إذ ركز التقرير، الذي اشترك في إعداده علماء اجتماع من مختلف بقاع العالم، على سلوك الإنسان وأثره في التغيرات المناخية مثلا. كما اعتبر أنه لا غنى عن تغيير السلوك ذاته في مواجهة ظاهرة تغير المناخ.
«الحل.. بيد العلماء». إنه الموجز المختصر، الذي يستفاد من تقرير أصدرته اليونيسكو نهاية الأسبوع الماضي بعنوان «تغير البيئات العالمية»، حيث تشدد فيه على أهمية العلوم الاجتماعية في فهم مشكلات الأرض والإنسان اليوم. وقد أطلقت «إيرينا بوكوفا» التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية لعام 2013، بعيد أسابيع من انتخابها مديرة عامة لليونسكو لولاية ثانية، وقالت بخصوصه «إن العلوم الاجتماعية من شأنها أن تسهم إسهاما حاسما من خلال مساعدتنا على فهم وتخيل وصياغة مستقبل أكثر استدامة للجميع. وهذه هي الرسالة التي ينطوي عليها التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية لعام 2013».
ويوصي التقرير باتباع نهج جديد في العلوم الاجتماعية يكون أكثر جرأة، وأعلى شأنا، وأوسع نطاقا. إذ يقوم هذا النهج، حسب التقرير، على إعادة تشكيل وتفسير التغير البيئي العالمي بوصفه عملية اجتماعية أساسية، وعلى إدماج رؤى العلوم الاجتماعية في عملية حل المشكلات. كما ينص على ضرورة الاستعانة بمزيد من العلماء في مجال علم الاجتماع لمعالجة التحديات المتعلقة بالتغير البيئي العالمي، داعيا علماء الاجتماع إلى تغيير طريقة العلوم الاجتماعية في تناول وممارسة رسالتها ونظرياتها وافتراضاتها ومنهجياتها ومؤسساتها ومعاييرها وحوافزها، وذلك الإسهام في مواجهة التحديات المعقدة الجامعة للتخصصات والمشتركة بين القطاعات التي تواجهنا.
كما يرى التقرير، الذي يقع في 600 صفحة، أن هناك حاجة إلى استخدام العلوم الاجتماعية لإحداث تغييرات اقتصادية وسلوكية لازمة لتحقيق الاستدامة، حيث ينبغي إعطاء الأولوية للعلماء عموما، وعلماء الاجتماع خصوصا. إذ يرى أن هؤلاء أن يتعاون العلماء في مجال علم الاجتماع بقدر أكبر من الفعالية مع زملائهم المتخصصين في العلوم الطبيعية والإنسانية والهندسية من أجل توفير معارف من شأنها الإسهام في معالجة أكثر الأمور إلحاحا، وهي المشكلات البيئية وتحديات الاستدامة المطروحة حاليا. هذا، دون إغفال العمل على توجيه عمل السياسة والسياسيين.
من هنا، تكون الغاية من إصدار التقرير، كما قالت بوكوفا نفسها، هو إشراك علماء الاجتماع في الأوساط الأكاديمية ومعاهد البحوث ومراكز الفكر والمنظمات غير الحكومية والوكالات الحكومية في جميع أرجاء العالم، فضلا عن المنظمات الدولية الحكومية المعنية بقضايا البيئة والإنسان. وفي هذا السياق، تدعو اليونيسكو، ضمنيا، المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية إلى الأخذ بتقريرها في عمله، بوصفه قاعدة لإجراء مناقشات نقدية مع الأعضاء والشركاء لترسيخ دعائم معارف العلوم الاجتماعية بشأن التغير البيئي العالمي ودعم قيادة العلوم الاجتماعية في ما يخص البحوث المتعلقة بالاستدامة.
ويشمل هذا التقرير، الذي صدر بمناسبة الدورة السابعة والثلاثين للمؤتمر العام لليونسكو بباريس والذي سينهي أشغاله غدا، مقالات حررها أكثر من 150 خبيرا بارزا من جميع أرجاء المعمور، ويعرض سلسلة كاملة من مواضيع العلوم الاجتماعية، مثل الأنثروبولوجيا والاقتصاد والدراسات الإنمائية والجغرافيا وعلم السياسة وعلم النفس وعلم الاجتماع. ففي مقالة تضمنها التقرير عن «الهجرة بوصفها استراتيجية للتكيف مع التغير البيئي»، يذهب الكاتبان «نيل إدغار» و»هيلين أدامز» إلى أن «الشواهد التجريبية تبين أن بعض الفئات السكانية لا تتوافر لها الموارد اللازمة للهجرة بسبب ما يفرضه التغير البيئي من حدود على رفاهتهم». ويلاحظ الكاتبان أيضا أن كثيرا من الناس الذين هاجروا إلى المناطق والمدن الساحلية خلال العقود الأخيرة يتعرضون بصفة خاصة لمخاطر التغير البيئي «إذ أنهم يتجمعون في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، وغالبا في منحدرات تلال شاهقة أو سهول مغمورة بالمياه، حيث توجد أراض خالية وزهيدة الثمن».
ويحذر «إيلك فيبير» في مقالته المعنونة «تغير السلوك الفردي والجماعي» من «الآثار السلبية التي عادة ما تفضي بالناس إلى تغيير سلوكهم، ولكن الفارق الزمني بين الأسباب السلوكية والآثار البيئية يجعل من الصعب على الناس أن يدركوا الصلة بينها». وفي مقالة بعنوان «هل يتعذر اجتناب غازات الدفيئة المتزايدة؟»، يشرح «جون أوري» ضرورة القيام بتعاون من هذا القبيل، ويقول «إن الأمر يقتضي إبطال النظم المفعمة بالكربون المتعذر تغييرها فيما يبدو، وما يرتبط بها من ممارسات اجتماعية. وفي تناوله للآثار الناجمة عن الحد من انبعاثات الكربون، يتنبأ «أوري» بأن «من شأن النظم منخفضة الكربون الحد من مستويات الدخل والاستهلاك في الأجل القصير، وهو ما يجعل من العسير إقناع الناس باللجوء إلى الممارسات الاجتماعية منخفضة الكربون».