ربيع التوحيد والاصلاح

11 أغسطس 2014 - 20:33

 أولاها، انتخاب مهندس شاب في المعلوميات على رأس الحركة، لا هو فقيه ولا هو خريج القرويين أو شعبة الدراسات الإسلامية في الجامعات المغربية، بل إنه كان، إلى حدود أول أمس، واحدا من المستشارين الأقربين إلى رئيس الحكومة في المشور السعيد، أي أنه كان قريبا من مطبخ الحكومة وتدبير إكراهاتها والاطلاع على ملفاتها المعقدة، وهذا ما سيفيده كثيرا في مهام قيادة حركة إسلامية دائماً كانت متهمة بالبعد عن الواقع وتغليب اليوتوبيا على الواقعية. انتخاب الشيخي كان الحسم فيه للشباب الذين مروا بأسرع مما ظن الكثيرون إلى الجيل الثاني في الحركة، وقفزوا، مثلا، على مولاي حماد بن عمر المعروف بنزوعه السلفي التقليدي، رغم أن هذا الأخير كان النائب الأول للحمداوي. هذا مؤشر على أن شباب الحركة يعي أكثر من غيره أن التوحيد والإصلاح في حاجة إلى دينامو تنظيمي، وإلى وجه معتدل مقبول في الساحة لقيادة الحركة نحو الخروج من قوقعة الإخوانية إلى رحابة العمل المدني المنفتح على كل القوى السياسية والاجتماعية. 

المفاجأة الثانية كانت انتخاب امرأة في قيادة الحركة، حيث بدأ عبد الرحيم الشيخي عمله من الساعة الأولى بوضع امرأة كنائب ثانٍ له، وهي المرة الأولى التي تصل فيها المرأة إلى منصب قيادي في الحركات الإسلامية في المغرب أو العالم العربي، وهذه ثورة صغيرة في فكر الإسلاميين لكنها مهمة وسيكون لها ما بعدها. إن من أكبر الأعطاب التي كانت لدى قوى الإسلام السياسي، هي نظرتها الجامدة إلى المرأة، التي كانت تسجنها في الأدوار التقليدية للبيت والعائلة، وحتى عندما فرضت المرأة نفسها في المجال العام ظل الإسلاميون يؤثثون بها الديكور أكثر مما يثقون في كفاءتها للقيادة.

المفاجأة الثالثة التي حدثت في مؤتمر الحركة هي الأجواء الديمقراطية التي مرت فيها الانتخابات والترشيحات، فإلى حدود ساعات قبل انطلاق عملية الترشيح والانتخاب لم يكن أحد يعرف أو حتى يتكهن بمن سيخلف الحمداوي على رأس الحركة، وحتى عندما انطلقت عمليات الترشيح والتداول والانتخابات المتتالية ظهر أن النتائج تتغير حسب القناعات والنقاش العام والتداول، وهذا يعني أن المؤتمرين كانوا يصوتون بقناعاتهم لا بتوجيه ولا بكولسة ولا بضغط من أحد، وهذا تمرين ديمقراطي مهم لا نراه كثيرا في المغرب وخاصة في مؤتمرات الكثير من أحزابنا وجمعياتنا. لقد جاء الشيخي في المرتبة الأخيرة في التصويت الأولي، ثم صعد إلى المرتبة الأولى في التصويت النهائي… 

المفاجأة الرابعة كانت هي دعوة الحمداوي إلى فكرة سبق للراحل محمد عابد الجابري أن دعا إليها قبل 20 سنة (الكتلة التاريخية بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين والعلمانيين والقوميين من أجل تأمين الانتقال الصعب نحو الديمقراطية)، وهو ما سماه الحمداوي كتلة الإصلاح الديمقراطي التي تجمع بين كل الساعين إلى بناء مجتمع ديمقراطي يقطع مع الاستبداد، وتتعاون فيه الإرادات الخيرة من كل الاتجاهات…

 نقرأ في الورقة الاستراتيجية التي صادق عليها المؤتمر كمنهج للعمل في المرحلة المقبلة ما يلي: «أثبت المنهج القائم على المشاركة والتوافق، لا المغالبة والتصادم، نجاعته وصموده في وجه جميع التحديات، وقدم إمكانية مغايرة لمآلات الربيع العربي، وأبان عن الدور المميز الذي يمكن أن تقوم به الحركة الإسلامية من خلال قيادة شراكة وطنية تنقل مشروع الإصلاح من قضية جماعة أو حزب أو طرف إلى قضية كل الغيورين وكل الفرقاء الجادين مهما تباينت مشاربهم وأطروحاتهم، أي التعامل مع الإصلاح وقيم الإصلاح وثقافة الإصلاح بوصفها قضية وطن ومشروع أمة، وليست مادة للتنافس السياسي أو الحزبي أو التباين الإيديولوجي أو الصراع الفكري». لو بقي الجابري، رحمه الله، حيا بيننا لصفق طويلا لهذه الفقرة، ولسعد بأن فكرته وجدت لها صدى ولو بعد 20 سنة…

طبعا كان من الممكن أن يحقق مؤتمر حركة التوحيد الإصلاح مكاسب جديدة، وأن يقطع حبل السرة بين الحركة والحزب، وألا يعيد انتخاب وزراء وقادة العدالة والتنمية في الأجهزة القيادية للحركة كعنوان على الانتقال من التمايز إلى الفصل الواضح بين الدعوي والسياسي، وكإشارة إلى تحول الحركة من جماعة أصولية دينية إلى حركة مدنية تدافع عن الأخلاق العامة والفردية واللغة العربية والقيم الإسلامية وقضايا الأمة العادلة، وتشتغل كجماعة ضغط على الحكومات والبرلمان والمؤسسات لدفعها إلى تبني مطالبها دون أن تمارس هي السياسة مباشرة، ودون أن تعلن الوصاية الشرعية على المواطن أو المجتمع، لكن يبدو أن هذه المراجعات مازالت تحتاج إلى وقت وفكر لتنضج…

شارك المقال

شارك برأيك
التالي