أطفـال المغـرب... هـذه مشـاكلنـا الحـقيقـية

03 ديسمبر 2013 - 11:53

صفوف طويلة وعيون متطلعة وابتسامات بريئة لأطفال جاؤوا من مختلف مناطق المغرب وينتظرون دورهم لدخول القاعة المغطاة بمدينة طنجة التي جمعت أكثر من 1500 طفل من أنجَبِ تلامذة المدارس المغربية، تلاميذ جاؤوا للمشاركة في الاتفاقية الأولى للشباب لحماية الطفولة، هذه الاتفاقية التي سيكون الأطفال هم من يضعون مضمونها من خلال مناقشة جميع مشاكلهم والحلول المقترحة.

 مشاكل أجملها الأطفال في التعليم والحماية القانونية التي يمنحها المغرب لأطفاله ضد الاستغلال الجنسي، ثم مشاكل أطفال المغرب العميق، «أنا من نواحي مدينة تارودانت، درست في حمام لأنه ليس لدينا مدرسة بعد أن تأثرت بالفيضانات، ومع ذلك حققت أعلى معدل في المنقطة وهو ما خولني أن أصبح عضوا في برلمان الطفل»، يقول محمد تلميذ في السنة الثالثة إعدادي ليلخص حالة أطفال المغرب الذي أريد له أن يكون غير نافع ووضعية التعليم في هذه المناطق المعزولة، وعلى مدى يومين من الاستماع لآراء الأطفال تبين أن الهوة واسعة بين الخطاب الإعلامي والسياسي حول مشاكل الطفل وبين ما يعانيه الطفل حقيقة في المغرب، وهو ما أكده وزير التعليم رشيد بلمختار بعد لقاء مع الأطفال دام أزيد من ساعتين «تمنيت لو أن البرلمانيين والسياسيين كانوا معي لسماع مشاكلكم الحقيقية، لأن الجميع مع الأسف يتحدث عن مصالحه ولا أحد يتحدث عن مصلحة الطفل»، لكن الأطفال وعلى مر يومين دافعوا وبشدة عن حقوقهم وتحدثوا بحرقة على جميع مشاكلهم.

التعليم أم المعارك في المغرب 

«ليست لدينا مدرسة بسبب الفيضانات، وحتى عندما طلبنا خيمة لندرس فيها فقد رفضت السلطة أن تعطينا هذه الخيمة ونحن الآن نتابع دراستنا في حمام المنطقة ولا أحد يسأل عن وضعيتنا» يتحدث محمد المنحدر من ضواحي مدينة تارودانت عن وضعية التعليم في منطقته قبل أن يتوقف ليبتلع الغصة التي خنقت صوته ويستمر في سرد معاناته ومعاناة أبناء جيله في المنطقة التي يقطن فيها «ولكي نصل إلى الحمام الذي نتابع فيه دراستنا يجب علينا اجتياز طريق طويل، أما في فصل الشتاء فتنقطع الطرقات ويصبح الذهاب إلى المدرسة يشكل خطرا على حياتنا بسبب وعورة الطرق». وضعية محمد تسلط الضوء على مشكل البنية التحتية في المدارس المغربية وخاصة في المناطق البعيدة والجبلية حيث فصل الشتاء القاسي والمسالك الخطرة، لذلك فإن عبد العالي الرامي رئيس جمعية منتدى الطفولة يرى بضرورة «تغيير أوقات الدراسة في المناطق النائية لأنه في فصل الشتاء لا يستطيع الأطفال التوجه للمدرسة لأن الطرق تكون مقطوعة كما أنه على الدولة أن توفر الحماية للأطفال في المناطق المعزولة لأن أغلب الآباء لا يبعثون أبناءهم للإعدادية حتى لا يضطر أبناءهم للمكوث في الداخلية، وذلك خوفا عليهم من أن يكونوا ضحية للاستغلال الجنسي».

وحتى في المدن التي يصبح فيها مشكل البنية التحتية أقل حدة فإن التلميذ المغربي يعيش حالة من التيه على مستوى اللغات، وهو ما عبرت عنه الطفلة أحلام عضو في برلمان الطفل عن منطقة سيدي بنور «ندرس كل المواد بالعربية وعندما سننتقل إلى التعليم العالي فإن المواد العلمية يتم تدريسها بالفرنسية، لماذا لا يتم تدريس المواد العلمية بالفرنسية منذ البداية؟، ثم لا أفهم لماذا يتم التركيز على الفرنسية عوض الإنجليزية؟، والأدهى أننا لا ندرس الإنجليزية إلا في السنة الثالثة إعدادي ونجتاز فيها امتحان الموحد وكأننا نتلقى الوحي»، تقول أحلام وهي تتحدث بغضب وتحاول استجماع أنفاسها قبل أن تمضي في الحديث عن مشكل اللغات في المغرب «حنا تالفين، لا ندري هل نتمسك بالعربية ونحن نعلم أننا لن ندرسها في التعليم العالي أو بالفرنسية وهي ليست اللغة التي يمكن بها التواصل مع العالم، أما الإنجليزية فعلى الرغم من أهميتها فإن النظام التعليمي لا يمنحها أي قيمة، ومن أراد تعلمها عليه الانخراط في مراكز اللغة، واللي معندوش يضيع فهاد البلاد» تقول أحلام وقد احتدت نبرة صوتها تعبيرا عن الغضب أو عن الإحساس بـ»الحكرة» كما وصفتها.

