الأولى أن ملف الصحراء غير موجود في دولاب الحكومة، وأن هذه الأخيرة لا تسيّر الملف ولا تعرف عنه أكثر مما يعرفه الإنسان العادي من نشرة الثامنة، أكثر من هذا لا يوجد ضمن طموح رئيس الحكومة إدارة ملف حساس مثل ملف الصحراء، ولهذا لم يزر الأقاليم الصحراوية إطلاقا منذ أن عين في منصبه، ولا شارك في وضع ما يسمى بالنموذج الاقتصادي الجديد الذي وضعه المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عهد بنموسى ثم نزار بركة.
هذا النموذج، الذي قال المجلس إنه سيكلف ميزانية البلاد 14 مليار دولار على مدى 10 سنوات، لم تُستشر فيه الحكومة ولا البرلمان، ومع ذلك صار هذا التصور قاعدة للتفكير الحكومي، وخطاطة للدولة إزاء أكبر حجر في حذاء المملكة.
هذا ليس أسلوبا جديدا في إدارة أزمة الصحراء، التي انتهت المقاربات القديمة بشأنها إلى فشل كبير باعتراف الدولة، لكن ما ينقص هذا الاعتراف هو ترتيب المحاسبة على الذين أداروا الملف بالمليارات وانتهت أعمالهم إلى فشل، طبعا إنه فشل نسبي لأن هذه الإدارة كانت ناجحة بالنسبة إلى الجيوب الكبيرة التي استفادت منها، والمواقع السياسية التي أمنتها لأصحابها، وفي مقدمتهم إدريس البصري وفريقه الذي مازال، إلى الآن، في مواقع متفرقة من السلطة، وقريبا من ملف الصحراء !
الحقيقة الثانية، التي كشف عنها خطاب عبد الإله بنكيران أمام البرلمان، أن الأحزاب كلها، وضمنها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، لا تملك أي تصور لحل مشكل الصحراء غير التصور الذي يعرضه القصر (حكم ذاتي موسع، ونموذج اقتصادي جديد، ودبلوماسية أكثر هجومية في الخارج).
إذا كانت الأحزاب مجتمعة لا تملك حلا لأخطر ملف يعرفه المغرب، فلماذا تسعى إلى السلطة ورئاسة الحكومة وإدارة الدولة؟ في الاجتماع الأخير للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية جرى الاتفاق على تشكيل لجنة للتفكير في أزمة الصحراء برئاسة عبد الله بها وعضوية الصحراويين البرلمانيين التابعين للحزب. هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً، لكنها تعكس فهم ورؤية الأحزاب للملفات الكبرى في الدولة. إنها ملفات تقع في الجانب المحفوظ للقصر، ولا يجب الاقتراب منها إلا بإذن، وحتى عندما يصدر الإذن من فوق فعلى الإنسان أن يكون حذرا وهو يمشي فوق أرض هذا الملف لأنها مليئة بالألغام.
ملف الصحراء ملف كل المغاربة لكن، للأسف، لا تديره إلا القلة القليلة، والمشكلة أنها تديره دون محاسبة. نعم، الملك يعتبر الملف حساسا وجزءا من شرعية النظام التي ارتبطت بربح الوحدة الوطنية في الصحراء، لكن هذا على المستوى الاستراتيجي، أما في ما يخص التدبير اليومي، فعلى الحكومات أن تتحمل مسؤولية إدارة الملف، وأن تحاسب على الإخفاق، وأن تجازى على النجاح. أما الوضع الآن فغير سليم على الإطلاق، وقد رأينا دفتر التحملات التي رسمتها إدارة أوباما للمملكة في الصحراء، وكيف أن موافقتها على الحكم الذاتي كانت مشروطة باحترام حقوق الإنسان وتنمية المنطقة والبحث عن حل سياسي مع الطرف الآخر. بعد ستة أشهر أو أقل أو أكثر ستطرق أمريكا باب المغرب وهي تسأل عن الحصيلة، وعن مآل الوعود التي التزم بها في البيت الأبيض.
ملف الصحراء تعقد كثيرا على مدار عقود من الزمن، وقد ساعدت أخطاؤنا في الداخل خصومنا على إفشال عدد من الحلول المقترحة، مثلا، من أفتى للسلطة بضرورة تقديم مجرمي أكديم إزيك إلى محكمة عسكرية عوض تقديمهم أمام محكمة مدنية مع أن جرائمهم ثابتة وموثقة بالصورة والصوت؟ عرض مدني على محكمة استثنائية أمر لا يقبله أي أحد في الداخل والخارج. هذا الخطأ، كما أخطاء أخرى ارتكبها المغرب أيام نصب مخيم أكديم إزيك وإعطاء عناصر لا علاقة لها بالملف الكلمة الأخيرة في إدارته.. هو نموذج فقط، وإلا فإن القفة مليئة بالأخطاء، فهل نقطع مع هذه المقاربة ونعطي الملك حق وضع الاستراتيجية العليا، وللحكومة حق تصريفها وترتيب إجراءات المحاسبة على هذا التدبير؟ هذا هو السؤال الذي لم يقدم بنكيران أي جواب عنه، لماذا؟ هذه قصة أخرى.