في خطوة لتفادي أي مفاجآت من شأنها أن تحول دون تحقيق هدف الحكومة تخفيض عجز الميزانية من 7,5 في المائة إلى 5,5 في المائة، وتثير بالتالي غضب المؤسسات المالية الدولية، سارع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، إلى اتخاذ إجراءات احترازية قبل شهرين لضبط نفقات الدولة خلال نهاية هذه السنة حتى لا ترتفع النفقات بشكل مفاجئ مثلما وقع السنة الماضية، حين أدى الخازن العام للمملكة مبلغ 5 ملايير درهم للشركات البترولية في إطار نظام المقاصة، ما رفع عجز الميزانية إلى أزيد من 7 في المائة.
أهم إجراء أقدم عليه بنكيران هو عقده لاجتماعات مع الوزراء الذين يدبرون قطاعات تحظى مجتمعة بحوالي 80 في المائة من ميزانية الاستثمار، مثل وزارات الداخلية، الفلاحة، والتجهيز والنقل، وغيرها، حيث طلب رئيس الحكومة من الوزراء عدم إصدار أي أداءات خلال شهر دجنبر الجاري، وتأجيل ذلك إلى بداية السنة المقبلة، حتى لا يظهر ذلك على مستوى عجز الميزانية، كما طلب بنكيران من الوزراء الاتصال بمصالحهم الخارجية من أجل الالتزام بهذا القرار. ثاني إجراء قام به بنكيران هو عقده لقاء مع نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، حيث طلب منه بدوره ألا يصدر أي أداءات خلال شهر دجنبر، وأن يعطي تعليماته إلى المصالح الخارجية للخزينة للامتثال لهذه التعليمات، وهي خطوة يسعى بها بنكيران إلى تفادي المفاجأة التي حدثت السنة الماضية حين أدى الخازن العام 5 ملايير درهم للشركات البترولية، ما فاقم العجز المالي إلى أكثر من 7 في المائة. ليس هذا فحسب، بل إن بنكيران طلب من القطاعات الوزارية المذكورة أن تتوقف عن إعلان أي طلبات عروض في إطار تنفيذ ميزانية الاستثمار بدءا من شهر أكتوبر الماضي.
مصادر من وزارة المالية بررت الإجراء المتعلق بتوقيف تنفيذ صفقات ميزانية الاستثمار في أكتوبر بكون نسبة إنجاز ميزانية الاستثمار وصلت إلى حوالي 70 في المائة، وهو رقم «قياسي»، حسب تعبير المصدر، الذي أشار إلى أنه رغم تخفيض 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار سنة 2013، فإن نسبة الإنجاز تبقى مرتفعة وتوازي المعدلات الإيجابية المسجلة في السنوات الماضية.
وأشار المصدر إلى أن الحكومة تسعى إلى وقف سلوك بعض القطاعات الوزارية التي تبرمج صفقات واعتمادات في نهاية السنة، ما يربك حسابات الحكومة. وبخصوص وقف الأداءات في دجنبر، أشار المصدر إلى أن القطاعات الوزارية المعنية تتواصل مع مصالحها الخارجية بخصوص تأخير الأداءات إلى شهر يناير. وسألت «أخبار اليوم» وزير السكنى وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله، عن هذا الإجراء، فرد بأنه كان مسافرا خارج المغرب ولم يحضر مجلسين للحكومة، نافيا أن تكون وزارته معنية بإجراء من هذا النوع، قائلا: «لدينا أداءات مستعجلة نسعى إلى تسريعها في القريب».
وكان حكيم بنشماس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس المستشارين، قد وجه انتقادات حادة إلى الحكومة الأسبوع الماضي حول قرار وقف الأداء بالنسبة إلى المقاولات التي تتعامل مع الدولة خلال شهر دجنبر، وقال، في جلسة لمجلس المستشارين، إن هذا القرار من شأنه التأثير على التنمية الاقتصادية بالمغرب، مشيرا إلى أن الولاة والعمال تلقوا مذكرة تدعوهم إلى عدم إصدار أي أداءات للمقاولات خلال شهر دجنبر. وعلق مصدر مقرب من الحكومة على موقف بنشماس بالقول إنه «من الطبيعي أن يراسل وزير الداخلية الولاة والعمال حول وقف الأداءات خلال دجنبر مثلما فعل وزراء آخرون مع مصالحهم الخارجية».
وكانت الحكومة قد اتخذت عدة إجراءات لتخفيض عجز الميزانية، الذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 7,5 في المائة، ما شكل تهديدا لصورة المغرب لدى المؤسسات المالية الدولية، أولى تلك الإجراءات تمثلت في تخفيض ميزانية الاستثمار بـ15 مليار درهم، بمرسوم، وثانيها، اعتماد نظام المقايسة بقرار، في ما يخص ثمن البنزين والغازول، ما أدى إلى رفع أسعار هاتين المادتين. ثالث الإجراءات تمثل في تشديد المراقبة على نفقات صندوق المقاصة من خلال التعاقد مع مكاتب خارجية لضبط اختلالات الصندوق الذي كان يؤدي نفقات بناء على تصريحات الشركات وفواتيرها غير المضبوطة. رابعا، وقف الصفقات في أكتوبر وعدم الأداء في دجنبر، لكن هذه المرة لم يصدر رئيس الحكومة أي مرسوم، فهل تنجح كل هذه الإجراءات في وقف العجز المقلق؟