لذلك فإن نجيب الصوماعي عضو المرصد الوطني لحماية حقوق الطفل يرى بأن «النقاشات مع الأطفال كانت مفيدة لأنها مكنتنا من معرفة المشاكل الحقيقية في التعليم والتي يمكن تلخيصها في أربع مسائل وهي مشكل اللغات ومشكل البنيات التحتية ثم الولوجية لوسائل المعرفة ثم المخططات البيداغوجية التي تجعل التلميذ في حالة تيه بين برامج تتغير كل سنة»، مضيفا أن مشكل التعليم في المغرب هو «أن البرامج التعليمية لا تعرف نوعا من الاستقرار وخير مثال المخطط الاستعجالي الذي تم التخلي عنه بسبب ظروف سياسية، لذلك فأي نجاح لن يتأتى إلا باعتماد برامج تعرف استمرارية ويتم تطبيقها على مدة طويلة وأن يتم إبعاد التعليم عن السياسة ويجب وضع إستراتيجية وطينة للغات تعيد النظر في مكانة اللغة الإنجليزية في التعليم، وأخيرا ألا يتحدث باسم الأطفال إلا الأطفال»، وهو ما عبر عنه عبد العالي الرامي بقوله «المشكل هو أن كل أمة تلعن أختها ولا توجد استراتيجية واضحة، علينا أن نعرف أولا ما هي مواصفات التلميذ المغربي الذي نريد تكوينه وبعدها يمكن أن نقرر البرنامج الذي يمكن الاشتغال به، وهذه سياسة المرفق العمومي التي تتميز بالاستمرارية».

كابوس الاستغلال الجنسي

«قضيت ثلاثة أسابيع لا أذهب للمدرسة بعد أن تعرضت زميلة لي في المدرسة لعملية اغتصاب من طرف أحد سكان الحي الذي تسكن فيه وكادت تودي بحياتها، صدمت من هذا الحادث خاصة وأن هذه الفتاة كانت صديقتي ونذهب سوية للمدرسة» تقول فاطمة تلميذة في الثانية إعدادي القادمة من مدينة القنيطرة قبل أن تنخرط في نوبة بكاء، بكاء على ظاهرة باتت تهدد جيلا بأكمله دون أن تظهر معالم حل حقيقي في الأفق، وتضيف فاطمة «المشكلة أننا في المجتمع نجعل من الضحية هي المسؤولة ونحملها تبعات هذه الجريمة، ذلك أن والدي صديقتي فضلا السكوت وعدم إخبار الشرطة بالأمر خوفا من الفضيحة، بينما ما تزال البنت حبيسة البيت لأكثر من ثلاثة أشهر»، السكوت والخوف من الفضيحة همّا جعل هذه الظاهرة تنتشر بسرعة وتجعل العديد من الجناة يفلتون بفعلتهم، «أنا أصبحت أخاف على نفسي منذ العفو عن مغتصب الأطفال دانييل ولا أذهب للمدرسة إلا برفقة أحد والدي، كما أن القانون في المغرب لا يوفر الحماية الكافية للمغتصبة بل يزيد من معاناتها، ويمكن القول إن المجتمع يغتصب الفتاة معنويا بسبب الصمت وثقافة الحشومة» تقول الطفلة البرلمانية صفاء من مدينة طنجة أمام عدد من الأطفال البرلمانيين الذين وافقوا على رأيها وأيدوه.

