التبسيط والتسطيح أو الانجراف وراء أي نظرة مانوية.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي