صفحة جديدة بين الرباط والدوحة.. أمر ممكن

27 ديسمبر 2013 - 14:24

 الأمير يعرف جيدا البلد من أحد الأساتذة المغاربة البارزين الذين كانوا ضمن الطاقم المشرف على تتبع دراسته منذ نعومة أظافره.

هذه بداية جيدة لفتح صفحة جديدة في علاقة المغرب وقطر. بعد أن طالت حالة سوء الفهم في السابق لاعتبارات سياسية وحتى شخصية بين القصر الملكي بالرباط والقصر الأميري في الدوحة، قبل أن يأتي الذي تنازل لابنه عن الحكم هذه السنة، وفضل الرجوع إلى الوراء في سابقة من نوعها داخل بيوت الحكم العربي…

ما الذي كان يصنع سوء الفهم بين الرباط والدوحة؟ وما الذي كان يمنع من تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين البلدين؟

أولا: هناك «التحالف المغربي السعودي»، وهو تحالف قديم ووثيق، لكن مشكلة الرباط والدوحة والرياض أن هناك خلطا تسرب إلى علاقة الرباط والدوحة من ثقوب الخلافات السعودية-القطرية، وهي خلافات معقدة تاريخية وحدودية وقبلية وسياسية وحتى شخصية، كان على الرباط ألا تترك أمواجها تصل إلى الرباط.

يمكن للمغرب أن يحتفظ بعلاقات مثالية مع الرياض، وفي الوقت نفسه أن يطور علاقات التعاون والمصالح المتبادلة مع الدوحة دون أن تكون هذه على حساب تلك… ولهذا وُجدت الدبلوماسية من أجل أن تمشي المصالح على البيض دون أن تكسره.

ثانيا: قناة الجزيرة المثيرة للجدل تحولت إلى عود ثقاب يشعل النيران في جلباب العلاقات المغربية-القطرية، بين الحين والآخر، وهنا لا بد من توزيع المسؤولية على البلدين. قطر لا يمكن أن تقنع أحدا بأن بلاتوهات الفضائية الأشهر في العالم العربي تتمتع باستقلالية كاملة عن وزارة الخارجية القطرية، والمغرب لا يمكنه أن يبقى مصابا بحساسية اسمها قناة الجزيرة.

للقطريين نقول مرحبا بالإعلام الحر والمهني والمستقل، لكن لا لاستفزاز المغرب في موضوع واحد هو الصحراء، والباقي كله مقبول. لن تكون نشرات الجزيرة المسائية أكثر إيلاما من قصاصات وكالة الأنباء الفرنسية من الرباط، أو تقارير فرانس24 من باريس… ثم قبل هذا وبعده، لا يجب على المسؤولين في قطر والمغرب أن يتحاوروا على أمواج البث القضائي. هناك قنوات دبلوماسية مخصصة للحوار وللنقاش وحتى للعتاب.

ثالثا: الربيع العربي الذي وجد صدرا رحبا لدى حكام قطر لاعتبارات جيو-استراتيجية كبيرة، جلها يتصل بالخلافات السعودية القطرية، وتطلع الإمارة الصغيرة إلى لعب دور أكبر في خريطة ما بعد الربيع العربي. هذا التوجه من إمارة قطر أزعج الرباط كثيرا، خاصة أنها ترى كيف تحول الود بين حكام قطر وحاكم دمشق إلى عداء كبير، وكيف تحولت قطر إلى رأس حربة لإسقاط بشار الأسد…

إن اتجاه  قطر إلى تسليح المعارضة السورية، وقبلها الليبية، وإقامة علاقات متشعبة مع الحركات الإسلامية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، كل هذا جعل الأنظمة التقليدية العربية تخافها وتشك في تحركاتها. إن السؤال الأكثر ترددا في القصور العربية اليوم هو: هل الابن تميم سيغير سياسة الوالد حمد؟ وهل ستهدئ قطر من وتيرة اللعب الإقليمي والدولي؟

الرباط تحتاج إلى أن تعرف الجواب.. وآنذاك يمكن وضع تصور متكامل للتعاون بين الإمارة والمملكة. هناك ملفان على قدر كبير من الأهمية يمكن تطوير الشراكة الاستراتيجية عن طريقهما: التعليم والأمن الغذائي…

هندسة المستقبل تبدأ بربح رهان التعليم، وفي قطر اليوم مشاريع كبيرة لتطوير التعليم والبحث العلمي وبنياته الأساسية ودعائمه الحديثة، وفي المغرب كفاءات ورأسمال بشري كبير يمكن أن يفيد ويستفيد من هندسة المستقبل في ورش التعليم.

الأمن الغذائي أو الحفاظ على البيئة والطاقات المتجددة أحد الأوراش التي يمكن أن تبنى فوقها مشاريع استراتيجية بين المغرب وقطر، حتى نخرج من إطار العلاقات التقليدية التي كانت تنظر إلى البلدين بنظارات المساعدات المالية أو المحفظة الاستثمارية…

بين القائدين الشابين قواسم مشتركة يمكن أن تساعد على إقامة علاقات نموذجية بين بوابتين عربيتين، الأولى مفتوحة على إفريقيا وتطلع على أوربا، والثانية مفتوحة على آسيا وتطل على عمق الشرق، حيث تدور اليوم حروب اقتصادية وسياسية واستراتيجية بين القوى الكبرى.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي