لقد تعب الناس من الانتظار، وملوا من التوقعات التي لم يفلح أي منها في الكشف عن موعد إعلان الحكومة الجديدة… هل تغيير وزراء الاستقلال بوزراء الأحرار يستغرق شهرين ونصف الشهر؟ هل من المعقول أن تأخذ المفاوضات حول 8 مقاعد وزارية كل هذه المدة وكأن الحكومة تتفاوض مع إسرائيل لتحرير فلسطين؟
منذ أسبوعين أعلن حزب الأحرار التوصل إلى اتفاق نهائي مع رئيس الحكومة حول الدخول إلى بيت الأغلبية الضيق، ولأن الوقت طال، فإن صلاح الدين مزوار لا يريد أن يبقى معلقا، لا هو في المعارضة ولا هو في الحكومة، ولهذا اضطر إلى إصدار بيان آخر يعارض قرار المقايسة الذي اتخذته الحكومة للتحرير الجزئي لأسعار المحروقات، وتخفيف ضغط صندوق المقاصة على ميزانية الدولة.
بنكيران، ورغم أن «لسانه طويل» إلا أنه ابتلعه هذه الأيام ولم يكشف عن سبب تعثر الحكومة الثانية، هذه الحكومة التي صارت المعارضة تشرك الحمير والبغال للقضاء عليها.
وحتى عندما أطل بنكيران على مئات المواطنين البؤساء في مولاي يعقوب في حملة انتخابية باردة على مقعد في هذه الدائرة، لم يتعرض لأسباب تأخر الإعلان عن توقيت الولادة القيصرية لهذه الحكومة، ولهذا بدأ حزب الاستقلال يقطر الشمع على لحية بنكيران، حيث تحدث أعضاؤه عن أن وزراء الاستقلال سقطوا رهينة في يد بنكيران لأنه عجز عن تشكيل حكومة جديدة تطلق سراح من بقي من وزراء شباط في الحكومة التي ما عاد يُعرف لها شكل محدد…
الوزارات مشلولة منذ مدة طويلة. عمليا، منذ صعود حميد شباط إلى قيادة حزب الاستقلال وتكرار قصفه المباشر للحكومة، وهذه الأخيرة مرتبكة وغير قادرة على الخروج بقرارات كبيرة ولا بمشاريع إصلاحية حقيقية، وهذا خطأ بنكيران الذي لم يحسم أمره، وترك الأزمة تدير نفسها حتى وجد نفسه أمام الحائط، لا هو تفاوض مع شباط مباشرة وأعطاه ما يريد، ولا هو ذهب إلى انتخابات سابقة لأوانها من أجل البحث عن أغلبية جديدة… قيل آنذاك من قبل مشعوذي السياسة في هذه البلاد، والسحرة الذين يُخرجون كل أصناف الحيوانات من القبعة لتضليل الناس، إن انتخابات مبكرة أمر مستحيل لأنها تتطلب شهرين من الإعداد على الأقل و60 مليار سنتيم، وهذا ما لا يمكن أن تتحمله ميزانية الدولة ولا وضع الاقتصاد… إلى الآن نحن ضيعنا سنة كاملة في «الاهتزازات الحكومية»، وشهرين ونصفا في البحث عن أغلبية، ولم نصل إلى تشكيل حكومة لها برنامج ورؤية وتصور لإدارة الأزمة الحالية، وإبان هذه المدة خسر اقتصاد البلاد أضعاف أضعاف 60 مليار سنتيم التي تكلفها انتخابات تشريعية جديدة…
الآن لا أحد يعرف شكل القانون المالي القادم، ووزارة المالية حائرة، فيها وزير مداوم (permanent)، وفيها وزير آخر لا يُعرف مصيره، فمع من سيتحدث مدير الميزانية؟ ومع من سيتكلم الوزراء الذين لم يتوصلوا بالتوجهات العامة للقانون المالي 2014، المفروض عرضه على مجلس وزاري قادم، لا يعتقد أنه سينعقد قبل ميلاد الحكومة الجديدة…
الظرفية الاقتصادية صعبة، والظرفية الدولية أصعب، والمقاولات تصرخ، والمواطنون يعانون في صمت، لكن بنكيران لا يسمع لأحد، كل تركيزه منصب على إيجاد أفضل طريقة للانحناء للعاصفة، وأفضل طريقة للمشي على البيض حتى لا يكسره، أما متى يصل، ومتى يحل مشاكل البلاد فهذه أمور جزئية.. الأهم الآن هو حراسة الكرسي، والعض عليه بالنواجذ حتى لا تقتلعه العواصف القادمة.