تشهد ألمانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، مضايقات لأفراد من الجالية الروسية بمختلف مجالات الحياة اليومية. ويحذر خبراء من “تحميل جميع الروس مسؤولية أفعال موسكو”، مشيرين إلى أن المجتمع الروسي أيضاً ضحية للصراع.
ينسق رومان فريدريش جمع المساعدات للاجئين الأوكرانيين، الذين يصلون إلى مدينة كولونيا الألمانية، لكن في الوقت نفسه، يستمع إلى الذين يتم إلقاء اللوم عليهم في حرب بوتين: الجالية الروسية في ألمانيا.
ويقول فريدريش لــ ” دوتشيه فيلة” : “أكثر ما صدمني هو أن معلمة في مدرسة ابتدائية، طلبت من طفلة روسية أن تقف أمام الصف بأكمله، وتتخذ موقفا، وتنأى بنفسها عن سياسات بوتين!”.
فريدريش ولد في روسيا، لكن جدته أوكرانية. تلقى مكالمات عديدة في الأيام الأخيرة حول مضايقات مماثلة، تعرض لها أفراد من الجالية الروسية في ألمانيا، كتعرض فتى روسي بمدرسة ثانوية في كولونيا للضرب على يد زملائه في الصف، وتعرض امرأة بولندية للمضايقة في متجر للحواسيب للاعتقاد بأنها روسية، بالإضافة إلى مضايقات يومية أخرى في أماكن العمل ووسائل النقل العامة وباحات المدارس.
يقول فريدريتش: “هذا ليس توجهاًواسع الانتشار بعد”. لكن عدد الحالات آخذ في الازدياد. وتلتقط وسائل البروباغندا الروسية مثل هذه التقارير، وتوظفها لأغراضها الخاصة، كما تبتكر قصصاًإضافية.
ويقدر عدد الناطقين بالروسية في ألمانيا بستة ملايين شخص. غالبيتهم العظمى مواطنون ألمان من أصل ألماني، أتوا من دول الاتحاد السوفياتي سابقا، وخاصة من روسيا وأوكرانيا وكازاخستان. وهم أحفاد مستوطنين كانوا ينحدرون من أوروبا الوسطى الناطقة بالألمانية، لكنهم انتقلوا إلى مناطق مختلفة في الإمبراطورية الروسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
ورغم أن إعادة توطينهم في ألمانيا الغربية، بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن مليونين منهم جاؤوا إلى ألمانيا في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ويميل “الألمان الروس” إلى التمسك بالقيم الأسرية المحافظة. كما أنهم يتمتعون بمستوى عال من التعليم ونادراً ما يكونون عاطلين عن العمل.
قبل الحرب في أوكرانيا، كان الروس في ألمانيا يوصفون بأنهم متعاطفون مع حزب البديل الشعبوي، والآن ينظر إليهم على أنهم متعاطفون مع بوتين، ويضيف فريدريتش “النتيجة هي أنهم يشعرون بأنهم ضحية ويزيدون من عزل أنفسهم”.
وفي أعقاب هجوم على متجر روسي-بولندي في مدينة أوبرهاوزن الألمانية، حيث حطمت النوافذ ولُطخت الجدران بكتابات ضد الروس، لا يزال العديد من أصحاب المتاجر مترددين بشأن إزالة المنتجات الروسية من على الرفوف.
وأعلنت سلسلة محلات “ميكس”، التي تضم 330 متجراً في جميع أنحاء أوروبا، أنها لن تبيع بعد الآن المواد الغذائية المصنوعة في روسيا. وأضافت السلسلة أنه يتم إنتاج الزلابية الروسية “بيلميني” التي تبيعها في مدينة نورنبيرغ الألمانية، بينما يتم إنتاج جبنة “توروغ” السلافية في بولندا.
ويدعو فريدريتش الساسة الألمان، إلى حماية الجالية الروسية وسط الأجواء المشحونة، ويقول: “عندما يكون هناك تحريض على العنف، يجب أن يتخذ الادعاء العام إجراءات سريعة”، ويضيف: “لا يمكن تحميل جميع الروس مسؤولية أفعال موسكو. يجب تطبيق سيادة القانون ويجب على المجتمع الألماني أن يكافح بشكل استباقي وحاسم ضد هذه الحوادث”.
وقالت مديرة المدرسة الروسية في مدينة بون، نارينا كاريتزكي هي “في يوم ما، تلقى زميلي مكالمة من رجل يعيش في مكان ما بالقرب من المدرسة، قال لنا إننا عار على الشارع بأسره. وصرخ في الهاتف: أنتم قتلة!”، كما سمعت العديد من القصص عن أطفال وشباب تعرضوا للمضايقة في الشارع، من كبار يصرخون في وجه الأطفال في الحافلة لأنهم يتحدثون باللغة الروسية، أو معلمين يدعون طلابهم لاتخاذ موقف واضح ضد بوتين.
وقالت كاريتزكي- وهي من أصول أرمنية- إنها تلقت رسالة من أم أوكرانية تقول فيها إنهم “سعداء جداً بتسجيل أطفالهم هنا” وتطلب رأيها في الغزو؟ هل تؤيديه أم تعارضه؟ وقررت مديرة المدرسة اتخاذ موقف واضح يدين الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره انتهاكا للقانون الدولي.
وتطالب كاريتزكي بالتمييز بين الحرب العدوانية من ناحية، والعائلات التي تعيش بسلام في ألمانيا، و لا علاقة لها بها (الحرب) على الإطلاق”، وتقول”هذه الحرب تشن باسم الشعب، لكننا نقول بوضوح شديد: هذه حرب بوتين. ما يحدث الآن ليس روسيا”.