الجيل الجديد من المساعدات الاجتماعيات.. لهن تكوين في الإسعاف والتربية والقانون والسياقة

09 ديسمبر 2013 - 14:14

في الوقت الذي تنخرط فيه جميع المؤسسات الحكومية والدستورية والبرلمانية، في مناقشة القانون المرتقب صدوره بخصوص خادمات البيوت، وفي ظل موجة المقاومة الكبيرة التي يواجهها هذا المشروع، خوفا من انتقال مفاجئ من وضعية خادمات البيوت الفقيرات القاصرات المعرضات لكل أصناف الاستغلال؛ تواصل إحدى مؤسسات التكوين المهني بأحد أكثر أحياء مدينة فاس هشاشة وحساسية، تخريج جيل جديد من الفتيات المكوّنات والحاصلات على شهادة معترف بها، تمكّنهن من الاضطلاع بوظائف خاصة ومحددة، تتجاوز الأعمال المنزلية البسيطة، لتقترب من مهام المكلفات بتدبير البيوت كما تدبّر مكاتب المسؤولين الكبار ودواوينهن.

 

العناية بالصغار والمسنين

تكوين يزاوج بين العلوم والتقنيات، وخرّج بروفايلات تجمع بين المساعدة الاجتماعية والمربية وسكرتيرة الإدارة، تعملن بعقود تضاعف في بعض الحالات الحد الأدنى للأجور، وتعفين أرباب وربات البيوت من أعباء ظلت إلى اليوم، مهام حصرية عليهم مهما ارتفعت مواردهم المادية وشغّلوا مساعدات وسائقين. حصص مخصصة للإسعافات الطبية الأولية، من تنفس اصطناعي وتضميد للجروح وحقن للأدوية، إلى إتقان الحركات والدقيقة الخاصة للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة والعناية بهم.

"مجرد العناية الأطفال يعتبر قياما بعبء كبير ولا يستهان به، ذلك أن الأبناء يكونون تحت عناية فتاة مكونة تكوينا علميا وبيداغوجيا، كما يمكنّهن الاهتمام بكل ما يهم ترتيب البيت وشؤونه، خاصة منها البيوت الكبرى أو التي يكون لأصحابها انشغالات كبيرة"، يقول إسماعيل الجامعي، نائب رئيس مؤسسة الجامعي للأعمال الاجتماعية، مضيفا أن هؤلاء الخريجات "يسهرن مثلا على ترتيب المواعيد وتنظيمها، حتى لا يبقى شأن البيت منوطا بشكل دائم برب البيت، بل باتت هناك على غرار السكرتيرة في المكتب، متخصصة في ترتيب شؤون المنزل".

الجامعي أضاف أن بعض الأسر ممن لديهم أشخاص كبار ومسنون، "ولا تقبل هذه الأسر فكرة إيداعهم في دور للمسنين، فهؤلاء الفتيات يمكنهن رعايتهم في بيوت أسرهم، فهن خضعن خلال فترة تكوينهن، إلى حصص خاصة بالتعامل مع المسنين، أكثر من ذلك، لهن تكوين خاص في التعامل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يسهرن على مساعدتهم في حياتهم اليومية، ولدينا هنا داخل المعهد قاعات خاصة ومكونين متخصصين في هذه المجالات، سواء كان الشخص المعاق مسنا أو طفلا صغيرا".

 

من قلب حي الفقر

"تعود بي الذاكرة إلى العام 2001، حين تم تدشين هذا المعهد من طرف جلالة الملك محمد السادس، لما كان قد اعتلى العرش حديثا، وكانت زيارة مميزة للمدينة وخصوصا لهذه المنطقة، حي بنسودة، والتي كان يظن الجميع أنها منطقة خارج تراب المملكة بحكم أنها كانت مهمشة لأنها كانت تابعة لجماعة عين الشقف القروية، لكن شبابها كان تواقا إلى بناء منطقة حضرية بامتياز، وها نحن الآن في هذا المعهد النموذجي في العمل الاجتماعي والتكوين المهني الذي يريد منه صاحب الجلالة أن يكون مؤسسة مواطنة تخرج شبابا يلجون عالم الشغل". الحديث هنا لعمدة مدينة فاس، الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط.

هذا الأخير كان قد جعل من حي بنسودة، حيث يوجد بيته الشخصي، قاطرة رهاناته السياسية المحلية والوطنية، حيث حوّل هذا الحي الشعبي المقترن اسمه بالفقر والجريمة وأخبار الفضائح والاتجار في المخدرات… إلى قبلة للفاعلين المدنيين والاقتصاديين، خاصة منهم المنتسبون لمدينة فاس. وكان من بين أولى ثمار هذا الرهان، تقديم قطعة أرضية لمؤسسة الجامعي للأعمال الاجتماعية، كي تشيّد عليها أحد أول نماذج التعاون بين القطاعين العام والخاص، وهو المعهد المتخصص للتكوين في مهن العمل الاجتماعي.