مشكل الاستغلال الجنسي للأطفال بات يؤرق التلاميذ في المدارس ويجعلهم يعيشون حالة نفسية متأزمة، لذلك فإن سورية مكيكة رئيسة جمعية الكرم للأطفال ترى أنه يجب «اعتماد التربية النفسية كمادة في المدارس المغربية من أجل تخليص الطفل من العقد التي تغرس في شخصيته من طرف المدرسة والأسرة والشارع، كما أن الجهل بالحقوق يجعل الطفل يعيش دائما حالة من الخوف والاضطراب وتجعله ينطوي ويفضل الصمت، لذلك فإن أول شيء يجب تعليمه للطفل هو تعريفه بجميع حقوقه والقوانين التي تحميه وجعلها مادة تدرس»، هذا على الجانب النفسي أما الجانب القانوني فإن سمية تقترح «تعديل القوانين التي تحمي الطفل لأن صعوبة المساطر وطول مدة تطبيقها تجعل أغلب الناس يفضلون الصمت وعدم التوجه للعدالة، لذلك يجب أن توضع قوانين تراعي الحالة النفسية للطفل ضحية الاعتداء الجنسي ويكون الحكم فيها بسرعة وأن تكون هناك متابعة نفسية لأننا نفكر فقط في معاقبة الجاني وننسى أن الضحية ستتألم لسنوات إذا لم تكن هناك متابعة نفسية».

ظاهرة اغتصاب الأطفال التي استفحلت في المجتمع باتت تفرض على المغرب اعتماد التربية النفسية، وحسب الدكتور النفسية سمية أيت الفقيه « فإنه لا يوجد وعي بأهميتها، كما أنه يصعب إقناع أولياء التلاميذ بأهميتها خاصة في المجال القروي، لذلك يجب التواصل مع الآباء بطريقة مباشرة لإقناعهم بضرورة منح أبنائهم ثقافية نفسية وجنسية تحميهم وتقوي من شخصيتهم».

من جهته أخرى اعتبر التدلاوي محمد رئيس الكشفية المحمدية المغربية أن «الحالة الاجتماعية التي يعيشها الطفل في البيت تؤثر عليه نفسيا في القسم أو العكس، وهناك الرابط الذي هو الشارع، لذلك فنحن محتاجون لأطباء نفسانيين وتكوين الأساتذة في هذا المجال، ثم التوعية للأسر وخاصة في العالم القروي، وأخيرا توفير الحماية للأطفال في الشارع من خلال الدوريات الأمنية قرب المدارس، وإذا اشتغلنا على هذا الثلاثي سنحافظ على الصحة النفسية للطفل ونجعله يشعر بنوع من الاستقرار النفسي».

أطفال المغرب العميق يعانون في صمت

«يلزمني أن أقطع أكثر من أربع كيلومترات حتى أصل إلى المدرسة التي هي عبارة عن حجرة واحدة يزدحم فيها أكثر من 50 تلميذا مقسمين على ثلاث مجموعات، حيث يقسم المدرس الحصة إلى ثلاثة مستويات، أما في فصل الشتاء فأغلب التلاميذ يتغيبون لأنهم لا يستطيعون اجتياز الطريق المغطى بالثلوج» يحكي كريم المنحدر من مدينة أزيلال تفاصيل معاناة أبناء منطقته من أجل التعلم، وعلى الرغم من ذلك فإن كريم حصل على أعلى معدل في السنة الثالثة إعدادي في الجهة.

 هذه القصة تشبه مثيلاتها في مختلف المناطق الجبلية والتي تبتعد عن مركز المغرب، «كيف يمكن الاستمرار في الدراسة وعلينا قطع كل يوم 5 كيلومتر، ثم نفاجأ بتغيب المدرس عن القسم، كما أننا لا نتوفر حتى على مراحيض في المدرسة التي تتشكل من حجرتين، واحدة سقفها شبه مخرب ولا يمكن الدراسة فيها في فصل الشتاء» يقول أحمد الذي قدم من تارجيست نواحي الناظور المعروفة بقسوة الجو والتضاريس.

والحال في الجنوب ليس أفضل بكثير، حيث هناك أطفال الرحّل الذين لا يمكنهم متابعة الدراسة لأن عائلاتهم في سفر مستمر ولا يستقرون في مكان واحد، والأكيد أن هذه المشاكل بعيدة عن النقاشات السياسية الدائرة حاليا في المغرب وهو ما أكده أحمد اخشيشن بالقول إن «لا أحد سيعرف مشاكل المناطق البعيدة إلا أصحابها، فالدولة مهما حاولت فهي تبقى بعيدة عن هذه المناطق، لذلك على الجمعيات أن تقوم بدورها وبأن تضع نموذجا تنمويا ينقذ هؤلاء الأطفال وإيصال صوتهم للمركز»، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه عبد العالي الرامي رئيس جمعية منتدى الكرامة بقوله «أهل مكة أدرى بشعابها، لذلك فعلى الجماعات القروية والجمعيات أن تشتغل لأن الإدارة الموجودة في الرباط لا يمكنها أن تفهم مشاكل مناطق المغرب العميق، ثم يجب أن ندعو الفعاليات الاقتصادية إلى المساهمة في تنمية المنطقة لأن هناك الكثير من الشركات تستفيد من خيرات بعض المناطق ولا تقوم بالاستثمار فيها».

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي