علي أنوزلا يقول لكم: «موقعي كصحافي كان ولايزال هو الدفاع عن قيم الحرية والكرامة والمساواة والديمقراطية لجميع المواطنين والمواطنات ببلدي المغرب، وهي القيم التي يشكل الإرهاب أكبر التهديدات التي تعوق تحقيقها… إنني أتمسك ببراءتي من المنسوب إلي من تهم، وأتشبث بحقي في محاكمة عادلة على أساس قانون الصحافة…».
هل هناك وضوح أكبر من هذه الأرضية التي يقف عليها زميلنا المعتقل منذ أكثر من شهر؟ علي لا يدين الإرهاب فقط، بل يعتبره أكبر تهديد يواجه بلده. أكثر من هذا، ولكي يعبر عن حسه العالي بالمسؤولية، ولكي يفتح الباب لـ«الخيط الأبيض»، عمد، وبطريقة اختيارية، إلى وقف موقعه «لكم» إلى حين مغادرته السجن، وذلك إحساسا منه بالمسؤولية القانونية والأدبية عن كل ما ينشر به في غيابه…
الذين يعرفون صلابة علي وقدرته على التحمل يعرفون أن موقفه الشجاع هذا نابع من قناعة واختيار وليس من ضغط وإجبار، ورغبة صادقة في تجاوز حادثة السير هذه بأقل الخسائر.
وليس وحده علي من يخسر اليوم حريته وسلامته البدنية واستقرار عائلته الصغيرة والكبيرة، هناك أيضا سمعة بلد بأكمله في المحك في الداخل والخارج، الكل يترقب كيف سيطوى هذا الملف.
هناك هامش حرية صحافة في خطر في بلاد تتعلم السير فوق حبل الديمقراطية دون أن تسقط، وهناك خوف من أن ننزلق إلى جمع الصحافيين مع الإرهابيين في زنزانة واحدة، وآنذاك سنخسر معركتين في الآن نفسه.. معركة كسر الأقلام الحرة، ومعركة هزم الأحزمة الناسفة والخلايا النائمة على العنف والتطرف…
الكرة الآن في ملعب القضاء وباحة العقلاء الذين آلمهم، منذ اليوم الأول، هذا الملف الذي انفجر دون سابق إنذار، فالمأمول هو أن يقوموا بإنصاف زميلنا، وفتح المجال لمعالجة قانونية أخرى ترجع الملف إلى حجمه الطبيعي، وتحيله على قانون الصحافة، أو تغلقه بقانون أسمى هو الصفح والعفو، فجل من لا يخطئ.
أما الذين يصبون الزيت على النار، والذين يلعبون أدوارا قذرة لتبقى الصحافة الحرة والمستقلة في أجواء حرب مستمرة مع السلطة بلا هدنة ولا قواعد فك الاشتباك ولا آليات لحل الأزمات عندما تقع… لهؤلاء الذين استباحوا عرض وكرامة زميلنا علي أنوزلا أمس واليوم وهاجموه ونهشوا لحمه حتى اضطر للرد عليهم بما يشبه أسلحتهم، نقول لهم: إنكم لا تلعبون أكثر من دور الحيوانات الجبانة التي تتغذى على الجثث بعد أن تسقط، وليس قبل ذلك، وغدا عندما تفهم السلطة أن الحرب ضد الإعلام حرب خاسرة، ويفهم الإعلاميون أن وظيفتهم هي الإخبار والتعليق والرأي وليس ممارسة المعارضة، حينئذ ستموتون في مستنقعكم الآسن…
مر العيد كئيبا هذا العام في بيت الصحافة، ونتمنى ألا يطول الحزن في هذا البيت الذي عشش فيه الحزن طويلا. الخطأ في النشر أهون ألف مرة من مؤامرة الصمت، والصحافة الحرة لا تهدم بل تبني، حتى عندما تخطئ فإنها تفعل ذلك كما يخطئ جراح في غرفة عمليات لإنقاذ مريض، فالمبضع في يده حاد لكنه للعلاج لا للقتل.
لأم علي أنوزلا، التي تكابد في صمت بعد ابنها في زنزانة ضيقة وهي المرأة الشامخة التي قدمت زوجها منذ 30 عاما شهيدا في الصحراء دفاعا عن وحدة البلاد وعلمها الأحمر ولم تطالب لا بمقابل مادي ولا باعتراف معنوي لأرملة واجهت صعوبات الحياة لوحدها وربت رجالا ونساء أحرار علي واحد منهم، لأم علي نقول: لا تحزني إن الله معك.