"كل الشكر للحاج أحمد الجامعي الذي بفضل دعمه استطاع المعهد تحقيق أهدافه من توفير كفاءات مجهزة في مجال الخدمات الموجهة للأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، وأنوه بدعم أطراف أخرى منها مجلس مدينة فاس"، يقول مدير المعهد جواد بوصفيحة، خلال حفل تخرّج فوج السنة الماضية من متدربات المعهد، صبيحة يوم الجمعة الماضي. خصوصية المؤسسة تتمثل في الأطراف المجتمعة فيها، حيث اكتفى المكتب الوطني للتكوين المهني، بالإشراف الإداري والبيداغوجي على المؤسسة، موفرا له الأساتذة والمكونين المختصين في المعارف الأساسية. فيما فتح وجود القطاع الخاص ضمن المساهمين في المشروع، الباب أمام إمكانية الاستعانة بخبرات وكفاءات أجنبية، تجعل من "شقتين" شبيهتين بأي بيت مغربي داخل المعهد، إلى فضاء للتدريب والتكوين في مجال المساعدة الاجتماعية، بالإضافة إلى مطبخ كامل التجهيز، وقاعة للمعلوميات.

 

إسعافات طبية

"أنا أتولى تقديم حصص في تقوية وتطوير القدرات الذاتية للمتدربات، حيث إن المطلوب منهن ليس حفظ وتعلم بعض التقنيات والمعارف، بل التوفّر على شخصية مؤهلة لدعم ومصاحبة المشغّلين، لكنني حضرت حصصا رأيت فيها كيف أن المتدربات تتلقين حصصا كما لو كنّ سيتخرّجن كممرضات، بما فيه التنفّس الاصطناعي والإسعاف ومساعدة المعاقين…"، تقول إحدى أستاذات المؤسسة.

انطلق العمل في هذه المؤسسة التكوينية عام 2006، وبعدما كانت المتخرجات في السنوات الاولى، تحصلن على شهادة غير معترف بها، نال المعهد مصادقة السلطات الوصية على تكوينه، لتصبح خريجاته حاملات لدبلوم رسمي. ورغم التنوع الذي باتت عليه شعب التكوين في المعهد، إلا أن ميزته ظلت هي تخريج مساعدات في الشؤون الاجتماعية والتربوية، تلقين تكوينات في اللغات والمساطر الإدارية البسيطة وكيفية إعداد الملفات والتعامل مع الإدارات والمؤسسات التي قد تحتاجها بعض الفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين. "يمكنني مثلا أن أعفي ربّ البيت من كل ما يتعلّق بأداء الفواتير وتدبير الاشتراكات الخاصة بالهاتف والإنترنيت والماء والكهرباء، وربط الاتصال بالجهات المختصة لإصلاح أي عطب. وترتيب مواعيد زيارة الطبيب مثلا، وسياقة السيارة بنفسي لاستقدامه أو أخذ المريض إليه، واقتناء احتياجات البيت من السوق…" تقول إحدى خريجات المعهد.

"لقد تم التعاون مع أخصائيين نفسيين وصحيين وتربويين، وساهم المعهد في تزويد سوق الشغل ب1800 خريجة حتى الآن، ونحن اليوم نحتفل بتخرج 72 خريجة جديدة في مختلف شعب المعهد"، يقول مدير المؤسسة جواد بوصفيحة. هذا الأخير يضيف أن الأمر يتعلّق بشراكة متميزة مع مكتب التكوين المهني، "من خلال مقاربة جديدة تهدف إلى تنمية الطاقة الاستيعابية للمكتب وإحداث مؤسسات جديدة في أفق بلوغ مليون متدرب ومتدربة، وتقوية الشراكة مع المؤسسات العمومية والخاصة والنسيج الجمعوي…". فيما اعتبرت إحدى خريجات هذه السنة، في كلمة ألقتها باسم زميلاتها، أنهن "طالبات محظوظات بولوج هذا المعهد وتلقي تكوين على يد متخصصين، بل تلقينا دعما معنويا وعطفا أبويا على يد إدارة أفادتنا بإرشاداتها، وكانت خير سند في تحركاتها في الدروس او التداريب".

 

سائقات أيضا

"يتميز هذا المعهد بتخصصه في المهن الاجتماعية، وليس المهن الحرفية المعروفة في مجال التكوين المهني مثل النجارة والحدادة وغيرهما، هذه مهن اجتماعية، وهو ما نوجّه إليه نصف  أو أكثر من نص فالمتدربات المسجلات في هذا المعهد"، يقول إسماعيل الجامعي، نائب رئيس مؤسسة الجامعي للأعمال الاجتماعية. هذه الأخيرة تقدّم الدعم المالي الذي يجعل هذه المؤسسة مختلفة عن باقي معاهد التكوين المهني، حيث يتردد على المؤسسة خبراء ومكونون من خارج كفاءات مكتب التكوين المهني، ويستفيد هؤلاء جميعا من تحفيزات مادية، بالإضافة إلى تمويل كلفة حصول المتدربات على رخصة السياقة، ليكون المنتوج النهائي شخصية قادرة على الدعم والمساندة والقيام بالأعباء.

 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي