ماذا وراء الإساءات المتكررة للمغرب من طرف إسبانيا وفرنسا؟

30 أغسطس 2014 - 23:42

أثارت الإساءات المتعددة التي تعرض لها مسؤولون مغاربة على يد الأجهزة الأمنية الفرنسية والإسبانية، العديد من الأسئلة حول إذا ما كانت هذه التصرفات التي طالت حتى الملك محمد السادس بتوقيف يخته في سواحل مدينة سبتة من طرف البحرية الإسبانية، هي تصرفات مقصودة وتنم على أن الدول التي استعمرت المغرب سابقا مازالت تنظر إلى المغرب على أنه المستعمرة السابقة؟ أم أن الأمر لا يعدو حوادث عرضية وغير مقصودة؟.

 

«البحرية الإسبانية توقف يخت الملك محمد السادس في عرض سواحل مدينة سبتة»، كان هذا الخبر الذي نشر على صفحات جريدة «إلموندو» الإسبانية كفيلا بأن يثير ضجة واسعة ويعيد إلى الأذهان سلسلة الإساءات التي تعرض لها المغرب مؤخرا من طرف مستعمريه القدامى فرنسا وإسبانيا. هذه الحوادث المتعاقبة، التي أساءت إلى مسؤولين مغاربة بل وصلت إلى رأس الدولة، جعلت عددا من المتتبعين يتساءلون عن خلفياتها، وعن استقلالية البلد الذي كان مستعمرا في السابق، أم إن الأمر لا يعدو كونه أحداثا غير متعمدة وعرضية؟

 

كرة الثلج 

الإساءات التي تعرض لها المغرب خلال هذه السنة والتي بدأت باستدعاء الشرطة الفرنسية للمدير العام لمديرية المستندات عبد اللطيف الحموشي من إقامة السفير المغربي في باريس عندما قدم سبعة من رجال الشرطة الفرنسية إلى بيت السفير المغربي في باريس وحاولوا اقتياد الحموشي من أجل التحقيق معه، وانتهت بتوقيف اليخت الملكي من قبل البحرية الإسبانية على الرغم من أن السلطات المغربية قد أخبرت البحرية الإسبانية أن الملك سيقوم بجولة على يخته في سواحل سبتة، لم تكن الوحيدة، حيث سبق للطائرات الإسبانية أن حلقت فوق اليخت الملكي قبالة سواحل الحسيمة سنة 2010، وقبلها طرد الدرك الملكي من جزيرة ليلى على يد الجيش الإسباني.

 وإذا كان البعض لا يستبعد أن تكون هذه الإساءات المتكررة مقصودة، فإن الخبير في الشؤون الدَّولية الموساوي العجلاوي يرى أن كل هذه الأحداث تبقى «حوادث عرضية»، والسبب حسب المتحدث نفسه أن العلاقات بين الرباط من جهة وكل من باريس ومدريد من جهة أخرى علاقة استراتيجية، كما أن « المغرب له مشاكل أكبر مع الجزائر وموريتانيا» وبالتالي، لا يمكنه أن يختلق مشاكل أخرى مع جيرانه الأوروبيين «لأن هذا سيعطي صورة سيئة عن المغرب على الصعيد الدَّولي، خاصة وأن جميع الدول تسعى لأن تقلص من المشاكل مع جيرانها».

غير أن طبيعة الأشخاص الذين تعرضوا لهذه الإساءات، بدأ بالمسؤول الأول عن العمل المخابراتي في المغرب، ثم مسؤول الدبلوماسية المغربية صلاح الدين مزوار الذي تعرض للتفتيش في مطار باريس وتم إجباره على خلع حذائه وحزام السروال، وبعده الرجل الثاني في الجيش الجنرال عبد العزيز البناني، وأخيرا الملك محمد السادس، تعطيها طابع الخطورة، وإن كانت غير مقصودة، «لأن هؤلاء الشخصيات يمثلون سيادة المغرب. لذلك، فرد فعل المغرب لم يكن في المستوى المطلوب» حسب سعد الركراكي أستاذ القانون الدَّولي بجامعة محمد الخامس بالرباط الذي أكد أن «هذه الأحداث التي جاءت متتابعة جعلت الكثير من المغاربة يشعرون بالإهانة، وأن جزءا من كرامة بلادهم قد تمت إهانته»، ثم أضاف أن الرباط كان عليها «اعتماد لهجة قوية حتى يعلم الطرف الآخر أن هذه الأخطاء غير مسموح بها البتة ويجب إصلاحها».

وكيف ما كان الحال، يظهر من خلال ردود أفعال كل من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والملك الإسباني فيليب السادس، مع حوادث الإساءة إلى المغرب، أنهما لم يكونا على علم بالأمر. فما أن وصل إلى علم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حادث استدعاء الحموشي حتى اتصل بالملك محمد السادس لكي يعتذر منه عن هذا الحادث، والأمر نفسه بالنسبة للملك فيليب السادس الذي اتصل فورا بالعاهل المغربي لكي يعتذر منه عن السلوك الذي بدر من البحرية الإسبانية، لذلك فالخبير في الشؤون الدَّولية موساوي العجلاوي يستبعد أن يكون السلوك الفرنسي مع المسؤولين المغاربة جاء «نتيجة للتنافس المغربي الفرنسي» على دول إفريقيا جنوب الصحراء، أو أن إسبانيا «غاضبة من قرار المغرب تأجيل تفعيل اتفاقية الصيد البحري»، وذكر بأن كلا من باريس ومدريد كانت من أكثر الدول التي عارضت مشروع القرار الذي تقدمت به واشنطن العام الماضي الذي يتضمن توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. 

 المتحدث نفسه أشار إلى أن جميع الأحداث «تم تضخيمها» من طرف الإعلام، وضرب مثلا بحادثة تفتيش وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزورا في مطار رواسي شارل ديغول الباريسي، موضحا أن الشرطة الفرنسية ليست هي التي أقدمت على إهانة المسؤول الحكومي المغربي، وإنما جرى التفتيش على يد أحد رجال شركة الأمن الخاص التي تتكلف بالتفتيش في المطار. أما بخصوص حادث استدعاء الحموشي، فقد أظهر،حسب الخبير المغربي، أن هناك لوبيات تشتغل ضد الرباط في فرنسا «ولم تكن هناك أبدا نية مبيتة لدى الدولة الفرنسية وأجهزتها بالإساءة إلى المغرب».

 هذا الطرح يتفق معه إدريس لكريني، مدير مجموعة البحث والدراسات الدَّولية، الذي يشدد على ضرورة استيعاب كيفية صناعة القرار في الدول الأوروبية، ذلك أن اتخاذ القرار ليس مركزيا كما هو الحال بالنسبة إلى المغرب، «فهناك أجهزة مستقلة تستطيع اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة دون الرجوع إلى السلطة العليا، وبالتالي فهذه التصرفات لا تعكس توجه الدولة على عكس الدول المركزية مثل المغرب والذي ينم أي تصرف صادر عن الأجهزة الأمنية أو القضائية عن موقف الدولة بأكملها». من جهته يؤكد الركراكي أن هذه الأجهزة «تتعامل بأتوماتيكية ولا تأخذ بعين الاعتبار أية قواعد دبلوماسية».

 

النظرة الاستعمارية مازالت حاضرة 

وإذا كان هنا اتفاق عام على أن هذه الأخطاء التي اقترفتها كل من إسبانيا وفرنسا في حق المغرب لا تنم عن «سياسة ممنهجة» ولا عن «موقف عدائي» لهذه الدول تجاه الرباط، فإنها تعطي تصورا عن نظرة الأجهزة الأمنية الفرنسية والإسبانية للمغرب، وهي «نظرة استعلائية وتعكس قدرا من التعالي في التعامل مع هذه المستعمرة السابقة» حسب إدريس لكريني. ذلك أنه من النادر حدوث مثل هذه التصرفات في حق مسؤولين أوروبيين أو ينتمون لدول لها القوة نفسها الاقتصادية والعسكرية التي لدى مدريد وباريس. وضرب لكريني مثلا بالزيارة التي قام بها القبطان مصطفى أديب إلى غرفة الجنرال عبد العزيز البناني في المستشفى العسكري الفرنسي. «هذه الحادثة تعد خطأ مهْنيا فظيعا، ذلك أنه كيف يمكن لرجل بهذا القدر من الأهمية أن يترك دون حراسة؟ وكيف يتم السماح للقبطان أديب بالدخول إلى المستشفى الذي من المفروض أنه يخضع لمراقبة صارمة؟».

