بنكيران لم يعجبه هذا الوصف ولا الناطق باسم حكومته، إذن، ماذا سنسمي السنة التي نودعها هذه الأيام، سنة 2013؟
لنترك تسمية السنة إلى النهاية، ونحاول أن نستعرض بسرعة حصيلة سنة كاملة من التجربة السياسية الحالية. بنكيران ركب سنة 2012 على ظهر الربيع العربي، الذي حمله إلى السلطة في سابقة لم تكن متوقعة على الإطلاق، مثله مثل محمد مرسي في مصر وراشد الغنوشي في تونس، لكن مرسي جاء إلى السلطة على ظهر جمل صعد بسرعة وسقط بسرعة، وكان ارتطامه بالأرض قويا ودراماتيكيا. الغنوشي جاء على ظهر ثور، وإذا لم يسقط إلى الآن من فوقه، فإن الارتدادات القوية التي يتعرض لها إذا لم تسقطه فلن تتركه يركز على شؤون الحكم، أما بنكيران فجاء على ظهر حمار صغير إلى السلطة، سرعته على «قد الحال»، وارتداداته صغيرة أيضاً. حاول شباط أن يسقطه من على رأس الحكومة لكنه فشل، ووجد بنكيران أهداب العرش متدلية فأمسك بها وانحنى للعاصفة حتى تمر. بحاسته البراغماتية علم أن الربيع العربي انقلب إلى خريف، وأن العودة من الموسم سالما وحتى بدون غنيمة أهون من ركوب الأهوال. هذه السنة تغيرت خارطة طريق بنكيران وحزبه، لم يعد الهدف هو محاربة الاستبداد والفساد، وتنزيل الدستور الجديد ديمقراطيا، وإصلاح شؤون الدولة حتى تستطيع أن تتكيف مع شروط الحكم الديمقراطي الجيد، صارت الأجندة هي حماية المصباح من العواصف والأعاصير القادمة، وربح رهان التطبيع مع الملكية، ولهذا قال بنكيران في البرلمان هذا الأسبوع: «أنا لم أرفع الراية البيضاء، لكن أصبحت في موقع الدفاع، والفساد قوي في هذه البلاد، له أنصار ومؤيدون».
بأي ثمن استطاع بنكيران أن يحافظ على كرسي الوزارة؟ هذا هو السؤال الذي سيتضح الجواب عنه في هذه السنة التي ستكون حاسمة في مستقبل الحكومة والحزب والبلاد…
2013، إذن، كانت سنة فقد فيها حزب العدالة والتنمية قوة الموج الذي كان يدفعه إلى الأمام، وإذا نحج في الحفاظ على رأسه، فإنه فقد الكثير من إشعاعه بعد أن وضع يده في يد حزب الزرق الذي يتلون مع كل مرحلة، ويلعب دور الجوكير الملكي الذي يكمل التشكيلات الحكومية المرغوب فيها…
2013 تغير فيها المناخ السياسي الدولي، وأصبح الإسلاميون ضيفا ثقيلا على الحكومات، وحاول بنكيران أن يغض الطرف عن صلاحياته الدستورية، وأن يقبل باقتسام سلطاته، لكن أحدا لا يعرف هل هناك حد لتنازلاته أم لا.
2014 هي سنة الاستعدادات لانتخابات 2015 الجماعية، وفيها سترسم خارطة انتخابات 2016 التشريعية، لهذا فإن هذه السنة ستكون حاسمة ومصيرية، وفيها سترسم المسودة الأولى لسيناريو الحكومة القادمة.
في الخلوة التنظيمية والسياسية التي أقامها حزب المصباح في المعمورة قبل أسابيع، تدخل أحد قادة الحزب ووزرائه وقال لإخوانه: «إن أمامنا 2014، إما أن ننجز فيها ما وعدنا به ونفتح الأوراش الكبرى للإصلاح، وإما أن نغادر الحكومة، ليس لنا من مهمة في حكومة لا تنجز شيئا».
هذه الخلاصة تكشف حساسية السنة المقبلة، وإذا كان الحزب الذي يقود الحكومة لا يتوفر على برنامج اقتصادي كبير وجريء يستطيع أن يحدث الفرق في حياة الناس، فإن المعركة السياسية هي الوحيدة التي ستبقى أمام قادة المصباح، وسيسعى إلى تحقيق النقط فيها خلال هذه السنة، لهذا سنرى معارك كبيرة السنة المقبلة حول القوانين الانتخابية وحول قوانين الجهة وحول قوانين إصلاح العدالة…
في السلطة ومربعها الضيق لا يريدون للحكومة أن تنجح ولا أن تفشل. النجاح يعني زيادة أسهم الحزب الإسلامي في الشارع الانتخابي، والفشل يعني انزلاق البلاد إلى الأزمة أو السكتة القلبية، لهذا فان هناك مواكبة يومية ومعالجة دقيقة للعمل الحكومي، حتى لا يخرج عن إطار مرسوم بعناية. لم يفلح بنكيران، رغم تنازلاته، في إقناع السلطة بصيغة «رابح رابح»، مازالت الدولة ترى في ربح المصباح خسارة لها، والعكس صحيح، وهذا سوء فهم كبير لم تفلح الأطراف كلها في تجاوزه، وسيدفع الجميع ثمنه، بما في ذلك المعارضة التي أصبحت تكيف عملها على نتائج سوء الفهم بين الإسلاميين والدولة، ولهذا فإنها تستعجل الاصطدام، وتحاول أن تجر الحكومة ورئيسها إلى الصراعات الإيديولوجية والحروب السياسوية.