بحلول الخميس 8 شتنبر تكون قد مرت سنة على الانتخابات التشريعية والجماعية التي شكلت منعرجا في الحياة السياسية لـ”البيجيدي”، فقد تراجع الحزب إلى الرتبة الثامنة بـ13 مقعدا بشكل مفاجئ، بعد تصدره المشهد السياسي منذ انتخابات 2011.. فكيف عاش “البيجيدي” هذه السنة؟ وما هي التحولات التي اعتملت داخله؟
تغييرات كبيرة عاشها الحزب منذ الانتخابات.. اسْتَقَالتْ أمانته العامة وعقد مؤتمر استثنائي، انتخب خلاله عبد الإله ابن كيران أمينا عاما بشبه إجماع. لكن ابن كيران ورث حزبا منهكا ومفككا وضعيفا، لم يستفق بعد من صدمة انتكاسته الانتخابية.
عدد من قيادات الحزب وخاصة الوزراء السابقون جمدوا نشاطهم داخل الحزب، رافضين الاشتغال إلى جانب ابن كيران، ودخل الحزب في ضائقة مالية أدت إلى تخليه عن عدد من مقراته وتسريح موظفيه.
عقب الإعلان عن النتائج، اعتبر “البيجيدي” أنها “غير مقبولة وغَيْر مَنْطقية ولا تعكس موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي”، لكن الحزب لم يجرؤ على الطعن سياسيا في هذه الانتخابات.
مباشرة بعد انتخابه، شكل ابن كيران فريقا جديدا غابت عنه الأسماء المعروفة من وزراء سابقين وآخرين ظل ينتقدهم في خرجاته عبر مقاطع فيديو لاختلافهم معه في عدة ملفات مثيرة للجدل تسببت في انقسام داخلي بـ”البيجيدي”منها قانون “فرنسة التعليم”، وتوقيع سعد الدين العثماني اتفاقية التطبيع مع إسرائيل وتقنين القنب الهندي، حيث هدد ابن كيران في حالة تصويت فريق حزبه في البرلمان على القانون الأخير بمغادرة الحزب.
مُصطفى الرميد الوزير السابق، كان قد أعلن الابتعاد عن الحزب قبل الانتخابات رافضا الترشح للانتخابات، وأعلن بعد ذلك اعتزال العمل السياسي الحزبي.
قيادات أخرى من “البيجيدي”اختارت دائرة الظل، مثل لحسن الداودي وعبد القادر اعمارة، ونجيب بوليف، أما عزيز رباح فأعلن تجميد نشاطه في الحزب، وأعلن تأسيس جمعية لم تظهر معالمها بعدما قال إنها “منظمة مدنية تنموية غير حزبية”.
فيما اختار كل من محمد يتيم ومحمد أمحجور التدوين على “فايسبوك” لتوجيه انتقادات مباشرة وغير مباشرة إلى ابن كيران.
ويرى عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس أن الحزب ارتكب أخطاء وأصابه نوع من الغرور فبات يثق في وفاء صناديق الاقتراع، معتقدا أن الناخبين سلموه شيكا على بياض، ولم يعد يولي الكثير من الاهتمام للتنظيم الحزبي، ولا لبعض المشاكل التي أثرت سلبا على الحزب من قبيل سلوكات خاصة وشخصية لبعض قيادييه، واتضح أن قيادته آنذاك لم تكن قارئة جيدة للتاريخ”.
ولعل النتيجة التي حصل عليها “البيجيدي”، يضيف قراقي “كانت في جزء كبير منها ترجع إلى قرارات اتخذها أو شارك فيها أثرت سلبا على مسيرته”.
وأضاف بأنه “إذا كانت أغلب القوى السياسية اجتمعت ضده في الانتخابات وتكتلت بغية إسقاطه، فأحيانا هو من سلم نفسه لقمة لخصومه فكانت النتيجة المعروفة”.
ارتكب “البيجيدي”، يتابع قراقي “خطأ جسيما على مستويين، أولهما عدم ترشحه في كل الدوائر المحلية خاصة على مستوى العالم القروي، ثانيهما قبوله بأن تجرى الانتخابات كلها في يوم واحد دونما القدرة على قراءة هل يمكن أن يؤثر ذلك على وضعيته”.
هذا الرأي تشاطره قيادات سابقة للحزب في حديثها لموقع “اليوم 24″، فقد “ارتكب الحزب أخطاء استراتيجية قاتلة في السنوات العشر الأخيرة، بسبب عدم استيعابه لبنية النسق السياسي المغربي، وعجزه عن إنجاز توافق تاريخي داخلي مما عمق انقسامه الداخلي، حيث أنه لم يدرك أن دورة إصلاحية من عمر الحزب قد اكتملت وحان الوقت لتسليم المشعل إلى الجيل الجديد”.
وهو ما يدعو إليه أستاذ العلوم السياسية، عبد العزيز قراقي بقوله، “إن الحزب بات مطالبا بأن يجدد نخبه وأن يعتمد أكثر على شباب قادر على انتقاد التجربة، وفي الوقت نفسه القيام بدور المعارضة، وأن يقدم نموذجا خاصا به على مستوى السلوك السياسي”.
“فمن يدري قد تهب رياح طيبة على شراع سفينته فيعود إلى الواجهة بشكل سريع؟ يتساءل قراقي، قبل أن يضيف سيما أن النتائج التي حصل عليها “البيجيدي”، في اقتراع 8 شتنبر حسب قيادي سابق “لا تبرر ما وصفه بـ”التكراط” الذي يضر بالحياة السياسية بالمغرب، ويكرس الأحزاب السياسية مجرد شركات للمناولة، عوض أن تكون شريكا في تدبير الشأن العام.
مسؤول سابق في لجنة الانتخابات التابعة للحزب، يرى أن جزءا مهما من الأصوات السياسية التي حصل عليها حزبه بعد الربيع العربي والتي كان لها أمل في الوعود الإصلاحية لما بعد خطاب 9 مارس ودستور 2011 فضلت عدم المشاركة في التصويت بسبب القرارات التراجعية من قبيل ما سمي إعلاميا ببلوكاج تشكيل حكومة ابن كيران ثم تعديل القاسم الانتخابي في حالة فريدة في العالم مما اعتبر تحكما مسبقا في نتائج العملية الانتخابية وبالتالي لا داعي للمشاركة فيها”.
من جهته يرى عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة للحزب أن القيادة الجديدة للحزب قامت خلال هذه السنة بإطلاق دينامية تنظيمية بإعادة هيكلة الكتابات الجهوية كلها وتجديد معظم الكتابات الإقليمية، مع المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية بكل من الحسيمة ومكناس وما رافقها من حملات انتخابية شارك فيها الأمين العام.
واعتبر حامي الدين أن الحزب يستعد لتنظيم عدد من المؤتمرات المتعلقة بهيئاته الموازية وعلى رأسها شبيبته التي ستنظم مؤتمرها نهاية الأسبوع المقبل.
وهذا لا يعفي حسب حامي الدين الحزب من “إطلاق نقاش سياسي داخلي بأفق وطني ديمقراطي، بغية تجديد أطروحته السياسية بناء على منطلقاته المذهبية ونطلاقا مما راكمه من خبرة واحتكاك بالتجربة الحكومية وبالتدبير العمومي”.