كما أن ضعف رد الفعل المغربي، في نظر الركراكي، يمكن أن يشجع الأجهزة الأمنية لهذه الدول على تجاوز حدودها مرة أخرى، «لأن هذه الأجهزة لا تحترم إلا الدول القوية سواء كانت هذه القوة عسكرية أو معنوية. وتساءل «عندما تسمح بإهانة مسؤوليك الكبار.. فكيف تريد الدفاع عن ملفاتك الاستراتيجية؟»

 

حسابات ملف الصحراء

وفسر البعض عدم رد المغرب بقوة على هذه الإساءات، بكون الرباط لا تريد أن تخسر أهم حلفائها في قضية الصحراء، وكذلك أهم شركائها الاقتصاديين، ذلك أن إسبانيا وفرنسا تستحوذان على أكثر من 62 في المائة من المبادلات التجارية المغربية. غير أن سعد الركراكي رفض هذا التبرير معتبرا أن العلاقات بين الدول تُبنى «على أساس المصالح، ففرنسا وإسبانيا لن يساندا المغرب بدون أن تكون لهما مصالح مع المغرب». ولهذا يتعين على الرباط أن تحسن تسويق القيمة الوظيفية للبلاد «من خلال التسويق لموقعه الاستراتيجي والفرص الاقتصادية التي يوفرها لهذه الدول»، على حد تعبير سعد الركراكي الذي يشير إلى أن «الملفات الاستراتيجية تتم إدارتها من خلال منطق القوة وليس من خلال منطق المهادنة.. وكما أن للمغرب مصالحا لدى فرنسا وإسبانيا فإنهما أيضا لهما مصالحا مهمة في بلادنا».

ويبدو أن سلسلة الأحداث التي وقعت في حق مسؤولين مغاربة، جعلت المغرب يرد بطريقة أخرى وهي البحث عن شركاء اقتصاديين جدد، وتوسيع لائحة زبنائه بالتوجه أكثر نحو روسيا والصين. «وهذا الرد المغربي جاء قصد كسر احتكار إسبانيا وفرنسا للاقتصاد المغربي، وهو أفضل حل حتى تضع هذه الدول في اعتبارها أن المغرب لم يعد حديقتها الخلفية التي يمكن أن تفعل فيها ما تشاء» يقول ادريس لكريني.

 

أثنار للحسن الثاني: لو خضتم أي حرب ضد إسبانيا ستخسرونها 

من بين أكثر التصريحات التي تنم عن النظرة التي لدى المسؤولين الإسبان حول المغرب بأنه بلد أضعف من الناحية العسكرية والاقتصادية هو التصريح التي كشف عنه رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق خوسي ماريا أثنار في مذكراته الجديدة التي حملت اسم «التزام السلطة»، حيث خصص للمغرب الفصل الأول بعنوان «إسبانيا قوية في العالم».

ويكتب أثنار أنه خلال اللقاء الذي جمعه بالملك الراحل الحسن الثاني سنة 1998، تم التطرق إلى قضية سبتة ومليلية، وحول هذا الملف يكتب أثنار أن الملك الحسن الثاني أخبره أن مطالب المغرب بسبتة ومليلية سلمية ولن يعلن أي حرب بسبب هذا الملف، ويجيب أثنار، وَفق ما جاء في الكتاب «إذا أعلنتم الحرب ضد إسبانيا فستخسرونها».

وبعد وصول محمد السادس إلى العرش سنة 1999، يؤكد أثنار أن المغرب نهج استراتيجية لم تكن إيجابية تجاه إسبانيا من خلال انحيازه إلى السياسة الفرنسية برئاسة جاك شيراك، ويتهم الرئيس الفرنسي بأنه مارس «نوعا من الأبوية» على المغرب، خاصة بشأن اتخاذ القرارات في السياسة الدَّولية ومنها التي تهم إسبانيا وخصوصا قرار عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي