بعد جلسات مطولة خاضتها النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية “علينا” مع وزارة التربية الوطنية من أجل وضع الخطوط العريضة للنظام الأساسي الجديد لموظفي القطاع، بعد أن اختبأت الإطارات وراء الصمت طيلة فترة الحوار و كانت تكتفي بتقاسم –مشكورة على شفافيتها- صور مختلفة مع ” طباسل غْريبة”. إذ كان لزاما “البوح” بما يقترحه المسؤولون عن الشأن التعليمي و ما تقدمه النقابات المحاوِرة من بدائلَ .
كان رجال و نساء التعليم يتوقعون أن يحقق النظام الأساسي الجديد بعضا من “المكَيْسِبَاتِ” الجديدة لتجاوز الحيف الذي خلفه النظام السابق و ما نتج عنه من ضحايا، و مازالت تداعياته يؤدي ثمنها المشتغلون في القطاع؛ من أبزرها رفع الحيف عن أساتذة السلكين الإعدادي و الابتدائي في الدرجة الممتازة إسوة بباقي الأساتذة بنفس القطاع، زد على ذلكَ البحث عن حل نهائي لطي ملف الأساتذة المتعاقدين الذين يخوضون أشكال احتجاجية منذ إقرار نظام العقدة.
من بين النقاط التي أثارت الجدل و حركت وراءها الكثير من الانتقادات؛ منحة المردودية التي تتجه الوزارة إلى إقرارها في النظام الأساسي المقبل و المزمع الشروع في تطبيقه في بداية شهر شتنبر من السنة القادمة، و في غياب تصور واضح المعالم حول الكيفية التي سيتم الاعتماد عليها لاختبار عطاء الأساتذة و الأستاذات.
صعب أن “تصفي نيتك” في هذا القطاع الذي يتعرض “لبهدلة” مقصودة و حقيقية، فثمة أسئلة ملحة لابد من طرحها، هل يتم قياس مردودية موظفي القطاعات الأخرى الذين يشتغلون في ظروف أكثر أريحية و تُوَّفر لهم الإمكانات المناسبة لأداء المهمة المطلوبة أم أنَّ سيف المراقبة و المحاسبة مسلط على رقابنا؟ ففي متم كل موسم دراسي تحتفي وزارة التربية الوطنية بالنقط العالية و نسب النجاح المرتفعة في الأقسام الإشهادية، أليست هذه النتائج دليل واضح على مردودية و عمل نساء و رجال التعليم داخل أقسامهم رغم الظروف غير مناسبة؟ وهل تستوي ظروف العمل التي يشتغل فيها مدرس وسط الرباط و ظروف العمل التي يعمل فيها مدرس بجبال خنيفرة و أزيلال…؟
إن كانت هذه المردودية رهينة بما تحقق لدى المتعلم من كفايات مختلفة، و غير خاف الدور الذي يلعبه الوسط الأسري و الاجتماعي و البيئي في التأثير في أداء المتعلم خلال مساره الدراسي، هل تقارن مردودية مدرس يدرس تلاميذ في نواحي الرباط، مع مدرس يدرس تلاميذ بضواحي الحاجب و ميدلت… الذين ينحدرون من أوساط هشة.
من المضحك البحث عن المردودية في قسم يضم 45 متعلما ذوي مكتسبات معرفية مختلفة و خلفيات اجتماعية و ثقافية متنوعة، الأكثر إضحاكا هو البحث عن المردودية في أقسام متهرئة و نوافذ محطمة و كَراسٍ شاهدة على مختلف الحقب و معاصرة لكل الكوارت و المجاعات و المصائب، أما المضامين المدرسة فلازالت متمسكة بتلابيب الماضي.
ستتحول مدارسنا بلا شك إلى فرق و طوائف وملل، سيتحول العمل التربوي مرهونا بالسعي وراء منحة المردودية و ما تخلفه من فوضى و بهلوانيات و حماقات، فالمدرسة لم تخلق لهذه الغاية، بل هي فضاء يتلقى فيه المتعلم كل الكفايات التي تعنيه على مُجابهة كل الوضعيات الحياتية.
سنوات طويلة و تعليمنا يجر الخيبات، هل اختبرت مردودية الذين خططوا و هندسوا المخططات و البرامج…هل تعرضوا للمحاسبة مقابل المسؤولية المنوطة بهم، رغمَ ما يجنونه من امتيازات و منح سمينة أم أن الحلقة الأضعف في هذا القطاع هي التي يودون ” تعليقها بعد أن سقطت الصومعة”؟