العلبة السوداء فتحت 

12 ديسمبر 2014 - 22:51

تقرير من 6000 صفحة يقول في أمريكا ووكالة تجسسها ما لم يقله أعداء واشنطن مجتمعون فيها، والأكثر إثارة أن التقرير التي يفضح خزانة أسرار CIA صادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي وعن لجنة الاستخبارات فيه. لقد فتح الشيوخ والعقلاء الأمريكيون العلبة السوداء للتعذيب في بلادهم، والممارسات الحاطة من كرامة البشر أمام أعين العالم ووسائل الإعلام، التي تسابقت لعرض أهم ما جاء في تقرير حول حقائق التعذيب التي مارستها وكالة الاستخبارات الأمريكية في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن.. أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا.

ماذا جاء في هذا التقرير؟

التقرير وقف بالأسماء والعناوين والتواريخ والوقائع عند استعمال أكثر من 20 وسيلة تعذيب أثناء التحقيق مع آلاف الموقوفين لمدة ثماني سنوات، وهذه الوسائل كلها ممنوعة في أمريكا، وهي:

الإيهام بالغرق، الحرمان من النوم، التهديد بالاغتصاب الجنسي، الضغط النفسي والجسدي، إبقاء المعتقلين مددا طويلة في الظلام وحرمانهم من الضوء، التغذية العكسية (المضرة)، الضجيج المستمر والموسيقى الصاخبة ليل نهار ولمدد طويلة، الاعتقال الفردي والعزلة التامة، الإذلال وامتهان الكرامة البشرية من خلال نزع الملابس أثناء التحقيق، أو ربط المعتقلين كالحيوانات أثناء نقلهم من معتقل إلى آخر، تمزيق الملابس وترك المعتقلين عراة كما ولدتهم أمهاتهم، السحل، الصفع واللكم، التهديد باستعمال الكهرباء في الصعق، خفض درجة حرارة الزنازين وترك المعتقلين في البرد مددا طويلة، استعمال الماء المثلج وترك المعتقلين فترات طويلة داخله، استعمال تقنية التابوت عن طريق وضع المعتقلين في علب ضيقة وإيهامهم بأنهم على وشك أن يدفنوا أحياء في هذه التوابيت، استخدام الحشرات وإجبار المعتقلين على العيش وسطها… 

كل هذه الوسائل التي يرجع أصل الكثير منها إلى القرون الوسطى أدت إلى موت الكثير من المعتقلين، وإلى جنون آخرين، وإلى عاهات مستديمة نفسية وجسدية للباقين… والأكثر إجراما أن الكثير من ضحايا التعذيب ثبت أنهم أبرياء، وأن اعتقالهم تم بالخطأ، وأنهم ليسوا أعضاء في القاعدة وليسوا محاربين لأمريكا… 

إلى الآن التقرير الذي أعدته لجنة من مجلس الشيوخ لم ينشر كاملا، ورئيسة اللجنة، السيناتور دايان فاينشتاين، التي توصف بالمرأة الحديدية، تقاوم ضغوطا قوية من الجمهوريين ووسائل إعلامهم ومؤسساتهم القوية التي اتهمت اللجنة بأنها تضعف هيبة أمريكا في العالم، وتحرض الشعوب الأخرى على استهداف حياة الأمريكيين، وتعطي دفعة قوية لدعاية المتطرفين ضد واشنطن ومصالحها. الجمهوريون لم يستوعبوا أن يقوم الديمقراطيون بنشر الغسيل القذر لبوش أسابيع قبل فقدان هؤلاء السيطرة على لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أما الديمقراطيون فأسرعوا إلى إعلان التقرير مخافة أن يعمد الجمهوريون إلى إدراج التقرير، الذي استغرق إعداده خمس سنوات، تحت بند التقارير السرية التي لا يمكن للجمهور أن يطلع عليها…

ماذا يعني كل هذا؟

أولا: الأنظمة الديمقراطية ليست محصنة ضد الأخطاء والانتهاكات وجرائم الحرب والسلم والممارسات الخارجة عن القانون، خاصة خارج حدودها، وفي زمن الحرب، لكن الديمقراطية داخلها قادرة على تصحيح الأخطاء، مثل الربان الآلي في الطائرات لا يمنع الأخطاء البشرية لكنه يصححها. مثل هذا التقرير الذي يفضح المستور عن التعذيب لا تقدر أعتى الدول وأكثرها ديمقراطية في أوروبا على القيام به، وهنا نقطة قوة بلاد العم سام، ولهذا وجد التناوب على الحكم بين الأحزاب في الأنظمة الحديثة، لأن التنافس والصراع بينها لا يكونان فقط على من يخدم المواطن أكثر، بل كذلك على من يفضح فساد الآخر وأخطاءه وجرائمه أكثر، وهذا ما يدفع صاحب السلطة إلى توخي الحذر لأنه يخاف أن يأتي من بعده من يفضح جرائمه وأخطاءه…

ثانيا: البشاعة والوحشية الصاعدة من التقرير الأمريكي عن جرائم وكالة الاستخبارات الأمريكية تظهران إلى أي مدى معركة حقوق الإنسان مازالت مفتوحة في كل دول العالم رغم كل المكاسب التي تحققت، فإذا كانت أمريكا، الدولة الأكثر قوة وحرية وتأثيرا في العالم، تمارس 20 نوعا من التعذيب إلى اليوم، فماذا تركت لحكام إفريقيا وآسيا وجمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية والعالم العربي؟ هؤلاء جميعا يظهرون كتلاميذ في مدرسة بوش والمحافظين الجدد… 

ثالثا: التقرير الذي نشر أول أمس يفضح جل الدول العربية التي تعاونت مع وكالات المخابرات الأمريكية في التعذيب وقامت بأعمال المناولة la sous-traitance، لصالح أمريكا، فاختطفت وعذبت واحتجزت وأهانت مواطنيها ومواطني دول أخرى شقيقة من أجل انتزاع اعترافات أو معلومات عن نشاط تنظيم القاعدة حول العالم، والمشكل أن أمريكا اليوم تحاسب أجهزة مخابراتها وتعريها أمام العالم، وتفضح أساليبها القذرة، وهي البلاد التي كانت في حرب مفتوحة على الإرهاب وفقدت 3000 أمريكيا في هجمات 11 شتنبر، لكن في الدول العربية لا أحد يجرؤ على توجيه الاتهام إلى أجهزة المخابرات، ولا على محاسبتها، ولا حتى على نقدها لأنها تبعت الوحش الأمريكي إلى غاره… ها هو الوحش الأبيض يتطهر من ذنوبه، ولو معنويا إذا لم يكن جنائيا، لكن الآخرين مازالوا في الخطيئة عالقون…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

محمد برحيلة منذ 10 سنوات

لا يمكن لأجهزة المخابرات في أي بلد أن تزاول عملها دون مراقبة,وأن تمارس الشطط والتعذيب على الشعب بحجة الحفاظ على أمن وسلامة الدولة,أو تحت ذريعة الحصول على المعلومات. إن المادة الخامسة من الميثاق العالمي لحقوق الانسان حرمت التعذيب بكل أنواعه واعتبرته من السلوكات الحاطة من كرامة الانسان. على الدول التي ما تزال مخابراتها وأجهزة أمنها المتعددة تجلد مواطنيها وتذيقهم شتى أنواع العذاب المادي والنفسي,أن تستفيد من تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي وعقلاء هذا البلد ,وتخضع جميع أجهزتها للمراقبة كي تحد من الممارسات التي تمس بكرامة المواطن.

laarbi ssonni منذ 10 سنوات

لو أن فتح العلبة السوداء هذا أدى إلى محاسبة ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم الإنسانية التي تقشعر لها الجلود وتنفطر لها القلوب لكان الأمر محمودا جدا، أمَا وأن الكونكرس قد اتفق على أن لايُحاكَم لا جورج بوش ولا أي مسؤول آخر على هذه الجرائم فإن فتح هذه العلبة السوداء له نتائج عكسية تماما، الرابح فيها هم الجلادون، والخاسر الأكبر الضحايا ضحايا الأمس المنسيون وضحايا اليوم الذين يئنون، والمؤهلون لأن يكونوا ضحابا المستقبل لأن فتح العلبة السوداء مع حصانة المسؤولين ضد أي محاسبة هي رسالة واضحة وقوية بأنَّ لِأي مسؤول أمريكي كبُر شأنه أو صغر الضوء الأخضر مع الحصانة لكي يفعل خارج مريكا وأوروبا وروسيا وسرائيل ماشاء مما يخطرعلى باله من الإجرام والتعذيب والتنكيل والقتل، ناهيك عن الإستغلال والنهب.

laarbi ssonni منذ 10 سنوات

مع احترامي الكبير أقول لك يا سيد بوعشرين أنك مخطئ بتلميع صورة امريكا السواءِ فيها الجمهوريون أو الديمقراطيون كنا سنتفق معك لو أن فتح العلبة السوداء هذا أدى إلى محاسبة ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم الإنسانية التي تقشعر لها الجلود وتنفطر لها القلوب، أمَا وأننا نعلم من خلال الأخبار الرسمية الأمريكية أن الكونكرس قد اتفق على أن لايُحاكم لا جورج بوش ولا أي مسؤول آخر على هذه الجرائم فإن فتح هذه العلبة السوداء له نتائج عكسية تماما، الرابح فيها هم الجلادون، والخاسر الأكبر الضحايا ضحايا الأمس المنسيون وضحايا اليوم الذين يئنون، والمؤهلون لأن يكونوا ضحابا المستقبل و من سيكونون -على الأقل في المستقبل القريب- غيرالمسلمين العرب؟ لأن فتح العلبة السوداء مع حصانة المسؤولين ضد أي محاسبة هي رسالة واضحة وقوية بأنَّ لِأي مسؤول أمريكي كبُر شأنه أو صغر الضوء الأخضر مع الحصانة لكي يفعل في المسلم -العربي على الخصوص- ماشاء مما يخطرعلى باله من الإجرام والتعذيب والتنكيل والقتل، ناهيك عن الإستغلال والنهب. hsmsy

Mohamed منذ 10 سنوات

و لماذا سُجن رشيد نيني رئيس تحرير جريدة المساء المغربية السابق لمدة سنة و مُنع عنه حتى وجود القلم في زنزانته

رابح منذ 10 سنوات

الدخل الوطني الخام لمجموع دول افريقيا لا يساوي سوى دخل ايطاليا لوحدها , معنى ان مثل هذه الدول هي اقزام بل في حجم الحشرات امام عمالقة الدول العظمى التي تستطيع ان تفعل ما تشاء ببقية بلدان العالم .. وهي كذلك تفعل في مجال تصور الديموقراطية .. المغرب قرر اخيرا تحريم التعذيب فهل يمكنه فتح علبته السوداء

التالي