هذا الكلام للملك محمد السادس متحدثا عن اعتزامه إرسال ابنه وولي عهده، الأمير الحسن، إلى المدرسة المولوية لبدء المسار الدراسي الذي وصل فيه إلى المستوى السادس الابتدائي بنجاح وتفوق.
لمسة محمد السادس
محمد السادس الآن بصدد مهمة سبق أن عاشها والده، وهي مهمة «إعداد وتكوين ملك» قادر على ممارسة الحكم، بغض النظر عن السلطات التي ستكون له مستقبلا. فالأمير الحالي، على خلاف جده مثلا، بمجرد أن وُلد أصبح وليا للعهد، ولم يحتج في ذلك إلى بيعة ولا إلى أي شيء آخر.
مهمة ملك كما رسم مسارها العام، لأول مرة، محمد الخامس، تبدأ باختيار مربيات، وغالبا ما يكن فرنسيات وإسبانيات، يساعدن أم ولي العهد في تربيته والاعتناء به. لكن، وفي تلك السنوات الأربع الأولى من حياته، يكون ولي العهد قد اكتسب لغة ثانية هي الفرنسية، وبعض مبادئ الإسبانية، بفضل احتكاكه بمربياته.
أما المسار الدراسي فيبدأ بولوج الكتاب القرآني. في هذا الصدد استقدم محمد السادس لابنه وشقيقته فقيها مُحفظا للقرآن الكريم مشهودا له بالكفاءة، هو الفقيه محمد الكنتاوي، الذي لايزال يقوم بمهمته إلى اليوم داخل الكتاب القرآني. الكنتاوي قال، لـ«أخبار اليوم»، إنه يبدأ اليوم بتحفيظ القرآن لولي العهد وزملائه منذ الصباح الباكر، على الطريقة نفسها التي تلقى بها والده حفظ القرآن الكريم. لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التوضيحات بخصوص طبيعة مهمته.
هنا يكمن فرق لافت، فسواء مع الحسن الثاني أو محمد السادس، كان التقليد المعمول به أن يتم انتقاء تلاميذ للدراسة مع ولي العهد ابتداء من الصف الابتدائي. لكن يبدو أن محمد السادس أراد أن يضيف لمسة خاصة به تجاه ابنه، حين استقدم أطفالا بدأ مسارهم الدراسي، أول ما بدأ، داخل القصر الملكي رفقة ملك المستقبل.
ليست هذه اللمسة الوحيدة، فولي العهد الحالي يتلقى برنامجا دراسيا أوسع وأقوى من ذي قبل في المدرسة المولوية، التي مازالت تخضع للنظام الداخلي، وبالصرامة نفسها التي كانت من قبل وتحدث عنها والده. فخلال حفل اختتام السنة الدراسة هذا العام، أظهر ولي العهد أمام أبيه وأمه وبعض المسؤولين في الدولة، كفاءات لافتة في اللغات، إذ يبدو أنه يدرس ثلاث لغات على الأقل هي الفرنسية والإنجليزية والإسبانية إضافة إلى العربية، لغته الأم. ويتلقى دروسا في مبادئ الفقه والتربية الإسلامية، إضافة إلى دروس في التربية الفنية والموسيقية، وتداريب في بعض المهن التي تعتمد على المهارات اليدوية.
يشرف على المدرسة مدير تم انتقاؤه أيضا بعناية، هو عزيز الحسين، الذي ينحدر من سوس لكنه عاش أغلب حياته في وجدة، كان سفيرا سابقا، ووزيرا للوظيفة العمومية في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، عن التجمع الوطني للأحرار. حاصل على الدكتوراه في الآداب من فرنسا، تقلد مهام تعليمية ودراسية في وزارة التربية الوطنية، ومنها أنه كان مديرا لثانوية «دار السلام» التي درس بها بعض أبناء العائلة الملكية، مثل نوفل عصمان، ابن أحمد عصمان والأميرة للا نزهة، شقيقة الحسن الثاني.
ويبدو أن مهمة عزيز الحسين الأساسية هي الإشراف على تنفيذ تصورات الملك بخصوص إعداد ولي عهده، لذا يدرس حاليا في المدرسة المولوية فوجان فقط، فوج ولي العهد الذي يتكون منه إضافة إلى أربعة تلاميذ آخرين، وفوج شقيقته للا خديجة التي تدرس إلى جانب أربع تلميذات كذلك.
في حفل اختتام السنة الدراسية الأخيرة، كشف عزيز الحسين عن بعض طرق ومناهج التدريس التي يدرس بها ولي العهد، فالبرامج مكثفة ومتنوعة تجمع بين اكتساب المعارف واللغات، وتربية السلوك والقيم، إضافة إلى اكتساب المهارات مثل النجارة وغيرها. وفي كل برنامج هناك تقويم دوري مستمر. لكن ابتداء من نهاية السنة الخامسة، أجرى ولي العهد امتحانا علنيا «كان القصد منه التحقق من مستويات التلاميذ الذين تعودوا طيلة السنوات الماضية على اختبارات عادية». وأضاف الحسين أن تقويم السنة الخامسة تم احتسابه بنسبة خمسين في المائة، بينما كل التقويمات التي تمت خلال السنة احتسبت بنسبة الخمسين في المائة الباقية.
وعن تصوره لما سيتلقاه ولي العهد في السنة السادسة الابتدائي، قال الحسين إن المرحلة التي انقضت كانت تمهيدا مدعما بالأسس الضرورية لما سيأتي من مراحل، لكنه استدرك قائلا: «هناك مواد جديدة، وستتطور منهجية العمل وستتعمق المفاهيم وتُستدعى المبادرة وتشجيع الأفكار الشخصية، وشحذ الوعي بالمسؤولية في العمل، وتنمية الشعور بضرورة احترام الآخر والمحيط والبيئة».