الإصلاح العميق للدولة.. المشروع الغائب إلى الآن

18 نوفمبر 2013 - 13:32

الدولة في المغرب مريضة وتحتاج إلى إصلاح عميق، والإصلاح يحتاج إلى توافق واسع، والتوافق يحتاج إلى نخب سياسية في مستوى دقة المرحلة، والوعي بدقة الرحلة يحتاج إلى تشخيص علمي وخارطة طريق وتعبئة. وكل هذا غير موجود على الطاولة، لا في مكتب رئيس الحكومة ولا في مكتب رئيس الدولة.

واليكم بعض مظاهر هذا المرض الذي تتسع رقعة خلاياه السرطانية في جسد الأمة…

النظام الانتخابي، الجماعي كما التشريعي، لا يفرز إرادة الأمة، ولا قوة سياسية تباشر التغيير، ولا نخبا جديدة، ولا مشاريع مجتمعية جدية، ولا اختيارات واضحة، ومن ثم لا تعبر الانتخابات عن ميول الشعب كل خمس سنوات، ولا عن تناوب سياسي واضح المعالم. لماذا؟ لأن الدولة مازالت تخاف صندوق الاقتراع، وتخشى تعارض الشرعية التاريخية مع الشرعية الديمقراطية، والحل هو نصف انتخابات ونصف استفتاء على الدستور ونصف صلاحيات للحكومة والبرلمان والمجالس الجماعية، والنتيجة الوقوف في نصف الطريق والتكيف مع الأعطاب لا القطع مع مرضها…

الإدارة المغربية آلة كبيرة وضخمة ومكلفة ماليا لكنها معطلة تماماً، لا تستطيع أن تقبل بأية عمليات لزرع الإصلاح في جسدها المريض حتى وإن كانت صغيرة، بل إنها تقاوم كل مشروع إصلاح مهما كان، لماذا؟ لأنها أولا إدارة بعقيدة ضد المواطنين المغاربة، منذ أن وضع الاستعمار بنياتها الأولى في أوائل القرن الماضي وهي موجهة «ضد الأهالي». خرج الاستعمار وبقيت عقيدته راسخة في كل زوايا الإدارة، ولأنها، ثانيا، فاسدة ونظام الفساد والرشوة داخلها أصبح مدرا للدخل والامتيازات والمنافع، ومن ثم تحول الفساد من سلوكات شاذة إلى قاعدة لها أنصار وكتائب ومليشيات يدافعون عن بقاء الوضع على ما هو عليه، والمشكلة أن حزب الفساد داخلها لم يعد أحد قادرا على التصدي له، أو مقاومته. لقد طور مناعة رهيبة، وأصبح طرفا سياسيا في المعادلة. ثالثا، الإدارة بها من الروتين وعدم الكفاءة ما يجعلها قطعة فولاذ كبيرة في رجل البلاد، والمشكل أن أحدا لا يملك اليوم القدرة ولا الشجاعة للتصدي لأمراض هذه الإدارة.

الأحزاب جلها كائنات طفيلية لا تعيش إلا في البركة الآسنة، وهي مكونة من مجموعة من «الانتهازيين» الذين يبحثون عن سلم للترقي الاجتماعي، بعد أن فشل جلهم في الاعتماد على نفسه دون توظيف الريع السياسي المتحصل من العمل العام. الأحزاب، بتفاوت ليس كبيرا، ليست مستقلة ولا مؤسسة على مشروع مجتمعي أو اختيار إيديولوجي. جلها دكاكين سياسية، وحتى تلك التي كانت أحزابا لها تاريخ أصبحت اليوم معرضة للتجريف، ولا تختلف في شيء عن الحزب الإداري، الذي يعتمد على دعم الداخلية المالي والانتخابي وقوة الأعيان وسحر التماهي مع مشروع القصر ومبادرات الملك…

99٪ من الأحزاب لا تؤطر المواطنين، ولا تبلور مشاريع مجتمعية، ولا تساهم في بناء الديمقراطية، والباقي يحاول، لكن الثقافة السياسية والقيود المفروضة على الأحزاب تجعل عملها صعبا ومردوديته ضعيفة جداً.

المجتمع المدني الذي كان في وقت سابق يعد بالكثير، من خلال التجربة التي راكمتها النقابات والجمعيات والأندية والروابط والمنظمات الحقوقية والثقافية والإعلامية… هذا المجتمع هو نفسه تعرض لانتكاسة كبيرة في أواخر التسعينات، لأن الدولة، بعد أن استهلكت الأحزاب رصيدها السياسي، التفتت إلى المجتمع المدني رغم أنه فتي، وحاولت استقطاب رموزه إلى مشاريعها ومؤسساتها ومناصبها دون أن يحمل رموز هذا المجتمع أفكارهم ولا مصدر شرعيتهم إلى المراكز الجديدة التي دعوا إليها في رحاب الدولة، ثم جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أدخلت مليارات من الدراهم إلى نسيج الجمعيات، فصار أكثر من نصف هذه الجمعيات منشغلا بهذا الدعم وطرق صرفه القانونية وغير القانونية، خاصة أن الداخلية هي التي تكفلت به، وهنا فقد هذا المجتمع المدني روحه النقدية، وجوهر عمله كسلطة مضادة لسلطة الدولة، وصارت آلاف الجمعيات بمثابة وكالات متخصصة في إعداد مشاريع تحظى بالدعم على الورق. زد على هذا أن النقابات، في ظل غياب قانون عصري وديمقراطي، صارت هي الأخرى جزءا من المشكلة عوض أن تصير جزءا من الحل. تحول العمل النقابي إلى بؤرة لإنتاج الريع، ومجالات لمقاومة الإصلاح من خلال تغليب المصالح الفئوية والشخصية على المنفعة العامة.

إذن، الشرعية الانتخابية ناقصة، والإدارة مريضة، والأحزاب مصابة، والمجتمع المدني فقد روحه أو يكاد، والإعلام إما خائف، أو «مبيوع»، أو عاجز عن أداء وظيفته لأن الموارد في يده قليلة وعصا السلطة غليظة، والمجتمع نفسه يعاني نفس أمراض الدولة التي انتقلت إليه بالعدوى والاحتكاك. فهل من كشف لهذه الغمة؟ 

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي