الذي يناقش هذه الأيام في الغرفة الأولى، وذلك لوضع حدود ومتاريس في وجه الوزراء وكبار المسؤولين حتى لا يخلطوا بين المال والسلطة، والبزنس والسياسة.
عبد الله بها، الذي يوصف بـ«ضابط الإيقاع السياسي» لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، رفض هذا التعديل بشدة وقال: «ليس مجال هذا القانون الفصل بين الثروة والسلطة، ثم إننا في المغرب لنا خصوصية لا توجد في الغرب حيث الديمقراطية مبنية على الصراع وليس على المنافسة، ثم إن إعمال الفصل بين الثروة والسلطة من شأنه أن يبعث الحقد على الأغنياء في المجتمع المغربي».
كنت دائماً أرى أن السيد عبد الله بها واحد من زعماء التيار المحافظ في حزب العدالة والتنمية والحكومة، وأنه من الذين ينظرون لهذه المحافظة، حتى وإن كانت تضر بالإصلاح، لأن عقله مشغول إلى أعمق خلية فيه بالتطبيع مع السلطة وليس تغييرها، لكن لم أكن أتصور أن المحافظة السياسية للسيد بها، الذي له تأثير كبير على رئيس الحكومة، يمكن أن تقوده إلى حد تبرير أحد أسس الاستبداد والفساد والاحتكار، وهو الخلط بين الثروة والسلطة، وأن يصير عبد الله بها واحدا من منظري تيار الجمود السياسي الذي سيرجع بنا إلى الوراء باسم الخصوصية تارة، واسم الدين أخرى.
الفصل بين الثروة والسلطة أحد مقومات النظام الديمقراطي العصري، لأن الجمع بين الاثنين فوق هذه الأرض يضر بالمصلحة العامة، ولأن البشر بشر وليسوا ملائكة، لأن التاجر أو رجل الأعمال أو صاحب الشركات إن وضعت في يده السلطة فإنه سيخلط بين الاثنين، وسيضر بالسلطة والمنافسة والشفافية وقواعد اللعب النظيف في سوق التجارة والصناعة والخدمات والاستيراد والتصدير، وهذا يضر بالديمقراطية في نهاية المطاف، والأمثلة كثيرة أمامنا ويعرفها بنكيران وصاحبه بها جيدا.
في أوربا وأمريكا والدول المتقدمة وضعوا الحدود ونقاط التماس بوضوح منذ قرنين، واشترطوا الفصل بين الثروة والسلطة، فمن يسعى إلى شرف الخدمة العمومية عليه أن يتخلى عن طموح كسب الذهب والمال في فترة ولايته أو حكمه أو سلطته، ومن يسعى إلى متاع الدنيا، وهذا حقه، فمن الواجب أن يزهد في الثروة والجري وراءها على متن عربة السلطة. ملكة بريطانيا واحدة من الملوك الأغنياء في العالم، لكن ثروتها موجودة في أسهم في البورصة تصعد وتنزل حسب قانون السوق، ولا تملك أن تتدخل فيها، وعقارات معروفة تؤدي الضرائب عنها، والملكة لا تسير شركة ولا تعين مديرا عاما ولا تنافس أحدا في السوق أو البنوك أو الصفقات، ثروتها تدار بعيدا عن سلطتها.
هذا التراث الإنساني الحي يعتبره السيد بها ثقافة غربية لا علاقة لها بخصوصيتنا المغربية، ومشروع المغرب الممتد إلى 12 قرنا مضت، والذي تذكره السيد بها يوم اتهم الخصوم حزبه في مناخ الخريف العربي بأن له مشروعا إخوانيا، فرد عليهم «الحكيم» بأن المغرب لا يحتاج إلى مشروع جديد فلديه مشروع منذ 12 قرنا. أي مشروع هذا يا سيد بها؟ مشروع كان بمقتضاه المغرب مفككا جل الوقت، مليئا بالتخلف والفقر والمجاعة والحروب والقرصنة، إلى أن دخل الاستعمار إلى البلاد بعد فشل كل مشاريع الإصلاح، وهزم الجيش الضعيف وجعل من النخبة المخزنية وجل العلماء والزوايا والقياد والأعيان أداة طيعة لاستغلال البلاد وقمع شعبها، وبقية القصة معروفة. عن أي مشروع مجتمعي يتحدث السيد بها منذ 12 قرنا.
لنرجع إلى التراث الإسلامي الذي ينتمي إلى السيد بها وحزبه منذ 12 قرنا، كيف فكر المسلمون في الفصل بين الثروة والسلطة حتى قبل قيام الدولة الحديثة؟ إليكم هذه القصة من التراث الإسلامي.
عن عطاء بن السائب قال: «لما استخلف أبو بكر توجه إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا من بيت مال المسلمين، فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة. وكسوة من الرأس إلى الرجل».
عمر، بجرأته واجتهاده وفطرته السليمة، فهم أن دخول خليفة المسلمين إلى السوق أمر لا يستقيم، وأن قواعد المنافسة ستمس حتى وإن لم ينو رئيس الدولة ذلك، ولهذا قال له إن بيت مال المسلمين سيصرف له أجرة مقابل أن يتفرغ للحكم.
أن يرفض عبد الله بها النص على فصل السلطة عن الثروة في الوقت الذي يتجه الملك إلى الابتعاد عن إدارة ثروته، حيث شرع الهولدينغ الملكي منذ 3 سنوات في الانسحاب التدريجي من مراقبة عدد من الشركات من قبل «sni»، واتجه رئيس الدولة إلى فرض الضريبة على الفلاحة رغم أنه المعني الأول بها، فهذا يعطي فكرة عن الاتجاه الذي تقودنا إليه الحكومة، وكيف أنها لا تريد أن تتحمل عبء الإصلاح فقط، ولكنها تضع الفولاذ في رجل المغرب بتحالفها غير المعلن مع تيار الجمود في الدولة، وكل هذا خوفا على بيضة التوافق…