جاءت مذكرة نادي قضاة المغرب برؤية شاملة مدافعة عن ضرورة إعمال مبدأ الانتخاب، قناة وحيدة للوصول إلى العضوية في أعلى سلطة قضائية بالبلاد.
النادي اعتبر في مذكرة رفعها إلى وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، وتوصلت «أخبار اليوم» بنسخة منها أن الانتخاب هو الآلية الأنجع لـ»ضمان الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية»، متبنيا إياها «كأسلوب لاختيار الرئيس الأول بمحكمة النقض والوكيل العام للملك من طرف القضاة أنفسهم»، حتى إذا تم تعيينهما من قبل الملك بظهير طبقا للفصل 57 من الدستور، يكون التعيين بالصفة في المجلس الأعلى لاحقا على مبدإ الانتخاب الذي اعتبره النادي الضمانة الحقيقية لاستقلال السلطة القضائية.
وفي السياق نفسه، سكت مشروع الرميد المعروض حاليا على النقاش العمومي عن هذه النقطة، إذ اكتفى بالقول إن المجلس يتألف من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك بالمحكمة نفسها، ورئيس الغرفة الأولى، و10 قضاة منتخبين من قبل زملائهم في المهنة، إضافة إلى أعضاء بالصفة وهم رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس مؤسسة الوسيط، و5 أعضاء يعينهم الملك، اشترط مشروع الرميد بشأنهم غياب حالة التنافي مع أي مهمة أخرى سياسية أو نقابية.
وبينما لم يتكلم مشروع الرميد المعلن عن التجديد من عدمه لرئيس المجلس الأعلى، طالبت مذكرة نادي قضاة المغرب بأن يقتصر رئيس المجلس على ولاية واحدة غير قابلة للتجديد، ضمانا لتجديد النخبة القضائية. أما بالنسبة إلى القضاة المنتخبين، فقد طالب بأن يكون حق الترشح مكفولا لكل القضاة بدون قيد أو شرط، عكس مشروع الرميد الذي نص على شرط خمس سنوات كأقدمية.
لكن في الوقت الذي أكد فيه مشروع الرميد على تنافي العضوية في المجلس مع العضوية في مكتب جمعية مهنية للقضاة، سكتت مذكرة نادي القضاة عن هذه النقطة، ولم تعبر عن أي موقف محدد إزاءها.
وبخصوص رئيس الغرفة الأولى الذي يعين بصفته كذلك في المجلس الأعلى، طالب نادي القضاة بأن يكون منتخبا من قبل الجمعية العمومية، حيث شددت المذكرة على أن «آلية الانتخاب سوف تمثل أكبر ضمانة لعدم التعسف في ممارسة السلطة، فضلا عن أن الفصل 115 حدد عدد الشخصيات التي يعينها الملك». هذا، ودعا نادي القضاة كذلك إلى تعميم حصر مدة ممارسة المهام في أربع سنوات غير قابلة للتجديد لجميع القضاة في المجلس «من أجل العمل على تجديد النخب القضائية، إذ لا يمكن تجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ما لم يتم تحديد مدة ممارسة المهام». وكذلك بالنسبة إلى الأعضاء الذين يعينون بالصفة أو الذين يعينهم الملك من غير القضاة، حفاظا على انسجام المجلس، بحيث تصبح ولاية وحيدة قاعدة عامة تسري على الجميع.
وفي الوقت الذي أسند فيه مشروع الرميد عمليا تدبير العملية الانتخابية إلى الأمين العام للمجلس، الذي يعين بظهير ملكي باقتراح من رئيس المجلس بعد استشارة أعضائه لمدة ستة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، طالبت مذكرة نادي قضاة المغرب بأن يتم التنصيص على مسؤولية المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت إشراف رئيسه على الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها، وعلى أن تخرج وزارة العدل والحريات تماماً من هذه العملية.
في المقابل، بدا نادي قضاة المغرب مرنا إزاء حقوق وواجبات أعضاء المجلس، مطالبا بإقرار مبدإ التفرغ للأعضاء المنتخبين ضمانا لحسن سير الأشغال وتسهيلا للتواصل بين أعضاء المجلس وباقي القضاة، وصرف تعويضات لهم عن مهام العضوية، يتم صرفها، بقرار من رئيس المجلس بصفته الآمر بالصرف، على ألا يؤثر ذلك على مسارهم المهني وضمان حقهم في الترقية، والتأكيد على عدم إمكانية نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى طيلة مدة انتدابهم.
وبخصوص وظائف واختصاصات المجلس الأعلى، أكدت مذكرة نادي قضاة المغرب ضرورة تعزيز استقلالية السلطة القضائية وضمان استقلال القضاة، ومن أجل ذلك دعا إلى حصر تدبير المسار المهني وللوضعية الفردية للقضاة بيد المجلس فقط، وإسناد مهمة التفتيش إليه كذلك، إضافة إلى مهام التكوين والتكوين المستمر، وهي اختصاصات نص عليها مشروع الرميد بتفصيل.
ويعتبر الجديد في مذكرة نادي القضاة هو الدعوة إلى إنشاء مجلس الدولة، مهمته الفصل في الطعون المتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة، ذلك أن إنشاء المحكمة المذكورة هو الضمان الأساسي لعدم خضوع الجهة المكلفة بالنظر في الطعون المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة لنفوذ وسلطة القضاة الأعضاء المعينين في المجلس الأعلى .