قواعد التحالف السياسي.. درس من ألمانيا

17 ديسمبر 2013 - 14:38

 بعدما تمكنت من إقناع خصمها الاشتراكي بالدخول إلى الحكومة الجديدة، على أرضية اتفاق سياسي بموجبه تنازل الطرفان، المحافظ المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، عن بعض شروطهما وبرامجهما ووعودهما من أجل ضمان الخروج من أزمة سياسية كبيرة بعدما لم تتمكن ميركل من الحصول على أغلبية مطلقة في آخر انتخابات عامة نظمت في شتنبر الماضي.

كيف وصلت ميركل إلى اتفاق مع الاشتراكيين؟

أولا، قرار التحالف لم تتخذه قيادات الحزبين في الغرف المغلقة، بل اتخذ في المؤسسات الحزبية الأوسع داخل الحزبين. لقد جرى التصويت داخل الحزب المسيحي الديمقراطي وداخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على قرار التحالف، وكانت هناك بدائل على طاولة كل حزب. هناك من كان ينادي بالرجوع إلى الناخب مرة أخرى في الحزب المسيحي المحافظ والدعوة إلى انتخابات جديدة بحثا عن أغلبية واضحة، وهناك من كان ينادي بالتحالف بين الخضر واليسار الراديكالي داخل الحزب الاشتراكي لإبعاد ميركل عن الحكم. وكان الخوف من أن تذهب أصوات الشباب إلى الخيارات الراديكالية، لكن القادة تمكنوا في كلا الحزبين من الدفاع عن قرار التحالف بين الحزبين الكبيرين، وتقديم برنامج الممكن سياسيا واقتصاديا.

ثانيا، طيلة شهرين ظلت المفاوضات جارية حول البرنامج الحكومي وليس حول الحقائب الوزارية. فهذه الأخيرة لا تتعدى 12 حقيبة في ألمانيا، أهمها المالية والدفاع والخارجية، وطبعا رئاسة الحكومة التي تدير العملية برمتها. وهكذا جرى تقريب الشقة بين برنامج محافظ لميركل يرفض زيادة الضرائب على الأغنياء، أو تدخل الدولة في حياة الناس حتى ولو كان تدخل نبيل من أجل المزيد من حماية البيئة على الشركات، برنامج يتحمس كثيرا لحمل أعباء ديون الاتحاد الأوربي والتضحية من أجل الأورو من أجل عودة ألمانيا إلى الساحة الدولية من بوابة اقتصاد أوربي قوي.

في المقابل، ينادي الاشتراكيون بفرض ضريبة جديدة على الأغنياء، وتحديد حد أدنى لأجرة العمال في حدود 8.5 أورو للساعة، في حين أن هناك من يدفع الآن للعمال 3 أورو للساعة في بعض الشركات والمعامل والمقاولات، كما أن الاشتراكيين متخوفون من المغامرة مع اقتصاديات أوربا المأزومة، ويطالبون بالحذر من أمراض منطقة الأورو وبنوع من الحذر قبل الخروج إلى الساحة الدولية.

في النهاية، وصل الحزبان إلى اتفاق وسط في الكثير من القضايا، وأهمها الضريبة على الأغنياء، حيث جرى استبعادها من البرنامج الحكومي، وفي المقابل جرى تحديد حد أدنى للأجور لم يكن موجودا، وتم اعتماد 8.5 أورو للساعة…

في باقي النقط الخلافية جرت توافقات كثيرة، وتم اعتماد حلول وسطى لبعض أكبر المشاكل، بحيث لا تحرج الحزبين مع جمهورهما…

هل سمعتم عن فحوى مفاوضات أحزاب حكومتنا حول البرنامج قبل دخولهم إلى الوزارات؟ هل تعرفون ما الفرق بين برنامج بنكيران ومزوار وشباط وامحند العنصر، هذا الرجل الهادئ الذي خرج من الداخلية لأسباب مجهولة إلى ربع وزارة اقتسمها مع نبيل بنعبد الله في حكومة تتألف من 39 وزيرا يصعب على بنكيران استظهار أسمائهم…

لا أريد أن أقارن بلادا غربية رقم معاملات شركة «فولسفاغن» فيها أكبر من ميزانية المغرب مرتين، لكننا نعيش في عالم واحد، ووسائل الإعلام تفرض المقارنة حتى مع وجود الفارق، وأي فارق! لا نطلب حياة سياسية في المغرب مثل ألمانيا، لكن لا نقبل حكومة الـ39 وزيرا بلا برنامج ولا رؤية ولا منطق ولا حتى انسجام مع دستور قيل إنه جديد.

لا نطالب بحياة سياسية مرفهة لكن نطلب السميگ السياسي في أجواء مملوءة بخطابات الإصلاح.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي