زهور الياسمين تتفتح من جديد

11 يناير 2014 - 17:19

 فبعد ثورتها الكبيرة على دكتاتور قرطاج قبل ثلاث سنوات، ها هي تقدم نموذجا فريدا في التوافق على خارطة طريق للعبور نحو الديمقراطية، بين الإسلاميين والعلمانيين، بين المحافظين والليبراليين عنوانها عفا الله عن ما سلف من صراعات إيديولوجية وحروب فكرية. 

أول أمس، قدم علي العريض استقالته من رئاسة الحكومة رغم أن حزبه يملك 89 مقعدا في المجلس التأسيسي، وكتلته البرلمانية تمتلك مع حلفائها الأغلبية، إلا أن منطق التوافق والتراضي غلب منطق الأغلبية والأقلية، لأن البلاد تمر بمرحلة حرجة بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت رموزا يسارية، وكان الهدف منها اغتيال مشروع الانتقال نحو الديمقراطية عن طريق جر الفرقاء إلى حرب إيديولوجية ودينية طاحنة تجهض آمال الثورة وتعيد فلول الأنظمة السابقة إلى السلطة. 

يوم أمس، قال راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي، عقب استقالة رئيس الحكومة: «لقد تخلينا عن الحكومة والسلطة لأن تونس فوق كل شيء. إن خيارنا الأساس هو خدمة الديمقراطية ووضع البلاد على سكة انتخابات حرة ونزيهة». إنها عملية نادرة أن تسلم الأغلبية السلطة لحكومة «تقنوقراط» والبلاد على أبواب انتخابات جديدة. هذا معناه أنك تتخلى عن أسلحة مشروعة قبل دخول معركة كبيرة.

حزب النهضة في تونس حزب إسلامي معتدل ومنفتح حتى أكثر من إسلاميي المغرب. هذا ليس جديدا عليهم. منذ الثمانينات وهم يخوضون سلسلة مراجعات فكرية وإيديولوجية إلى أن وصلوا إلى القبول بالتنازل عن مطلب تطبيق الشريعة في برنامجهم الانتخابي ومشروعهم الحزبي، وها هم الآن يشاركون في وضع دستور جديد للبلاد في المجلس التأسيسي على قاعدة التوافق وإبعاد المطالب الإيديولوجية المثيرة للجدل، والقبول بدولة مدنية ديمقراطية بها من سمات «العلمانية» أكثر مما بها من ملامح الدولة الإسلامية. أول أمس جرى التوافق على الفصل 45 من الدستور الذي يقول: «تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، وتعمل على دعمها وتطويرها، وتضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات».

جميع التونسيات يعرفن أن حقوقهن المكتسبة مدونة في مجلة «قانون» الأحوال الشخصية، التي صدرت سنة 1956 في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، وفيها ألغي التمييز بين الرجل والمرأة، وجرم تعدد الزوجات، والزواج العرفي، وإكراه الفتاة على الزواج من قبل ولي أمرها، كما جعلت المدونة التونسية الطلاق في يد القضاء. قبل الآن بسنتين كان راشد الغنوشي قد أضفى «الشرعية» على هذا القانون عندما قال: «إننا في النهضة نعتبر مجلة الأحوال الشخصية اجتهادا إسلاميا»..

هذا التوافق بين العلمانيين والإسلاميين على أرضية ديمقراطية هو أجمل هدية تقدمها الأحزاب للشعب التونسي. قطعا، بنعلي سيكون حزينا ومضيفوه في السعودية بهذا الإنجاز.. بعد أن انقلب الربيع العربي إلى خريف في مصر، فيما المغرب مازال يتأرجح بين وضع رجل في الربيع وأخرى في الخريف…

إن إدارة المرحلة الانتقالية تقتضي التوافق، والتوافق يتطلب التنازلات المشتركة، وهذه الأخيرة تتطلب وعيا وفهما واستشرافا ذكيا للمخاطر الداخلية والخارجية التي تحيط بأي مشروع للانتقال الديمقراطي عربي.

قوى كبيرة في الداخل والخارج وأموال ضخمة ومخططات شيطانية تشتغل بالليل والنهار لتبقى الخارطة العربية صحراء قاحلة بدون ماء ولا خضرة ولا انخراط في العصر وقيمه، لهذا على الإسلاميين أن يتمسكوا بالديمقراطية وأن لا يغتروا بالأغلبية العددية التي بين أيديهم الآن.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي